Al Jazirah NewsPaper Wednesday  27/06/2007 G Issue 12690
الاقتصادية
الاربعاء 12 جمادىالآخرة 1428   العدد  12690
«الجزيرة» تفتح ملف تمويل الإرهاب وفاقد عناصر الإنتاج بسببه!
مقترح بإنشاء لجنة عليا متخصصة لمتابعة وكشف وسائل التمويل
ومختصون يؤكدون أن الأنظمة والرقابة لا تغني عن تعاون المواطن والمقيم

*الرياض - منيرة المشخص

ترخيص مبدئي لاستثمار مالي، أو تبرعات فردية موجهة. أو اعلان عن مساهمة في صحيفة... ثغرات تكشف القصور في آلية العمل الوطني الموحد لمواجهة الارهاب في الجانب الاقتصادي فالمنابع التمويلية لصالح الاستثمار المالي يمكن ان يدعم بالوثائق الرسمية من التجارة والاعلانات للمساهمات مع اختلافها مفتوحة امام المعلن وطرق جمع التبرعات وجهاتها مازالت في دائرة مظلمة.

لكن ما الذي غيب الاعلام الاقتصادي عن هذه الاطروحات وما هي الاثار الاقتصادية المترتبة عن هذا التغيب وكيف يمكن دعم فردية الجهود بجماعية التنسيق؟

وهل ما زالت هذه الأطروحات سارية مع ضعف مواجهتها عملياً ام خرجت أطروحات أخرى جديدة للمنابع التمويلية تصب في صالح الارهاب؟ هذه الاسئلة وغيرها تلاحقها «الجزيرة» بحثاً عن الإجابة مع عدد من المعنيين في محاولة لطرح ما يمكن طرحه في سبيل مواكبة الجهود الامنية على ارضية الواقع وتعزيز نجاحاتها اقتصاديا.

ثغرات!!

مدى إمكانية اعتبار المساهمات الوهمية وتوظيف الأموال ثغرات مكنت من توفير التمويل اللازم للعمليات الارهابية سؤال طرحته الجزيرة بداية على الدكتور: سعد بن علي الشهراني وكيل كلية الدراسات العليا بجامعة نايف للعلوم العربية والأمنية فأجاب: المساهمات الوهمية و(النشاطات المالية والتجارية الأخرى) غير المرخصة، هي أصلاً غير مشروعة, حتى وإن لم تكن النية تمويل الإرهاب, فإذا اجتمع عدم الترخيص مع النية باستخدام متحصلاتها أو استخدامها فعلاً في تمويل العمليات أو التنظيمات الإرهابية, يزيد من جريمتها, وتستدعي عقاباً أكبر مما لو كانت نشاطات مخالفة للنظام فقط.

فالجريمة المنظمة والتنظيمات الإرهابية تستغل كل الوسائل للوصول إلى أهدافها, ولاشك أن المساهمات الوهمية, هي ثغرة موجودة, خصوصاً إذا ما تمت في نطاق محدود, بعيداً عن رقابة الأجهزة المختصة.

ومن المهم جداً أن تقوم الأجهزة المعنية بالرقابة على الأنشطة الاقتصادية والتجارية والمالية, بمهامها وواجباتها, في حدود اختصاصاتها, لمنع وقطع دابر الأنشطة غير المشروعة وغير المرخصة, وهذا في حد ذاته إجراء أساسي ووقائي فعال, لمنع الإرهابيين والمنظمات الإرهابية من استغلال مثل هذه الثغرات لتحصيل الأموال التي تحتاجها لتنفيذ أهدافها الإجرامية.

وأضاف الشهراني: الإجراءات التي اتخذتها السلطات المعنية، لمنع استغلال العواطف الدينية لأغراض خبيثة, هي إجراءات ضرورية ومطلوبة ونجحت إلى حد كبير ولكنها تحتاج إلى دعم من البقية فإجراءات المنع والرقابة تحتاج إلى تعاون المواطنين والمقيمين, للامتناع الذاتي عن دفع أي مبلغ مهما كان قليلاً, إلا من خلال القنوات المعلنة والشفافة والرسمية, وهنا اشير الى ان الدولة وأجهزتها المعنية لا يمكن أن تكون مع كل شخص في كل وقت وفي كل مكان, وعند كل صلاة وفي كل مسجد, لذلك من المهم أن يدرك المجتمع أنه قد يتم استغلال العواطف النبيلة لأغراض خبيثة, وعليهم الامتناع أولا عن الدفع إلا من خلال القنوات الرسمية, والإبلاغ عن أي نشاط غير مرخص لجمع التبرعات.

التعاون والتنسيق

وقال الشهراني: إن الإجراءات ذات الطابع الأمني، يجب ألا تكون عائقاً أمام النشاط الاقتصادي, وتسهيل إجراءات التراخيص وتشجيع النشاط الاقتصادي والاستثماري, يجب أن يضمن أنه غير مستغل ولا مخترق لأغراض وأهداف تخل بالأمن, على أي مستوى.

ويكمل حديثة قائلاً: الأجهزة الأمنية يجب أن تؤدي مهامها في الرقابة والمتابعة والاكتشاف والمنع والضبط, والأجهزة الحكومية المعنية بالنشاط الاقتصادي والاستثماري، يجب أن تؤدي مهامها في تسهيل وتشجيع النشاط الاقتصادي والاستثماري المحلي والأجنبي وفي الرقابة أيضاً, لتحقيق الهدفين معاً وهما: الهدف الأمني والهدف الاقتصادي.

وحتى في الظروف العادية, يجب أن يكون هناك تنسيق وتعاون وتكامل بين الأجهزة ذات العلاقة بنشاط معين أو خدمة حكومية معينة, لذلك لابد من التعاون الكامل والتنسيق والشفافية بين الأجهزة, واعتقد أن هناك لجاناً متعددة على مستويات متعددة, معنية بهذا الأمر, وحققت نتائج طيبة, وحول دور الإعلام الاقتصادي في تسليط الضوء على مثل هذه المناشط والى أي مدى كان اهتمامه بالتطرق لها قال: تمويل الإرهاب, لم يأخذ مداه ولم تظهر أهميته إلا منذ سنوات قليلة, فالإعلام الاقتصادي مشغول بعالم الاقتصاد والمال والتجارة, هذا البحر والمحيط المتلاطم والزاخر بالأحداث والتطورات والإحصاءات, وتمويل الإرهاب قضية أمنية بالدرجة الأولى, ولذلك فإن الإعلام السياسي والإعلام الأمني هما الأقرب, ومع ذلك فإن المحررين والصحافيين الاقتصاديين والسياسيين والأمنيين, كلهم معنيون بهذه القضية, وفي تصوري أن البعد التوعوي هو الأهم إعلامياً وليس الإجراءات الأمنية فقط رغم أهميتها.

واختتم الدكتور الشهراني حديثه بالقول: يمكن تصنيف الآثار الاقتصادية للإرهاب إلى آثار مباشرة وآثار غير مباشرة وإلى آثار للعمليات الإرهابية وآثار للظاهرة الإرهابية وإلى آثار على المستوى الوطني وأخرى على المستوى الدولي, ومن الآثار الاقتصادية المهمة الموارد الموجهة لتمويل العمليات والتنظيمات الإرهابية التي تعتبر فاقداً من عوامل الإنتاج, فضلاً عن أنها (تنتج) (إنتاجا) (محرماً)، فهي تنتج الخوف والقتل والإعاقات والدمار والخراب, وبديلها المشروع هو أن تكون منخرطة في نشاط اقتصادي وليس في (إنتاج هدام).

ومن الآثار الاقتصادية المهمة للعمليات التنظيمات الإرهابية, إثارة الرعب والخوف, وهما من أهم معطلات الإنتاج والإبداع والابتكار, فضلاً عن الخسائر في الأرواح والممتلكات التي تنتج عن العمليات الإرهابية.

ومعروف أن رأس المال جبان, ولذلك فإن الإرهاب, يؤدي ليس فقط إلى إحجام رأس المال الأجنبي, بل إلى هروب رأس المال الوطني. والإرهاب قد يؤدي أيضاً إلى زعزعة الثقة في الاقتصاد الوطني وفي العملة الوطنية. وإذا استهدف الإرهاب المنشآت الاقتصادية, فإن الخسائر ستتضاعف.

ومن أهم القطاعات التي تتأثر بالإرهاب قطاعات النقل الجوي والسياحة والسفر وسوق المال.

التكلفة الأمنية

من الآثار الاقتصادية المهمة للإرهاب ايضا، أنه يتطلب توجيه موارد اقتصادية أكثر للقطاع الامني من أجل زيادة كفاءة وقدرة الأجهزة الأمنية للتصدي للظاهرة ومواجهتها.

وهذا في جزء منه على الأقل, يعتبر تكلفة وأثراً اقتصادياً سلبياً للإرهاب, الأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الواحد عارف عضو هيئة التدريس، والمشرف على إدارة التعاون الدولي والجمعيات العلمية بجامعة الملك سعود قال: إن نجاح الأمن السعودي في إحباط مخططات العمليات الإرهابية على مدى السنوات الماضية وخاصة العملية الإرهابية الأخيرة التي تتميز بضخامة المبلغ المضبوط والذي تجاوز (20) مليون ريال، والتي كانت تستهدف المنشآت النفطية وتدمير المنجزات الاقتصادية وحرمان المجتمع من فوائدها، يجعلنا نتساءل: من أين يأتي هذا التمويل المالي الكبير؟ وكيف يتوفر كل هذا الدعم غير المسبوق؟ وما هي مصادر تمويل هذه الجماعات بشكل عام؟ إن الإجابة في تصوري تتمحور حول استخدامهم لأساليب متنوعة ومبتكرة في جمع الأموال، ومن أهمها كما يذكر في وسائل الإعلام هو طرحهم لعدد من المساهمات التجارية الوهمية أمام أفراد المجتمع الذين يتم التغرير بهم بحجة استثمار هذه المبالغ في شركات تجارية تتعامل بنظام المرابحات والمضاربات الحلال التي تبين فيما بعد أنها كلها مجرد مساهمات وهمية كاذبة، ولا تعدو أن تكون ستارا يخفي خلفه أهدافهم وأغراضهم التي تستهدف أمن المجتمع وسلامة منجزاته وأبنائه.

ويشير د. عارف في ثنايا حديثة إلى عدد من الإشكاليات حول مصادر التمويل لدى المراقبين, حيث قال: في الواقع ان هذا يثير عددا من الإشكاليات المهمة لدى كثير من المراقبين، يأتي في مقدمتها أن هذا التمويل الضخم الذي بين يدي هذه الجماعات قد يكون جزءا من مصادره من أموال مشروعة وصدقات بعض الجمعيات الخيرية مثلاً التي تقدم عن حسن نية وبهدف توجيهها لأعمال الخير، أو تأتي من مصادر أخرى غير مشروعة كتجارة المخدرات وتهريب الأسلحة، ومما يساعد على استمرار هذا الدعم المالي المشبوه هو حرصهم على إخفاء مصادر التمويل وبقائه متاحاً لهم لتمويل أي أنشطة إرهابية في المستقبل - لا قدر الله - لذا تتم عملياتهم المالية في سرية تامة.

صعوبات المواجهة

واعتبر الدكتورعارف أن القرارات السابقة والمتعلقة بتجفيف منابع عمليات جمع الأموال مثل منع التبرعات في الصناديق الخيرية وغيرها.. قد ساهمت فعلاً في تحقيق الأهداف وتجفيف منابع التمويل مضيفا ان هذا الإجراء اسهم إلى حد بعيد في تجفيف منابع كثيرة من عمليات جمع الأموال لتلك الجماعات، ويستطرد قائلا: لكن مهما تعددت عمليات تجفيف المنابع يظل من الصعب السيطرة على قدرة تلك الجماعات في جمع الأموال والتبرعات من المواطنين بحجج كثيرة ظاهرها خير بينما باطنها التدمير والشر وقتل الأبرياء، وفي رأيي أنه من الصعب إثبات ارتباط ممولي الإرهاب بأي أنشطة إجرامية محددة لأنهم يتحركون بحرص شديد ويتخفون وراء أعمال ومشروعات صورية، الهدف منها توفير الدعم المالي اللازم لنشاطاتهم، كما تتميز التنظيمات الهيكلية لجماعات تمويل الإرهاب بالمرونة, مما يجعلها قادرة على الاستجابة السريعة لتحديات استراتيجيات مكافحة تجفيف المنابع على اعتبار أنها تمتلك قدرة كبيرة على التأقلم والتكيف مع مختلف الظروف.

وهنا يأتي أهمية وجود تكامل بين دور الدولة وأجهزتها المعنية المختلفة وبين وعي ومسئولية المواطن الذي يجب عليه التعاون وأداء دوره الوطني الهام في مكافحة الإرهاب وتمويله.

وحول ما اذا كانت آلية سهولة استصدار التراخيص المبدئية للاستثمارات المالية وجمع الأموال التي تعمل بها الجهات ذات العلاقة مثل وزارة التجارة تحتاج إلى مزيداً من التمحيص والتدقيق أشار الدكتور عارف إلى أهمية ذلك قائلاً: من المهم جداً أن يكون هناك آلية واضحة ودقيقة ومحكمة لمثل إجراءات استصدار التراخيص الاستثمارية المالية، كما أنه من المهم أيضاً التدقيق أكثر في من يمنح رخصة لمزاولة العمل التجاري بما يؤكد مشروعية أمواله التي يستثمرها وجدية النشاط يزاول فيها تجارته، ومن المهم أيضاً متابعة المنشآت التجارية بين فترة وأخرى للتأكد من مشروعية وسلامة تصرفاتها المالية لأنه من الممكن أن تبدأ المؤسسة بداية جادة لمدة معينة، ثم تنحرف بعدها عن جادة الطريق إلى مزاولة نشاطات مشبوهة متحصنة ومتسترة خلف مشروعها الاستثماري وحول أهمية وجود لجنة متخصصة تضم في عضويتها عدة أطراف حكومية لتحقيق مزيد من التعاون في مكافحة تمويل الإرهاب اجاب الدكتور عارف: كما هو معلوم لدى الجميع بأن عمليات تمويل الإرهاب تتسم بتنوع وسائلها ولا تقتصر على إمداد الجماعات الإرهابية بالأموال اللازمة للقيام بعملياتها غير المشروعة؛ بل تتناول كذلك وسائل كثيرة كبيع وتهريب الأسلحة بمختلف أنواعها، وارتكاب جرائم القتل وتدمير الممتلكات العامة والإخلال بالأمن العام وتعريض الناس والمرافق للخطر، لذا أصبح من الأهمية بمكان أن يكون هناك لجنة عليا متخصصة تتولى مكافحة الإرهاب وتمويله تضم عدة جهات رسمية ذات علاقة مباشرة بهذا الموضوع مثل (وزارة الداخلية، وزارة التجارة، وزارة الثقافة والإعلام، وزارة الخارجية، وزارة المالية..)، على أن تضم أيضاً في عضويتها عددا من الأفراد المتخصصين في دراسة وتحليل ومكافحة ظاهرة الإرهاب من أجل رصد تحركات أعضاء الجماعات الإرهابية، وكشف نشاطاتهم التجارية، ومصادر التمويل المالي لتوحيد مختلف الجهود السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية، والإعلامية، والفكرية في تبادل المعلومات المهمة والاطلاع على مستجدات الجهود الدولية في القضاء على عمليات تمويل الإرهاب في العالم.

وعن سبب غياب الإعلام الاقتصادي عن تناول مسائل التمويل فيما يتعلق بالإرهاب وتداعياته بالشكل المطلوب بالرغم من خطورته، قال الدكتور عارف: إن المتابع لوسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة في تصديها لهذه الإشكالية يجد أنها لم تقم بالدور المطلوب منها كاملاً، وإن تصديها لهذه القضية (تمويل الإرهاب) كان هامشياً ولا ينفذ إلى جوهر المشكلة في حد ذاتها وبالتالي وجد الإرهابيون مشروعاتهم التي تمول نشاطاتهم الإجرامية في مأمن من الملاحقة والرصد والكشف وبالتالي فقد نمت هذه المشاريع الوهمية وتوسعت بشكل كبير لا يتفق مع مقومات نجاح أي مشروع تجاري، ولذا فإن الإعلام الاقتصادي على وجه التحديد مطالب بأن يكون عيناً يقظةً تكشف ما يدبر لهذا الوطن من مؤامرات وخطط إجرامية تتخذ من النشاط التجاري واجهات لها، وتنبه إلى الخطر الكامن في القنوات الاستثمارية خاصة من الدخلاء عليه من ممولي الإرهاب والإرهابيين.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد