تسارعت الأحداث المريرة في قطاع غزة بين رفقاء السلاح وإخوة النضال التي أطلقت كل الجنون الذي رأيناه بعد أن أفلت من عقاله، والذي أوصل الأمر إلى إقالة حكومة الوحدة الفلسطينية وإعلان حالة الطوارئ بعد استيلاء حماس على غزة أمنياً وإلغائها الطرف الآخر في تلك الحكومة، بعد معارك وأساليب من كلا الطرفين شوّهت مسيرة النضال الفلسطيني، ودلقت الماء الساخن على وجه وبراءة النضال التحرري من براثن ونير الاحتلال.
الآن وبعد أن اكتملت حلقة الأحداث بممارسة الرئيس الفلسطيني حقوقة الدستورية التي ترى فيها حركة حماس تقاطعاً مع حقها؛ إذ لا يختلف اثنان أنها جاءت بانتخابات شعبية نزيهة قل نظيرها في البلدان العربية، وإن أكد البعض أن نتائجها جاءت كرد طبيعي لحالة الاهتراء التي اكتسحت حركة فتح.
لقد أضحى الواقع الفلسطيني ومشروعه النضالي بحاجة ماسة إلى وقفات صادقة مع الذات من كلا الطرفين المتناطحين ومن الفصائل الفلسطينية كافة، تتجاوز وتقفز فوق المعوقات الأيديولوجية والحزبية, فها هو نتاج السنوات الطوال التي قضاها هذا الشعب المناضل وتراكميته التاريخية من الانتصارات والانكسارات والدروس والعبر توشك على الضياع تحت نيران الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي والشخصنة السياسية والمصالح والأغراض الحزبية الضيقة التي لا يمكن النفوق والخلاص من متاهاتها إلا بالعودة إلى العقل الوطني الراجح الذي يمكنه سحب البساط من تحت أقدام متطرفي الطيف السياسي الفلسطيني وصغار النفوس.
إن من أهم العوامل التي أثرت سلباً على وحدة الصف الفلسطيني هو داء التخوين الذي تغلغل في النسيج الاجتماعي والسياسي ولعب دوراً مهماً في شحن الأنفس ضد بعضها البعض، كما أن تباين الفلسفة السياسية والأيديولوجية في قضية التعامل مع إسرائيل كان من أولى بدهيات فوضى العقل السياسي الفلسطيني لغياب الإجماع المطلوب.
إن المرجو الآن وبعد حل الحكومة هو الذهاب إلى تبويب قرارات الشعب والاحتكام إليه سواء باستفتاء أو انتخابات مبكرة لتجاوز أزمة الحكم هذه كما تفعل الشعوب المتحضرة في التعامل مع أزماتها بدلاً من تجييش الكوادر وتفجير الشوارع واحتلال المؤسسات، ومحاولة إلغاء الطرف الآخر.