من حين إلى آخر تمر القلاقل والأحداث في المنطقة العربية كرياح السموم الحارقة, فتلعب دوراً مهماً في عرقلة مشروعات التنمية، وتؤثر سلباً على الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلدان العربية وتزيد الفجوة التصالحية والتعايشية بين الشعوب والأنظمة الحاكمة. من هذه الأحداث والتغيرات ما يأتي فجأة في أقطار عربية عرف عنها الاستقرار النسبي كاليمن، وما عصف بها من تمرد الحوثيين، ومصر وما يقفز بها أحياناً من منغصات الاستقرار كقضية الأقباط التي غالباً ما تحركها جهات تطمح لتدويل القضية وانتزاعها من بوتقة الخصوصية الوطنية، وبغض النظر عن هذين البلدين وما يندرج في قائمتهما من بلدان الاستقرار النسبي، فإن هناك أقطاراً عربية أصبحت على موعد دائم مع يوميات الأزمة السياسية وتداعياتها الاجتماعية والأمنية التي تعصف بتلك المجتمعات, وهذا ما يطرح تساؤلاً عن قضية فلسفة التعامل مع الأزمة الوطنية في الأقطار العربية، ففي العراق يعيش الجميع في ورطة التمذهب السياسي وتتسابق المكونات السياسية على اقتسام كعكة ما بعد الاحتلال، وفي لبنان وما يتخبط به من احتقان سياسي ومذهبي وتداخلات إقليمية ودولية وجرائم اغتيال تعذر حتى الآن تحديد منفذيها، بالإضافة إلى مصادمات وتمرد فتح الإسلام في مخيم نهر البارد, وفي دارفور السودان والصحراء الغربية للمغرب والصومال، وأخيراً فلسطين والارتباك السياسي والأمني بها وغيرها وغيرها من الأزمات والاحتقانات الوطنية في العالم العربي التي توضح أن الفكر السياسي الخاص بالعالم العربي لا زال قاصراً في آليات التعامل مع تلك الأزمات التي ضاعت حلولها بين عقليات الضبط والربط والقمع أحياناً، حيث تجد مساحة كبيرة في فضاءات العقل العربي الرسمي، وبين قناعات بعض الجماعات العرقية والأثنية ومطالبها التي تجنح في كثير من الأحيان للانسلاخ من الجسد الوطني من أجل الارتماء في أحضان الحليف القادم من خلف الحدود.
ومن الظلم والإجحاف أننا عندما نقول فلسفة التعامل مع الأزمة نعني بذلك اقتصار هذا الأمر على الأنظمة الحاكمة، بل إن المسألة تتعدى ذلك إلى جميع مكونات الأزمة من رسميين وغير رسميين؛ وهو الأمر الذي يطرح إشكالية وجود قناعات الحوار ومدى توافر آلياته والاقتناع باستخدامها في التعامل مع الأحداث، وحتى مع وجود لمحات ديمقراطية قليلة في بعض البلدان العربية، إلا أن هذه الملامح تلعب دوراً في التأزيم وذلك من خلال استخدام الحق الديمقراطي ومنه حق التظاهر الذي غالباً ما يسخر لأجل تجييش الرعاع والدهماء من أجل الضغط السياسي المجحف.
لقد أضحى الواقع العربي، وفي ظل أطماع التدويل التي تبحث عن أبسط المسببات من أجل فتح الأبواب لمرورها بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في كثير من مداخل التعامل ومخارجه مع أزماته السياسية والأمنية، وهذا ما يجب أن يسبقه أولاً الجنوح إلى الحوار وترسيخ قناعاته واستنباط آليات تعامل تعالج الأزمات المستحدثة في وقتها قبل استفحالها وتوسعها حتى لا تهدد الكيانات الوطنية.