أشار أحد قياديي الصف الثاني لحركة (فتح الإسلام) الموجود في مخيم (نهر البارد) في لقاء صحفي إلى (أن شبكة الإنترنت كانت السلاح الأنجع لتجنيد أعداد كبيرة من الشباب العربي للانخراط في الحركة)، وأشار القيادي أبو مصعب إلى (أن مهمته كانت استقطاب وتجنيد عناصر جديدة للحركة من خلال الإنترنت)...
... استطاعت الحركة الإرهابية في غضون أسابيع تجنيد أعداد كبيرة من المقاتلين والمؤيدين على مستوى العالم العربي، واستطاعت أيضاً جمع المزيد من الأموال عن طريق الحوالات المصرفية المنفذة عن طريق الإنترنت، إحدى الدول الخليجية كشفت عن زيادة حجم الحوالات البنكية المحولة إلى لبنان منذ اشتعال فتنة (نهر البارد)، وأشارت إلى أن تلك الزيادة ربما فرضتها ظروف لبنان الحرجة، وحاجة اللبنانيين لمساعدة إخوانهم وأقربائهم في الدول الخليجية، ربما تكون لعمليات الدعم الإغاثية، الخاصة منها والعامة، دور في زيادة حجم الحوالات المصرفية الواردة إلى لبنان إلا أنها ليست الوحيدة، وبالرجوع إلى تصريحات القيادي (أبومصعب) يمكن أن نربط بين زيادة حجم الحوالات المصرفية الواردة وتمويل الإرهاب.
استغلال حركة (فتح الإسلام) شبكة الإنترنت لدعم أنشطتها، وتجنيد المقاتلين العرب، وتمويل عملياتها الإرهابية لا يمكن فصله عن إستراتيجية الجماعات الأصولية الأخرى التي اتخذت من مواقع الإنترنت المهمة مركزاً (للقيادة والسيطرة).
جماعات الإرهاب في المملكة نشطت مبكراً في استغلال شبكات الإنترنت لحشد التأييد والدعم لعملياتها الإجرامية، وتفنن منظروها في طرح وجهات نظرهم بأساليب ملتوية يصعب على العامة إنكارها أو التحفظ على بعض مبادئها المنحرفة، تطورت استخدامات الإنترنت لدى الجماعات الإرهابية، وأصبحت تشكل عصب القيادة والسيطرة لهم. من خلالها يتم التوجيه وإصدار الأوامر، والتنبيه في أحيان كثيرة. بعض العمليات الأمنية المباغتة كانت تنقل حية على صفحات مواقع الأصوليين بمجرد اكتشافها لأخذ الحيطة والحذر، وهروب المستهدفين من قبضة رجال الأمن.
شبكات الإنترنت استخدمت أيضاً ك(أكاديمية) مصغرة لتعليم المجرمين كيفية صناعة المتفجرات، وأساليب زراعتها، وطرق صناعة الدوائر الكهربائية، واستخدام الصواعق الإلكترونية ووسائل الاتصال المتقدمة. ثم تطورت استخداماتهم المشبوهة لشبكات الإنترنت بعد أن اكتشفوا أساليب التمويل المالي عن طريق الإنترنت، تحولت عمليات التمويل النقدية إلى العمليات الإلكترونية عن طريق الإنترنت، الوسيلة الأكثر أمناً وسهولة. نشطوا في فتح الحسابات المصرفية النظامية، واتقنوا عمليات التحويل الإلكتروني، واستخدام البطاقات المصرفية بأسماء الغير، فأغناهم ذلك عن الكثير من عمليات النقد المشبوهة. محافظ الأسهم كانت جزءاً لا يتجزأ من إستراتيجية التمويل الإلكتروني المتقن. كثير من محافظ الأسهم الإلكترونية فتحت بأسماء أصحابها الاعتباريين ثم سُلمت أرقامها السرية إلى مشغلي الأموال غير النظاميين الذين يمثلون الجانب الرئيس من منظومة الجماعات الإرهابية، الجزء الأكبر من أرباح عمليات التداول المشبوهة كانت توجه لتمويل الجماعات الإرهابية، وبطريقة سرية يصعب اكتشافها. الكثير من ملاك المحافظ الاستثمارية لم يكونوا على اطلاع بمخططات مديري محافظهم المالية، ولم يعتقدوا بإمكانية تحملهم مسؤولية المشاركة في تمويل الإرهاب الداخلي. الثقة، والتهاون قد يقودان إلى التهلكة في أحيان كثيرة.
شبكات الإنترنت وفرت للجماعات الإرهابية وسائل الدعم، التوجيه، التدريب، والتمويل الآمنة. وقد كانت كذلك حتى نشطت قوى الأمن في تطوير أدوات المكافحة الإلكترونية التي حققت من خلالها النجاحات المشهودة. ولكن ماذا عن تطوير أدوات المكافحة الشعبية؟ يحتل الشعب السعودي مراكز متقدمة في التصنيف العربي لاستخدامات شبكة الإنترنت ما يجعله أكثر عرضة لتلقي أفكار الإرهابيين، وأكثر قدرة أيضاً على تفنيدها، إن أراد ذلك. يُفترض أن يكون لدينا الوعي الكافي باستخدامات الإنترنت الإيجابية خصوصاً إذا ما تعلق ذلك بأمن الوطن والمواطن. الجميع مسؤولون أمام الله عن قول الحق، وتفنيد الشائعات والأكاذيب، وتعرية أفكار الإرهابيين المتطرفة. لم يعد الأمر مقتصراً على أجهزة الأمن طالما أن الآخرين قادرون على مكافحة الفكر الضال من خلال لوحة التحكم وأجهزة الكومبيوتر. على العلماء، الخطباء، طلبة العلم، والمختصين يقع الدور الأكبر في مواجهة الفكر الضال وتعريته بنفس الوسيلة والحماسة التي يستخدمونها في التوجيه والإرشاد. أتلقى الكثير من رسائل التوجيه والإرشاد والإنكار على بريدي الإلكتروني بصفة يومية، وأسعد بذلك، وأقرأ الكثير من مواضيع الإنترنت إلا أن ما يحز في نفس المتلقي خلو هذه الرسائل (الإغراقية) مما يمكن تصنيفه ضمن رسائل مكافحة الإرهاب والفكر الضال! على الرغم من خطورته، أعتقد أنه من الممكن تعرية الفكر الضال ومحاربته والقضاء عليه في حالة توفر عدد بسيط من الداعمين للحق ولإستراتيجية مكافحة الإرهاب في مواقع الإنترنت المختلفة، لماذا لا نحتسب في مكافحة التطرف والقتل والدمار، ولماذا لا يقدم مثل هذا الأمر على ما سواه من أمور الاحتساب الأخرى، يجب أن يدفع المجتمع نحو هذا الاتجاه، وأن تتحول وسائل الدفاع الشعبية ضد قوى الإرهاب إلى إستراتيجية ثابتة، وشعور بالمسؤولية الدينية والوطنية التي لا يمكن التنازل عنها.
اليوم يلتقي الأمير نايف بن عبدالعزيز بالأئمة والخطباء والدعاة في المملكة الذين تقع عليهم مسؤولية كبيرة في تبيان الحق، وإنارة الطريق، وتعرية الفكر الضال ومحاربة المتطرفين ممن يستغلون الدين لتحقيق مآربهم المشبوهة. هؤلاء مجتمعون، وآخرون غيرهم، مسؤولون أمام الله عن تحقيق متطلبات (الأمن الفكري) والعمل على تأصيله في نفوس المواطنين، لا من خلال المنابر وحلقات العلم فحسب، بل ومن خلال تقنية المعلومات والإنترنت التي برع فيها، واتقنها الكثير منهم.
الأمير نايف بن عبدالعزيز أشار إلى أهمية محاربة رجال العلم والدعاة والباحثين الأفكار المتطرفة في قوله (لا نزال نحتاج بإلحاح وضرورة إلى عمل فكري ورد علمي وجهود مكثفة من رجال العلم من خلال علمائنا ومشايخنا ومن رجال الفكر والباحثين، وهذا أمر ما زال غير موجود مع الأسف). وأضاف أيضاً أن (المنطق يقول لا يواجه الفكر إلا بفكر، والفكر الموجود فكر ضال وليس موجهاً ضد دولة بعينها ولكنه فكر مسيء للإسلام ويعطي صورة مشوهة للإسلام)، وهذا هو الحق والقناعة التي يفترض أن يؤمن بها الجميع دون استثناء.
سيبقى الإنترنت أداة فاعلة في أيدي الإرهابيين، وبالإيمان والعزيمة والعمل يمكن أن يقلب العلماء، الدعاة، الباحثون والمجتمع حربة الإنترنت القاتلة إلى صدور الإرهابيين فينقلب السحر على الساحر، وسحر الحق، والإيمان أبقى وأمضى من تدليس الإرهابيين وأعوانهم.
تنويه: في مقالة الأسبوع الماضي تسبب جهاز الكومبيوتر في عكس أرقام تاريخ عملية بقيق الفاشلة والصحيح هو 24-2-2006 لذا وجب التنويه.
f.albuainain@hotmail.com