توفر الفصائل الفلسطينية فرصاً ذهبية باستمرار لإسرائيل لكي تواصل احتلالها لأراضيهم، ولكي تبطش بالسكان الفلسطينيين أينما كانوا في الضفة أو غزة، وها هي الآن تعلن وبكل عنجهية أنها تستعد لمنازلة في غزة للقضاء على حركة حماس بل واستعادة غزة، كما يقول وزيرها للدفاع الذي تسلم للتو منصبه، ومن الواضح أنه يستعد لبداية حملة دموية، وهو يستهل منصبه، تضعه بين كبار قادة الحرب الإسرائيليين الذين بنوا أمجادهم على المذابح وسفك الدماء.
تستطيع إسرائيل بالطبع أن تفعل كثيراً في ظل انقسام بل قطيعة فلسطينية هي الأكبر من نوعها في تاريخ النزاعات الفلسطينية، وقد أسفرت هذه القطيعة عن وجود كيانين فلسطينيين في كل من غزة والضفة، وبالتالي تقديم كل من الكيانين إلى إسرائيل على طبق من ذهب، فإسرائيل العازمة الآن على أن تبدأ بحماس في غزة لن يهدأ لها بال حتى تقضي كذلك على الفصائل الأخرى في الضفة.
وتبدو إسرائيل الآن أكثر ميلاً تجاه هؤلاء الفلسطينيين الموجودين في الضفة، وهي تحاول الاصطفاف إلى جانبهم ضد حماس، لكن إستراتيجية إسرائيل تفضل دائماً رؤية الفلسطيني ميتاً من أي فصيل كان، وهي مرحلياً تتطلع إلى التعامل مع القوة الموجودة في الضفة مقتربة تجاهها بكثير من الود بل واعتبرتها شريكاً موثوقاً به في عملية السلام، كل ذلك لتعميق الانقسام الحادث في الصف الفلسطيني ومحاولة استمالة طرف دون آخر.
غير أن الفلسطيني أينما كان في غزة أو الضفة يدرك المرامي الإسرائيلية، كما يعلم أن إسرائيل ستنقلب عليه عندما تقضي على رفاقه الآخرين، فالمطالب الفلسطينية هي سواء كانت لدى الحمساوي أو الفتحاوي، وكلهم ينشدون الانعتاق من الاحتلال وعودة القدس، وكلهم متمسكون بحق اللاجئين في العودة.
وسيكون من المهم قبل أن يتسنى لإسرائيل اختراق الصفوف الفلسطينية أن يسارع الفلسطينيون أنفسهم إلى إصلاح البين بين فصائلهم واستعادة وحدتهم من أجل مواجهة عدو غاشم يهمه كثيراً أن يظل الفلسطينيون في حالة انقسام من أجل القضاء عليهم فصيلاً بعد الآخر.
وستظل إسرائيل تراهن على تشتت الصف الفلسطيني إلى أن يثبت الفلسطينيون أن أهدافهم الإستراتيجية ليس القضاء على هذا الفصيل أو ذاك، وإنما التوحد من أجل استعادة حقوقهم، في وقت بدأت فيه إسرائيل تردد على الملأ أنها بصدد اجتياح غزة واستعادتها من حماس، وكأنما غزة مقتطعة من إسرائيل وكأنها أرض تابعة لها.
إن التداعيات المهولة للانقسام الفلسطيني تتعاظم مع طول استمراره، وقد تتطور إلى حالة مزمنة يصعب علاجها إن لم تبادر القوى الخيرة في الصف الفلسطيني إلى الخروج من دائرة السلبيات إلى ميادين العمل الفاعل الذي يعيد إلى القضية الفلسطينية حيويتها وأولويتها بين الأجندة الدولية.
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244