*د. حسن الشقطي
أغلق مؤشر سوق الأسهم هذا الأسبوع على انخفاض طفيف بحوالي 11 نقطة عندما أغلق عند 7011 نقطة، أي أنه يكاد يكون أغلق بدون تغيير تقريباً، وذلك على الرغم من إحرازه اخضراراً على مدى ثلاثة أيام هذا الأسبوع. وعلى الرغم من أن المؤشر قد تحرك في نطاق 220 نقطة تقريباً (أي في نطاق ضيق)، إلا أنه لم يعكس أي نوع من التماسك أو الاستقرار للسوق، حيث سادت هذا الأسبوع حالة خوف نتيجة قلق شديد لدى المتداولين من حدوث انتكاسة جديدة للمؤشر تهوي به إلى مستويات 4444 أو على الأقل 5555 نقطة. بل إن البعض بدأ يشيع مستويات أدنى من ذلك في كثيرٍ من المحافل والمنتديات للأسهم. لقد اختفت تدريجياً أحاديث التجميع أو استغلال القاع لصعود جديد، بل إن البعض وصل لحد القناعة بصعوبة صعود المؤشر من جديد إلى 8000 نقطة.
ونثير هنا التساؤل حول مدى صدق هذه المخاوف؟ وهل هي في محلها؟ بل نثير التساؤل حول ما هو أهم... وهو: هل المؤشر لم يصل بعد فعلياً إلى هذه المستويات المتدنية؟ وهل قيمته الحالية هي القيمة الواقعية التي تعبر عن وضعيته بعد السقوط الكبير عن مستواه في فبراير من العام الماضي؟ بل أكثر من ذلك، هل من المنطقي أن نقارن قيمة رسملة السوق الحالية بقيمته في فبراير العام الماضي لكي نقيس مقدار الانخفاض فيها؟ أم أننا في حاجة ماسة لاستبعاد الأطروحات من الشركات الجديدة التي تم الاكتتاب بها وأيضاً استبعاد الزيادات في رؤوس أموال الشركات؟ وأيضا لكي نستطيع الإجابة عن التساؤل التالي: هل وصل المؤشر فعلاً إلى 5280 نقطة حسب مؤشرات الأسهم في فبراير 2006؟
المؤشر... إخضرار بلا صعود؟
من اللافت للنظر أن المؤشر أصبح لونه لا يعبر عن قيمته أو اتجاه تحركاته. فعلى الرغم من إخضراره على مدى ثلاثة أيام هذا الأسبوع، إلا أنه لم يحرز خلال هذه الأيام الثلاثة سوى صعود بحوالي 108 نقاط، بنسبة لا تزيد على 1.5%. في حين ان تراجعه في يوم واحد قد التهم كافة هذه النقاط تقريباً عندما تراجع يوم الأربعاء بحوالي 1.41%. ويوضح ذلك أن الميل الحدي للهبوط لدى المؤشر أقوى وأسرع من الميل الحدي للصعود، وهي حالة تتشابه مع الميل الحدي للاستهلاك والميل الحدي للادخار لدى الأفراد، حيث إن الميل للاستهلاك يتشابه مع الميل للهبوط من حيث قوته وسرعته، على عكس ميله للصعود فهو أشبه بالميل للادخار في بطئه.
ومن ناحية أخرى، فإن تجارب الماضي أثبتت أن البقاء فترة طويلة عند قاع معين لا يعد دليلاً على التماسك أو بناء قاع قوي، فكل قاع حتى هذه اللحظة ومنذ فبراير 2006 هو قاع يمكن اختراقه. وعلى الرغم من أن المؤشر لامس 7179 نقطة صعوداً، إلا أنه لم يتمكن سوى من الإمساك بمستوى 7120 نقطة التي واجه عندها مقاومة قوية. مع ذلك، فإنه أبدى ميله إلى الانحدار السريع لأسفل من جديد عندما لامس 6958 نقطة.
باختصار أنهى السوق أسبوعه على انخفاض بحوالي 11 نقطة أو بما يعادل 0.16%، وهو مستوى انخفاض طفيف.
موجة الاكتتابات وتدني احتمالات الصعود حالياً.. إلى متى تستمر؟
مؤشر السوق يتحرك صعوداً وهبوطاً بناء على دعم السيولة المتداولة والتي تتحدد حسب قدر الفوائض النقدية لدى الأفراد المتداولين في السوق، وهذه الأخيرة تتحدد بناء على مستويات الدخول وحجم النفقات المعيشية، ويضاف إليها مدى الطلب على السيولة لتلبية أنشطة استثمارية أخرى تحقق عوائد أعلى، والتي من أبرزها الاكتتابات. ومنذ أكثر من عام، وهناك سيل غير منقطع من هذه الاكتتابات. ففي شهر مايو الماضي فقط طرحت 8 شركات بمعدل شركة كل 4 أيام، وهو رقم يبدو كبيراً مقارنة بالأسواق الأخرى التي تطرح بها شركة أو شركتان في العام تقريباً. وقد حددنا في تقرير سابق أن عدد هذه الشركات المحتمل طرحها قد يصل إلى 100 شركة، ولكن هذا الرقم وفي ظل هذا السيل المستمر والمتواصل من الشركات التي تعلن إما عن جاهزيتها أو نيتها للطرح قريباً، فإنه مؤهل للوصول إلى حوالي 200 شركة يتوقع طرحها. وهذا الأمر يتسبب في حالة من اليأس لدى المتداولين من صعود المؤشر، فكيف سيحدث هذا الصعود والسيولة باتت تدور أسبوعياً من شركة جديدة لأخرى؟
هل يستطيع المساهمون ممارسة حقهم كملاك فعليين للشركات؟ وماذا يمنعهم؟
إن جميع أصحاب الشركات أصبحوا يفكرون في الحصول السريع وربما السهل على مئات الملايين من الريالات من طرح أسهم شركاتهم في السوق. إن حديث العديد من أصحاب هذه الشركات لا يدلل كثيراً على أنهم يستوعبون التزامات هذا الطرح، هم فقط يفكرون الآن في الحصول على قيمة رأس مال شركاتهم.. ويعتقد البعض منهم جدياً في أنهم لن يفقدوا ملكية شركاتهم أو سيطرتهم على إدارتها في ظل النسبة الاستحواذية التي تتبقى لهم في هذه الشركات. بمعنى أن البعض يعتقد أن الطرح ما هو إلا حصول هذه الشركات على قيمتها أو ما يفوق قيمتها، مع بقاء الأوضاع على ما هي عليه فيها.. فقط ما سيتغير أن هذه الشركات ستوزع جزءاً من أرباحها لهؤلاء المساهمين... بل يظل هذا التوزيع اختيارياً كما يراه ملاك الشركة. وعلى الرغم من استقرار كثيرٍ من الأنظمة المرتبطة بسوق الأسهم حالياً، إلا أن أنظمة مجالس الإدارة وحدود صلاحياتها وتصرفاتها والجمعيات العمومية لهذه الشركات حتى الآن لم تستقر أوضاعها تماماً بالشكل الذي يمكن المساهمين في هذه الشركات من القيام بأدوارهم التي يخولها لهم نظام الشركات في التغيير أو التبديل أو فرض السياسات التي يرونها، أي ممارسة حقوقهم كملاك لهذه الشركات، وخير دليل الألوان الرمادية التي ظهرت في شركتي بيشة وإنعام. لكل ذلك، فإن كافة الشركات الرابحة والخاسرة خارج السوق ترى أن سوق الأسهم إنما يمثل لهم هدية ثمينة تقدم لهم رأس مال شركاتهم من جديد. وإذ نثير التساؤل: هل يتمكن المساهمون في الشركات حالياً فعلاً من تغيير مسار أو سياسات الشركات التي يساهمون فيها؟ وبخاصة أن السوق تسيطر عليه الشركات العائلية.
إذا كانت سيولة الصغار تخرج سريعاً من الشركات الجديدة.. فمَن يبقى فيها؟
التساؤل الذي يطرح نفسه الآن: مع هذا الكم من الشركات الجديدة التي تطرح متوالية، وفي ظل الخروج السريع لسيولة المتداولين من أصحاب المحافظ الصغيرة والمتوسطة، وأيضاً في ظل معرفة أن كبار المضاربين مشغولون بالتحركات السريعة لاقتناص كل فرصة عائد في السوق، وبالتالي تتسم محافظهم بسرعة التنقل بين بساتين السوق... فسيولة من تلك التي ستبقى في هذه الشركات الجديدة؟ هل هي سيولة المؤسسين؟ أم سيولة الصناديق؟ أم غيرها؟ بل ما هو أهم: كيف يتم تغطية الاكتتابات الجديدة في هذه الشركات إذا كانت قيمة الاكتتاب بها تتجاوز في كثير من الأحيان حجم الفوائض النقدية المتاحة لدى الأفراد خلال الفترة الزمنية المطلوب الاكتتاب بها؟ إذن لا يوجد سوى التسهيلات البنكية التي تلعب دور سد الفجوة ما بين المعروض النقدي والطلب على السيولة.
قيمة السوق حالياً 1.13 تريليون لـ93 شركة؟
من الأمور التي تثير القلق والتي قد لا ينتبه لها الكثيرون هي أن قيمة رسملة السوق لا تزال تأخذ منحنى هابطاً وسريعاً، وذلك على الرغم من التزايد الآني لعدد الشركات المتداولة في السوق من شهر لآخر، بل وعلى الرغم من الضخ الهائل الذي حدث بالسوق لزيادات رؤوس أموال الشركات. فقد ارتفع عدد الشركات بالسوق من 78 شركة في فبراير من العام الماضي إلى 95 شركة هذا الشهر، أي بزيادة قدرها 17 شركة، وهي شركات جديدة يُفترض أنه لم تلحق بها الخسائر، وأن أسعارها السوقية ارتفعت في المتوسط عن قيمها الاسمية بمعدلات تفوق الضعفين إلى ثلاثة أضعاف. أي أن هذه الشركات يفترض أن تكون قد تضاعفت رؤوس أموالها بنحو مرتين إلى ثلاث مرات في المتوسط بمجرد الإدراج. إلا أن الأمر المثير أن قيمة السوق الإجمالية قد انخفضت ولا تزال تأخذ منحنى هابطاً أسبوعياً. وهنا نود توضيح أنه تُوجد قوتان متضادتان، هما قوة تضغط لتخفيض قيمة السوق وهي قوة الهبوط المستمر والتي تقلص الأسعار السوقية للأسهم، وقوة أخرى تضغط لزيادة قيمة رسملة السوق نتيجة طرح شركات جديدة تتضاعف أسعارها بمجرد طرحها. إلا أنه من الواضح أن المسار النزولي لا يزال يأكل كل زيادة في قيمة السوق نتيجة طرح الشركات الجديدة.
هل وصل المؤشر إلى 5280 نقطة؟
نسعى هنا لتجربة إعادة قياس قيمة مؤشر السوق في ظل الاعتبارات التي كانت سائدة قبل بداية التصحيح في السوق في فبراير 2006، أي نسعى لإعادة تقييم المؤشر مع استبعاد كافة المؤثرات الجديدة والمستحدثة التي طرأت على السوق منذ فبراير من العام الماضي. لذلك، فإننا نفترض ما يلي:
1- تحييد أثر تجزئة الأسهم.
2- استبعاد كافة الشركات الجديدة التي طرحت في السوق منذ 23 فبراير 2006.
3- استبعاد كافة الزيادات التي حدثت على رؤوس أموال الشركات القديمة منذ 23 فبراير 2006. أي أننا سنعيد حساب قيمة المؤشر في ظل الأسعار السوقية للأسهم حسب إغلاق الأربعاء الماضي، وفي ظل أعداد الأسهم المصدرة في تاريخ 23 فبراير 2006، ولكن مع الأخذ في الاعتبار عملية التجزئة التي تمت على هذه الأسهم.
إن النتيجة كانت غريبة ومستغربة، حيث بلغت قيمة مؤشر السوق في ظل هذه الافتراضات حوالي 5280.09 نقطة، وهو مستوى يقل كثيراً عن المستوى الظاهري للمؤشر الآن. وهو أيضا يُزيد حجم الخسائر الفعلية التي لحقت بالسوق ككل إلى حوالي 74.4% بدلاً من المستوى المعلن حالياً وهو 66%. إن هذه القيمة أنها تعبّر عن وضع حرج، وبخاصة أن المؤشر حتى الآن لم يستقر بعد، ويتوقع كثير من المحللين أن يكسر مستويات جديدة لأسفل طالما غابت الدعومات القوية له.... فكيف وإلى أين يمكن أن يصل المؤشر إذا سار في مسارات هبوطية جديدة؟
هل سوق الأسهم هو السبب وراء تضخم تكاليف الغذاء والإسكان؟
يعتبر قطاعا الغذاء والإسكان هما القطاعان الأكثر أهمية بالنسبة لكل فرد. ولعله من سوء الحظ أنهما القطاعان الأبرز من بين القطاعين التي ضربها التصاعد والتي أدت إلى ارتفاع معدل التضخم في المملكة في شهر مايو الماضي ليصل إلى 2.96% كما أشار تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي. وهنا يثار التساؤل عن دور هبوط سوق الأسهم في هذه الظاهرة؟ هل هو السبب أم النتيجة؟ هل الهبوط أدى إلى تزايد التضخم؟ أم أن التضخم أدى إلى تعزيز الهبوط بنقص السيولة؟
إن العلاقة بين سوق الأسهم وبين التضخم تتشابك من جوانب عديدة، من أبرزها أن أداء سوق الأسهم يرتكز على حجم السيولة النقدية المتاحة والفائضة لدى الأفراد، كما أن هذه السيولة تتأثر من جهة أخرى بحجم السيولة المتجددة التي تتيحها البنوك بتسهيلاتها الإقراضية.
ومن جانب ثالث، فإن الهبوط الشديد الذي أصاب سوق الأسهم الذي تسبب في خسائر كبيرة لحقت بمعظم المتداولين فيه، قد تسبب في تآكل رؤوس أموال هؤلاء الأفراد. وبالتالي تسببت بطريق غير مباشر في انحسار حجم العديد من القطاعات والأنشطة التجارية، والتي من أبرزها قطاعات الغذاء والإسكان، بالشكل الذي أدى إلى انحسار حجم المعروض منها عن حجم الطلب الهائل والمتزايد.
أهمية تحديد نسب (خسائر- أرباح) كل شركة من رأس مالها
من الأمور الصعبة التي قد تواجه أي متداول أو حتى محلل السعي لحساب نسبة خسائر أي شركة من رأس مالها لتلك الشركات ذات الأوضاع المالية الضعيفة. فأنت إذا فكرت أن تبحث في هذا الأمر للتأكد من قوة المركز المالي للشركة، وللتيقن أنها بعيدة عن وصول خسائرها إلى 95% من رأس مالها، وبالتالي أنها بعيدة عن الإيقاف، فإنك قد تواجه صعوبات كبيرة في تقدير نسبة هذه الخسائر من رأس المال، وذلك نتيجة البيانات وطريقة عرضها. وإذ نأمل كما يأمل الكثيرون أن توفر هيئة السوق المالية هذه النسبة بشكل صريح كأحد البيانات الرسمية التي تعرض عن الشركات، وذلك حتى تتوافر المصداقية والثقة في الموقف المالي لكل شركة، وبالتالي لا يفاجأ المتداولون بقرار تعليق لشركات جديدة.
حدود الإفصاح
في صناديق الاستثمار!!
حتى الآن لا يعلم أحد منا ما الحدود الملزمة لصناديق الاستثمار للإفصاح عن عملياتها المالية؟ فيما تستثمر؟ في أي أسهم؟ وبأي كميات؟، وذلك في ظل استمرار تعديل أوضاع الصناديق لتتوافق مع اللائحة الجديدة. إن هذه التساؤلات لا تبدو مهمة للمستثمرين في هذه الصناديق فقط، ولكنها أكثر أهمية للمتداولين في سوق الأسهم. فصناديق الاستثمار العاملة في سوق الأسهم المحلية والتي يصل عددها إلى 30 صندوقاً، بلغت قيمة أصولها 27.7 مليار ريال حسب بيانات الربع الأول 2007، أي بمتوسط 0.92 مليار ريال للصندوق الواحد. ولا جدال في أن الصندوق يمتلك مليار ريال تتحرك كسيولة مضاربة في السوق (وهذا حال غالبية الصناديق)، فإنه لا يمتلك القدرة فقط على تحريك سهم معين، ولكنه يمتلك القدرة على تحريك المؤشر في ظل انحدار مستوى السيولة اليومية إلى مستوى من 4 إلى 6 مليارات ريال. وبالتالي فإن صناديق الاستثمار لا تزال وعلى الرغم من انخفاض قيمة أصولها بأكثر من 70% منذ فبراير 2007، إلا أنها لا تزال تمتلك قوة فاعلة في توجيه حركة التداول في السوق حسب تحركاتها.
محلل اقتصادي ومالي
hassan14369@hotmail.com