Al Jazirah NewsPaper Wednesday  20/06/2007 G Issue 12683
محليــات
الاربعاء 05 جمادىالآخرة 1428   العدد  12683

أبو عبدالمحسن.. رمز للنفوس الكبيرة والهمم العالية

عبدالله بن عبدالمحسن الماضي

نشأ -رحمه الله- في زمن سادت فيه مفاهيم وقيم ورؤى كثيرة، منها الصالح ومنها ما دون ذلك.. فأعمل فيها العقل المتفتح والنظر الثاقب والفكر النيِّر ثم اختار أجمل وأنصع ما فيها. اختار الأصالة والكرم، واصطفى ما يليق بالذوق الرفيع والخلق الكريم متجاوزاً الموروثات السيئة، نابذاً المفاهيم المتخلفة وبالي التقاليد، فاتحاً ذهنه للاقناع والاقتناع منطلقاً من صفاء سريرته ونقاء ضميره.

أحب - غفر الله له - الآخر فاحترمه، نصح الآخر وأرشده، وتقبل منه معتبراً أن من أهدى إليه عيوبه فهو صديق مخلص له ولغيره، ولذلك ما كان يضيق بنقد.. بل كان يبحث عن الجميل ويأخذه، ويعرف القبيح ويجتنبه ويدرك الخير ويفعله كما كان يدرك الشر فينبذه، ولا أزكي على الله أحداً.

نقله الله من محيط بلدته المحدودة إلى محيط المدينة الشاسع.. وسرعان ما أصبح رجل دولة بل سرعان ما صار معروفاً ومقدراً على مستوى العالم.. نعم لقد سما معاليه وحلق في آفاق المعاني الكريمة والقيم الرفيعة والخلق النبيل وعالي الشمائل.. وكل ذلك من فضل الله سبحانه عليه وتوفيقه له.. حقاً لقد انتقل ببارع حكمته من الآفاق الضيقة في عمق نجد إلى أوسع الأجواء الرحبة محلياً ودولياً.

لست أديباً ولا عالماً فأتحدث عن مآثره العلمية والثقافية والأدبية، فهذا ليس من حقي وإنما أتركه لأرباب القلم والحرف فهم أدرى وأعلم مني بذلك، ولكني أحب أن أذكر شيئاً يسيراً من تجربتي مع معاليه أنزل الله عليه شآبيب رحمته وغفرانه.

عرفت معالي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري وأنا في سن الصبا.. ربطتني بمعاليه منذ ذلك الوقت علاقة مودة ومحبة.. علاقة تلميذ بأستاذه، فكان الوالد العطوف، كان يتحسس الحاجات فيقضيها، وعرفاناً مني بذلك يطيب لي أن أقرر أن لمعاليه عليَّ من المعروف ما لا أستطيع أن أفيه حقه.. ولذلك فإني أسأل الله سبحانه أن يكافئه ويثيبه عني خير الثواب علماً إنني واحد من ألوف مؤلفة قُضيت لهم على يده الكريمة حاجات.. وكأن الشاعر كان يعني شيخنا عندما قال:

وأفضل الناس ما بين الورى رجلاً

تقضى على يده للناس حاجات

صدقاً وعدلاً وإنصافاً، لقد كان رحمه الله من أفضل أبناء جيله.. وقد أنعم الله عليه إذ مكنه من قضاء حاجات الكثيرين بما وهبه من رجاحة عقل ورقي فكر وقدرة على البذل والعطاء من ماله وعلى التسامح حتى مع من أساء إليه.

وقبل أن أختم هذه الكلمة أود أن أذكر ما كنت أسمعه منه وما كان يردده بل وجعله ديدنه في هذه الحياة وهو قوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.

لقد سما رحمه الله فوق الأحقاد وتجاوز كل موروث بالٍ فأحسن إلى أناس ما كانوا يتوقعون إحسانه، ولا أذيع سراً إذا قلت إنه كان يزداد فرحاً إذا قضى حاجة لهؤلاء أو غيرهم.

رحلت يا أبا عبدالمحسن فرحلت معك مدرسة الأخلاق الكريمة ولا أقول إلا ما يرضي ربنا: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، رحمك الله يا والدنا وغفر لك يا شيخنا وأنزلك في كنفه منزلاً مباركاً وجعلك راضياً مرضياً في جنات النعيم.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد