Al Jazirah NewsPaper Tuesday  23/06/2007 G Issue 12686
الاقتصادية
السبت 08 جمادىالآخرة 1428   العدد  12686
مدرسة كيان الاستثمارية.. هل ينجح أحد؟!
عبدالرحمن محمد السهلي

مع بداية هذا الأسبوع يترقب طلاب الثانوية العامة صدور نتائجهم الدراسية، ولعل أقسى عبارة يمكن أن نراها إذا أعلنت النتائج في الصحف أن تجد مدرسة كاملة لم ينجح منها أحد. واليوم مع بداية تداولات سهم شركة كيان للبتروكيماويات الساعة العاشرة صباحاً تودع سوق الأسهم مرحلة الترقب، وتتضح نتائج المكتتبين الذين أدخلتهم هيئة السوق المالية في مدرسة كيان الاستثمارية، وذلك بقرارها الجريء عندما قامت برفع الحد الأدنى للتخصيص في اكتتاب كيان إلى سبعة آلاف سهم؛ مما أفاد صغار المكتتبين بشكل خاص، وأعطاهم فرصة استثمار حقيقية لم تحدث في السوق منذ اكتتاب شركة الاتصالات السعودية قبل عدة سنوات.

إن من المتعارف عليه داخل سوق الأسهم، وخصوصاً في الإدراجات الأولية، أن عامل العرض يؤثر بشكل أكبر من قوة الطلب على سعر السهم إذا أخذنا في الحسبان عدد الأسهم المطروحة للاكتتاب. ولكن تحت موجات من الضغوط النفسية التي زادت حدتها خلال الأسابيع الثلاثة المنصرمة والمستمرة منذ فبراير من عام 2006م سيجد المكتتبون بهدف المضاربة في سهم كيان، والذين يريدون التخلي عن خيار الاستثمار، أنفسهم في مأزق ابتزازي اسمه (سعر السوق) مماثل لما حصل في بعض الشركات التي تمت عمليات بيع أسهمها في اليوم الأول لإدراجها بسعر السوق؛ مما سيدفع هؤلاء المكتتبين إلى بيع أسهمهم بثمن بخس.

إن جهل كثير من المتداولين بمخاطر السوق وعدم قدرتهم على استقراء الأحداث بشكل سليم يدعوهم للمضاربة من أجل تعويض الخسائر؛ فقادهم جهلهم إلى المزيد من الخسائر؛ فالسوق - وفقاً لأبسط قواعد التحليل - يسلك مساراً تصحيحياً هابطاً منذ فبراير 2006م، وما زال؛ حتى وصلت خسائر جل المحافظ إلى 85%؛ فالمضارب المحترف يصعب عليه أن يضارب بشكل طبيعي لتحقيق أرباح في سوق منهار يسلك مساراً هابطاً، وخير شاهد على ذلك أداء صناديق الاستثمار في الأسهم المحلية التي لا تزال تحقق خسائر من العام الماضي حتى الآن، فما بالك بأفراد ليست لديهم خبرة وقدرة على تقدير المخاطر يقامرون بمدخراتهم وأموالهم على أمل تعويض الخسائر؟

صحيح أن اليأس والإحباط نتيجة الخسائر التي تعرض لها المتداولون في السوق أدى، وسيؤدي، إلى فقدان الثقة، ومزيد من التصادم مع المسلمات؛ لأن المتداولين يرفضون التكيف مع المتغيرات التي تحدث في السوق، والتي فرضها الواقع الذي نعيشه، وأعتقد أن كثيراً من المنصفين سيمتعضون من محاولة تكرار نفس الأخطاء السابقة مجدداً؛ فكلنا يعلم أن من أهم الأسباب التي أدت إلى مأساة السوق أن هناك أموالاً كثيرة تطارد أسهماً قليلة، بالإضافة إلى توقعات نمو أدت إلى تكوّن فقاعة فبراير، وها نحن نسمع ونرى من يريد فعل الخطأ نفسه بالمطالبة بإلغاء الاكتتابات، وكأنه يقول: نريد فقاعة جديدة لتعويض خسائرنا!!

وعندما بدأت هيئة سوق المال التوسع في إدراج شركات جديدة تم الترويج للرأي الداعي إلى إيقاف الاكتتابات الجديدة، وأنها سبب أساسي لتدهور السوق وقلة السيولة، متناسين الازدحامات والفوضى التي صاحبت طرح بنك البلاد والمتاجرة باستمارات الاكتتاب التي وصل سعرها إلى مئات الريالات، ومتناسين افتراش حدائق دبي للاكتتاب في دانة غاز، ومتناسين مَن احتشد في استاد الدوحة للاكتتاب في مصرف الريان. إن استحضار هذه المناظر في الذاكرة يبعث المرارة والأسى في نفس كل عاقل غيور.

إن كل يوم يمرّ ونحن نتابع تداولات سوق الأسهم تزداد فيه قناعتنا بأن ما حصل ويحصل في هذا السوق ليس بسبب اختلاله الهيكلي فقط، وإنما هناك مشكلة متداولين أيضاً، ويدخل تحت مصطلح المتداولين (الصناديق والأفراد)؛ فعلى سبيل المثال عندما صاحبت بعض عمليات الإدراج بعلاوة إصدار سلبيات تضخيم العلاوة بشكل مبالغ فيه لبعض الشركات، سارعت هيئة السوق المالية لتبني طرق جديدة لتقييم علاوات الإصدار باستخدام طريقة (بناء الأوامر)، والنتيجة ماذا؟ ارتفاع جنوني لسعر السهم بعد الطرح؛ وبالتالي تم تغيير الطريقة، ولم تتغير الممارسة؛ مما يزيد القناعة التي ذكرناها ابتداءً، وهي أن مشكلة الاختلال ليست مقتصرة على السوق نفسه، وإنما على المتداولين فيه أيضاً.

إن الوظيفة الأساسية لأي سوق مالية في العالم ليست المضاربة، وإنما تجميع المدخرات وتوجيهها للاستخدامات المنتجة، وهي قائمة على أساس لا جدل فيه، وهو تلازم حرية الفرد في اتخاذ القرار مع المسؤولية عنه، وينحصر دور الجهات التنظيمية في تطبيق القوانين وضبط الأفعال الإجرامية، ويبقى مالك الورقة المالية (المساهم) هو المسئول عن قراراته؛ فكما حُرم كثير من الناس من الاكتتاب في كيان نتيجة الحملة النفسية الكاذبة التي روّجت لفشل الاكتتاب، ها نحن نواجه، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، حملة نفسية أخرى تروّج أن سهم شركة كيان سيتم تداوله تحت قيمته الاسمية أو قريب منها بهدف ابتزاز أسهم من اكتتب، ولكن سيبقى القرار النهائي بيد مكتتبي كيان أنفسهم؛ فهل سيتعظون بغيرهم ويستفيدون من فرصة الاستثمار التي أتيحت لهم في شركة واعدة وقطاع ربحي أم سيضحون بهذه الفرصة وبمدخراتهم في مضاربات خاسرة؟ اليوم مدرسة الاستثمار ستعلن نتائجها في سوق تطغى عليه المضاربات العشوائية، وأتمنى ألا تكون نتيجتها: (لم ينجح أحد).


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد