مقيم من جنسية عربية لديه معرفة ومهارة وخبرة في مجال صناعة الأحذية حث أحد المواطنين السعوديين على إقامة مصنع أحذية، مؤكداً له ربحية المشروع باعتبار أنه قادر على إنتاج أحذية بجودة عالية وأسعار مناسبة لا تقبل المنافسة مما حدا بالمواطن إلى الاستثمار في هذا المشروع الواعد، فماذا كانت النتيجة؟ إقفال المصنع بعد سنة واحدة بعد أن تكبد المواطن المستثمر خسائر كبيرة.
ما سبب الخسارة ؟ كلنا نريد أن نعرف ذلك لكي نتجنب الوقوع فيها، فالحكيم من اتعظ بغيره، والسبب ببساطة يعود لضعف معرفة ومهارة وخبرة المقيم إدارياً ومالياً وتسويقياً، مما جعله ينتج أحذية بجودة عالية تم طرحها بالسوق بعد أن استنفد رأس المال في إنتاجها ناسياً أن تحصيل المال من الموزعين ليست بالعملية الهينة وأن ذلك يستدعي إنتاج دفعة جديدة تطرح لدى الموزعين لكي يسددوا له ما تم تسويقه من الدفعة الأولى، هذا المأزق وضعف المعرفة في كيفية توظيف رأس المال ورفع كفاءته أدت في فترة قصيرة لا تتجاوز السنة لإعلان الإفلاس والعجز عن الوفاء بالالتزامات المالية بما في ذلك رواتب الموظفين.
هذه القصة تتكرر هنا وهناك، بل إنه أصبح من المعتاد أن نرى اتجاه أحد المستثمرين الذي يرغب بالاستثمار في قطاع معين كالتعليم أو الصحة مثلاً لمهني طالباً منه تأسيس مشروع استثماري وإدارته باعتبار أن صاحب المعرفة والمهارة والخبرة المهنية أفضل من يدير أي مشروع في دائرة خبرته المهنية، والمفاجأة دائماً تكون التعثر والتعثر ومن ثم الخسارة أو أحياناً قليلة النجاة بضربة حظ بعد المرور بسلسلة متتالية من الأخطاء الكارثية التي كثيراً ما تعرض مصالح الزبائن للخطر.
إحدى الدراسات في أمريكا بلد الدراسات والبحوث تشير إلى أن 50% من المشروعات الجديدة في الولايات المتحدة تفشل في خلال عامين من إقامتها بينما يفشل حوالي 85% في خلال خمسة أعوام، والسبب معروف حيث يركز معظم المستثمرين على جانب دون آخر، حيث يركز معظمهم على الجانب الفني متناسين الجوانب المالية والتسويقية والإدارية والقانونية وهي جوانب حاسمة في نجاح أو فشل المشروع.
أحد الأصدقاء من دولة خليجية مجاورة يقول إن المتقاعدين يبيعون ما نسبته 20% من رواتبهم التقاعدية ليحصلوا على رأسمال يصل في بعض الأحيان لما يعادل النصف مليون ريال يتجهون به إلى عالم الأعمال فيما يتقنونه من مهارات مهنية، لكنهم للأسف الشديد يخسرون كل تلك الأموال في فترة لا تزيد على سنة لتضيع عليهم الفرصة إضافة لضياع المال، ويؤكد هذا الصديق أن هؤلاء الموظفين الذين اعتادوا العمل الحكومي الروتيني لا يمتلكون أبسط المعارف والمهارات في الإدارية والمالية والتسويقية مما يجعلهم للخسارة أقرب منهم للنجاح في أي مشروع يستثمرون أموالهم به.
ما الحل إذن؟ إن الحل يوجد في ثنايا تلك الإحصائيات والدراسات التي تقول إن 90% من الشركات التي تم إقامتها في حاضنات أوروبية مازالت تعمل بنجاح بعد مرور ثلاثة أعوام على إقامتها، وإن 88% من الشركات التي أُقيمت في حاضنات أمريكية حققت نجاحات كما أنها ما زالت تعمل على الرغم من مرور بضع سنوات على إقامتها.
إذاً فأحد الحلول الناجعة لاجتناب فشل المشاريع الصغيرة والمتوسطة يتمثل في توجه أصحاب الأفكار إلى الحاضنات التي تتمثل وظيفتها الأولى بدعم المشروعات الناشئة الجديدة ورفع فرص نجاحها من خلال توفير جميع أنواع الدعم المالي والإداري والتسويقي إضافة للرعاية الكبيرة في مرحلة البدء والنمو، ولكن أين الحاضنات؟.
إن وجود حوالي 3500 حاضنة أعمال في مختلف أنحاء العالم منها 1000 حاضنة في أمريكا و465 حاضنة في الصين، و200 حاضنة في البرازيل ومثلها في كوريا الجنوبية، و10 في مصر وواحد في البحرين ومثلها في تونس، أما في المملكة العربية السعودية فلا يوجد إلا صندوق المئوية (إذا اعتبرناه حاضنة أعمال) باعتباره يدعم الشباب السعودي لتأسيس المشاريع الصغيرة ليشير إلى خلل في توجيه الاستثمار لدينا وخلل في طريقة تفكير المستثمرين الصغار الذين لا يملكون الخبرة الكافية للبدء في استثمار طويل الأمد ولا يملكون المال الكافي للتعاقد مع بيوت خبرة تزودهم بالدراسات العلمية ولا دور استشارات يقومون بوظيفة PMO6s لضمان نجاح مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة.
أعتقد أنه حان الأوان أن نفكر جميعاً حكومة ومستثمرين وأصحاب أفكار بضرورة إيجاد كم كبير من الحاضنات لكي نلجأ إليها جميعاً لرفع نسبة نجاح واستمرارية المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي دون شك ستكبر مع الزمن حتى نرى شركات عملاقة في كافة القطاعات الاقتصادية تلعب دورها المنتظر في بناء شراكة حقيقية مع القطاع الحكومي لتحقيق خطط التنمية الطموحة.
وكلي ثقة بأن ذلك سيؤدي تلقائياً إلى رفع الناتج الإجمالي المحلي كما يعمل على إيجاد فرص وظيفية تتناسب وحجم الطلب على الوظائف، كما تساهم في موازنة العرض والطلب على الخدم.