تتفاوت مراحل التنمية والتطور الإنساني من دولة إلى أخرى في العالم العربي، إلا أنها كدول مشمولة بعباءة العالم الثالث تشترك في ميزة النقص التكويني لشخصية الدولة الشاملة، فالدول العربية وشعوبها لا زالت تفتقر إلى ذلك الفهم والنسق المعرفي والسياسي المطلوب لتكوين هوية الدولة الحديثة والعصرية بكامل مفاهيمها.
فالدولة بتعريفها الإجرائي هي ذلك الكيان الذي يجمع في بوتقته وتحت غطائه الاجتماعي كل العناصر المكونة له ويحتويها بثقافته الجامعة سواء كانت تلك العناصر سياسية أو أثنية أو ثقافية أو دينية.
في العالم العربي وكياناته السياسية كأن الأمر لا زال في مرحلة ما قبل الدولة والعقد الاجتماعي المتعارف عليه، فالكل في صراع مع الكل، وأنماط التفاهم السياسي والاجتماعي وأساليبه مغيبة بين مكونات النظام الاجتماعي.
ففي العراق الذي تتهدد وحدته نزعات الانفصال القائمة على الجنوح الطائفي والمذهبي لبعض الجماعات أصبح المجتمع السياسي مقسماً إلى مجموعة هويات وشخصيات عراقية جديدة أفرزتها أحداث ما بعد الاحتلال وأحيت فيها الصبو إلى الانحلال من بوتقة الدولة الأم إلى التكوينات المأمولة سياسياً. وفي لبنان يحاول بعضهم إضفاء شرعية الجماعة والمذهب السياسي والطائفي على شرعية الوطن والنظام. وفي السودان ودارفور تغازل النزعة المحلية الجانحة إلى الاستقلال طموحات التدويل لدى بعض الأطراف الدولية. وفي الصومال وغيرها وغيرها من بلدان العرب صراع محتدم بين الدولة والجماعة الحزب أو المذهب والطائفة؛ ولذلك كله عدة مسببات وأسباب تشترك الأنظمة السياسية في أسبابها أحياناً كثيرة تكون نتيجة طبيعية لعولمة الصراعات والإشكاليات الداخلية للدول.
إن صمّام الأمان الوحيد الذي أضحت الدول والأنظمة العربية بحاجة إليه للحفاظ على ديمومتها السياسية والاجتماعية في ظل هذه العولمة الدولية التي لم تعد تستثني حتى الصراعات ومعاملة السجناء في داخل البلدان تتمثل في زيادة جرعات الدمقرطة السياسية، وزيادة تحفيز حقوق المواطنة ومميزاتها، وتشجيع مكونات المجتمع المدني والنقابي على النهوض بمهامها المدنية بزيادة من الاستقلالية والمهنية حتى تكتمل مشروعات النماء الإنسانية، وتقطع الطريق على كل طموحات التدخل الخارجية وحجج التدويل المصطنعة.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244