Al Jazirah NewsPaper Tuesday  12/06/2007 G Issue 12675
الاقتصادية
الثلاثاء 26 جمادى الأول 1428   العدد  12675
غسيل الأموال وتمويل الإرهابيين
حتى لا يمول الإرهاب من هذا الباب!!
فضل بن سعد البوعينين

{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}خططت (خلية النفط) في 24 أبريل 2004 لأكبر عملية إرهابية استهدفت فيها معامل التكرير في محافظة بقيق، وحشدت إمكاناتها التدميرية الداخلية والخارجية لتنفيذ العملية التي كان من الممكن، لو قدر لها النجاح، أن تقضي على سكان مدينة بقيق وما حولها من المدن المأهولة.....

....كتبت في حينها أن استهداف معامل بقيق النفطية التي يمر من خلالها أكثر من سبعة ملايين برميل نفط يومياً لا يعدو أن يكون استهدافاً للاقتصاد السعودي ومحاولة تدمير للبلاد من الداخل، وأشرت إلى أن الفكر التدميري الذي يحمله الإرهابيون، على الرغم من ظلاميته وخطورته، لا يمكن أن يصل إلى مرحلة متقدمة من التخطيط الاستراتيجي في انتقاء الأهداف وتحقيق الغايات التدميرية الشاملة، على أساس أن العمليات الإرهابية المعقدة التي يُرجى من خلالها تحقيق أهداف سياسية، اقتصادية، وعسكرية متداخلة عادة ما تكون على علاقة مباشرة بمنظمات إرهابية ذات صبغة استخباراتية.

سهولة عبور بعض الإرهابيين الحدود الدولية، واستفادتهم من الدعم المالي، التقني، واللوجستي المنظم، إضافة إلى نوعية التغطية الإعلامية الدولية المصاحبة لعملياتهم الإرهابية تدعم فرضية العلاقة المشبوهة بين خلايا الإرهاب المحلية وجماعات الإرهاب الدولي ذات العمق الاستخباراتي.

سعت (خلية النفط) لإحداث أكبر قدر ممكن من التدمير في منشآت بقيق النفطية لتعطيل عملية إنتاج النفط وتصديره، وضرب أسواق النفط العالمية، وخلق أزمة اقتصادية كبرى ناتجة عن نقص الإمدادات النفطية التي (يفترض، بحسب مخططاتهم،) أن تكون السعودية متسببة فيها على أساس أنها (لم تستطع حماية منشآتها النفطية من هجمات الإرهابيين).

مثل هذا السيناريو الشيطاني تم رسمه بعناية فائقة لتحقيق أهداف كثيرة وفي مقدمها (إيجاد المسوغ الدولي لدخول قوات الحماية الأجنبية الأراضي السعودية!!).

إرادة الله سبحانه وتعالى ورحمته سبقت مكر الماكرين، فانقلب السحر على الساحر، وأصبحت عملية (بقيق) الفاشلة بداية النهاية لخلايا الإرهاب المنظمة، وكشفت، بفضل الله وبركته ثم بجهود وزارة الداخلية، وقوات الأمن، عن قادة الخلايا، وعناصرها المنتشرة في مناطق المملكة، وساعدت أيضاً في كشف عمليات التمويل والمساندة، وجرائم غسل الأموال.

المال عصب العمليات الإرهابية، وما كان لتلك الجماعات المتناثرة أن تستمر في أعمالها الإجرامية لولا وجود الدعم المالي، والمساندة اللوجستية من أناس يتمتع بعضهم بالوجاهة والقبول في المجتمع السعودي المسالم.

بالدعم المالي استطاع الإرهابيون شراء السلاح المتطور وتهريبه، واستئجار المساكن والمزارع والاستراحات، والصرف بسخاء على أفراد الخلايا الإرهابية، وأكثر من ذلك استخدم المال لشراء الذمم وتجنيد مجموعات من مخالفي أنظمة الإقامة لممارسة الإرهاب المنظم.

الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية، أشار في تصريحات صحافية إلى أن (الـ11 شخصاً الذين قبض عليهم مؤخراً من الممولين والمحرضين على الإرهاب). وذكرت بعض المصادر الصحافية الأخرى (أن المقبوض عليهم سعوا لتمويل عمليات إرهابية داخل المملكة والتحريض على ارتكابها).

اللواء منصور التركي، المتحدث الرسمي في وزارة الداخلية، أشار إلى إيقاع الحجز التحفظي على أموال وممتلكات المتورطين الـ11 بعد أن شملهم نظام مكافحة غسل الأموال.

معلومات صحافية تحدثت عن ان أجهزة الأمن السعودية عثرت في حملتها التفتيشية الأخيرة على (كشف بنكي لحساب خاص يتضمن مبالغ تتجاوز 105 ملايين ريال سعودي).

هل هناك رابط بين عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب؟ وهل تقتصر عمليات التمويل على عصابات غسل الأموال أم انها تتجاوزهم نحو أطراف خارجية وأخرى داخلية تسهم بشكل فعال في تمويل العمليات الإرهابية عن قناعة وإصرار؟

وماذا عن دور المنفقين في أوجه الخير ممن تستغل أموالهم لقتل الأنفس وترويع الأمنين؟

على الرغم من اختلاف التوجهات الإجرامية بين الجماعات الإرهابية وعصابات تبييض الأموال إلا أن ذلك لا يمنع من حدوث تعاون بينها لتحقيق مصالحها المشتركة، وربما اتفقت أهدافهم الإجرامية وتوحدت، عندها يمكن أن تكون عملية (تبييض الأموال) وسيلة رئيسة لتمويل العمليات الإرهابية!؛ إلا أنها ليست الوسيلة الوحيدة للتمويل، فهناك وسائل أخرى تأتي في مقدمها عمليات التمويل المباشر من بعض المتعاطفين مع الجماعات الإرهابية المتطرفة، وهناك وسيلة جمع التبرعات المتفرقة من الداعمين البسطاء، واستغلال أموال المحسنين، دون علمهم، في تمويل عمليات الإرهاب تحت مسوغ (الاضطرار لتحقيق مصلحة الجهاد) الذي يفتي به منظري الجماعات الإرهابية.

عمليات تمويل الإرهاب بدأت في استحداث وسائل حديثة لجمع الأموال يصعب اكتشافها على المدى القريب خاصة وإنها تتعامل في كثير من الأحيان مع المبالغ البسيطة التي لا يمكن ملاحظتها أو التحقق من مصادرها أو طريقة إنفاقها، كما أنها تعتمد في الوقت نفسه على مجموعات كثيرة وغير مترابطة لتحقيق هدف التخفي عن أعين الرقيب.

وكما أشرت سابقا إلى علاقة عمليات غسل الأموال بالسوق المالية فيفترض أن أشير أيضاً إلى العلاقة الوثيقة بين عمليات غسل الأموال وأسواق العقار، وهي علاقة يفترض في المُشرع أن يتنبه لها وأن يحد من تعاظمها من خلال الأنظمة والقوانين.

سوق العقار وفرت البديل المناسب لعصابات غسل الأموال التي اضطرت لتقليص أنشطتها المباشرة مع المصارف السعودية بعد رفعها معدلات الحذر والرقابة وسنها لقوانين (الإفصاح) عن المصدر.

فالمعروف أن إدارات كتابة العدل ما زالت تقبل توثيق تناقلات العقار المسددة قيمها المالية نقداً، وإن زادت على ملايين الريالات، وهذا أمر يتعارض مع أنظمة مكافحة غسل الأموال الدولية.

ولتبسيط الصورة، يمكن للمالك أن يبيع عقاره باتفاق مشبوه بمليوني ريال نقداً - على سبيل المثال - دون أن يتسلمها ثم يودع مليوني ريال من مصادر (قذرة) في حسابه البنكي بعد أن يفصح عن مصدرها الشرعي دون أن يثير حوله الشبهات!. ثم يعاد تدوير العقار بأسماء مختلفة وفي أوقات متعددة حتى تتم عملية (غسل الأموال) المتاحة.

يضاف إلى ذلك إمكانية تعظيم قيم العقار لتحقيق غسل الكم الأكبر من الأموال القذرة، أو بقصد إعطاء انطباع الثراء لدى الآخرين، المجتمع، المصارف، وكتابات العدل بقصد الحماية الاجتماعية لهم، على أساس أن انطباع الثراء لا يسمح في كثير من الأحيان بإثارة الشبهات حول مصادر أموالهم أو حجم ثرواتهم المالية.

أجزم بأن مجتمعنا المحافظ قد ولج مرحلة جديدة من مراحل غسل الأموال وتمويل الإرهاب وهي مرحلة حرجة تستدعي منا اليقظة والحذر والتدخل السريع للتعامل معها على أسس علمية حديثة تعتمد في أدواتها على الوسائل التكنولوجية المتطورة، والخبرات الأمنية المتخصصة وهي أدوات أثبتت وزارة الداخلية وقوات الأمن السعودية توافرها بكفاءة ومهنية عالية من خلال عملياتها الاستباقية المتخصصة، إلا أنها، وعلى الرغم من مقدرتها الفائقة، تحتاج إلى الدعم المباشر من جميع الجهات المدنية، الإعلامية، القضائية، التعليمية والتوجيهية للوصول مجتمعين إلى الهدف الأسمى وهو (القضاء على الإرهاب وتحقيق الأمن والأمان والسلامة للجميع).

تحية إكبار نوجهها لسمو الأمير نايف بن عبد العزيز، وسمو نائبه الأمير أحمد بن عبد العزيز وسمو الأمير محمد بن نايف وإلى جميع قطاعات الأمن السعودية على عملهم الدؤوب ونجاحاتهم المستمرة في استئصال شأفة الإرهاب وتحقيق الأمن والأمان للمواطن والمقيم على حد سواء.

f.albuainain@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد