تتيح الساحة العراقية المضطربة فرصاً لجهات عديدة لتصفية خلافاتها وتمرير أجندتها في غياب سلطة الدولة وسطوتها؛ بسبب ما يعتري البلاد من فوضى، فإلى جانب الحرب التي تخوضها قوات التحالف والجيش العراقي مع مختلف جماعات المسلحين، من جانب آخر هناك أيضاً حرب الفصائل فيما بينها، إلى جانب الدعم الذي تجده بعض الطوائف التي تستقوي بالخارج ما يجعل من بعض الدول لاعباً أساسياً في ساحة الحرب حتى وإن لم تفصح عن وجهها بطريقة مباشرة، لكنها تستفيد من الامتداد الطبيعي للوجود الطائفي التابع لها في العراق.. وفي الشمال فإن ثمة تحركات عسكرية تثير القلق، ففي إقليم كردستان تزايد الحديث عن قصف تركي، وبينما تقول أنقرة إنه يستهدف مواقع حزب العمال الكردستاني، فإن السلطات في الإقليم تقول إن هذا القصف تجاوز مداه إلى القرى الآمنة. وقبل ذلك تحدث الأتراك عن انتهاكات جوية أمريكية لأجوائهم وذلك على الرغم من العلاقات الاستراتيجية بين الجانبين، وهناك من يرى أن الطلعات الجوية الأمريكية فوق الأراضي التركية تهدف إلى إرسال رسالة إلى أنقرة كي تحجم عن إرسال قواتها إلى شمال العراق.. ويبدو أن تركيا تميل على الرغم من ذلك إلى تنفيذ مخططاتها، ومن ثم فقد عمدت إلى حشد قوات كبيرة لها على الحدود مع العراق لمواجهة حزب العمال الكردستاني، وهذه الخطوة توحي بأنها قد تفعل أكثر من ذلك بالنظر إلى ما قامت به سابقا عندما توغل الآلاف من جنودها خلال التسعينيات عدة مرات في شمال العراق، ولكن منذ الغزو الأمريكي للعراق قبل أربعة أعوام لم يقم الجيش التركي إلا بعمليات توغل قصيرة الأمد في العراق لمطاردة المسلحين الأكراد.
بالطبع الاحتمالات مفتوحة على آخرها لزيادة أوار التوتر في العراق وهو آخر ما يحتاج إليه العراق الذي يجهد للخروج من حالة الفوضى ويكفيه ما هو عليه من حروب تقض مضاجعه. لكن استمرار الأحوال على ما هي عليه واعتماد الوسائل العسكرية لمواجهة أي موقف يقود دائماً إلى الأسوأ، وهذا الأمر ينطبق على كل القوى الموجودة في العراق، فالولايات المتحدة، وعلى الرغم من علاقتها القوية مع تركيا رأت في وقت من الأوقات إرسال طائراتها إلى الأجواء التركية لإحباط نوايا حليفتها بالتحرك نحو العراق، إذ إن واشنطن ترى أن اتساع نطاق الحرب في العراق سيفاقم من الوضع المتردي الذي تجد نفسها فيه الآن. وفي كل الأحوال فإن الوضع العراقي يظل جاذباً بصورته الحالية الجميع لتصفية خلافاتهم، وسيكون من المفيد السعي لترتيبات في العراق تعيد قدراً من الاستقرار يمكن معه الحفاظ على هيبة الدولة ووحدتها من الأطماع الخارجية أياً كانت، وهذا أمر يعتمد بالدرجة الأولى على العراقيين ذاتهم، وذلك قبل أن تجد أي جهة خارجية أن عليها أن تتمدد خارج حدودها لتنفيذ أجندتها.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244