حث سمو وزير الخارجية الفلسطينيين إلى ابتدار مهمة المصالحة فيما بينهم، لافتاً إلى أن جهود المملكة والدول العربية الأخرى ستظل قاصرة إذا لم يحرص الفلسطينيون أنفسهم على مصالحهم الوطنية، فمثل هذا التحرك مطلوب بشدة من الأطراف الفلسطينية باعتبار أنه المحور الذي ستدور حوله المحاولات الأخرى الهادفة إلى إصلاح الوضع الفلسطيني.. بالطبع فإن محاولات المملكة لم تتوقف وهي حالياً تجري على أكثر من صعيد لإصلاح ما أفسدته الوقائع بين فتح وحماس، وسيكون من المفيد أن يتجاوب الفلسطينيون أنفسهم مع الجهود التي تستهدف إعادة اللحمة إلى صفوفهم بل أن يبادروا بوسائل عملية إلى بدء عملية المصالحة، أما بقية الخطوات الإجرائية فإن الجهات الأخرى داخل الصف العربي كفيلة بدفعها إلى الأمام، خصوصاً وأن الكل يؤلمه أن يختلف الفلسطينيون وما زالت حقوقهم أسيرة لدى الجانب الإسرائيلي الذي يهمه كثيراً أن تشل السلبيات كل جهد فلسطيني باتجاه المصالحة.. وفي الواقع الفلسطيني الراهن فإن الغلبة هي لكل مظاهر الصراع، ولا يوجد ثمة ما يشير إلى تحرك فاعل يستفاد منه أن هذه الساحة المثخنة بالجراح في سبيلها للتعافي، فالإجراءات الانفصالية بين الجانبين هي الأبرز وهي مدعاة للمزيد من التباعد وذلك على خلفية أوضاع مأساوية يعاني منها أبناء شعبهم خاصة في قطاع غزة، مع تدنٍ في الخدمات ونقص كبير في الاحتياجات وعمليات نزوح تحركها رغبات عارمة في الانتقام من هذا الطرف أو ذاك.. ولن يوقف هذا التدهور السياسي والمعيشي إلا مبادرات صادقة من الفلسطينيين تقرأ جيداً مسار الأحداث ومآلاتها المأساوية البادية للعيان، ولعل الضربة الأكبر هي التي تتلقاها وحدة الصف الفلسطيني ومن ثم اختزال الهم الوطني العام في مجرد تطلعات ممعنة في الذاتية للأطراف المصطرعة، مع توجه واضح لكل الأطراف لإحراز انتصار ما في معركة يبدو فيها القاتل والمقتول هما الخاسران، بينما تقف إسرائيل مزهوة بهذا التشتت في صفوف أعدائها.. وفي كل الأحوال فإن الجاهزية العربية للتوسط ودفع الحوار تحتاج إلى استعداد من الأطراف للانخراط في حوار جادٍ يقفز على السلبيات المتناثرة في العلاقة المهتزة بين الأطراف المصطرعة ويعلي من أهمية التمسك بالآمال والتطلعات الكبرى للشعب الفلسطيني ككل..
ويدرك الفلسطينيون قبل غيرهم أن هذه الصراعات التي تتجاوز في تجلياتها ومختلف مظاهرها إطار الخلافات الطبيعية السياسية لا تعكس بأي حال من الأحوال نضجاً سياسياً وإنما هي بالأحرى تعبير عن حماقة تطغى على أصحاب القرار وتغلب مصالحهم الذاتية على مصالح شعبهم وبالتالي فهي تستغرق جل جهدهم ووقتهم ولا تترك سوى القليل لمتابعة الشأن القومي الفلسطيني بكل ما يحتاجه من إخلاص وإنكار للذات وتجرد، وهي أمور ضرورية لضمان عدم الانجرار إلى صراعات مثل التي رأيناها طوال عام كامل سالت فيها الدماء وتراكمت خلالها الأحقاد..