تنويه
لم أكن أرغب الخوض في معترك قضايا الوسط الرياضي وأنا المعتزل له (لأسباب وجيهة!). ربما أعرج عليها في طرح مستقل، ولكن ذلك الابن الشقي (فهد) يأبى إلا أن يجعلني في كثير من الأوقات أعيش هموم ذلك الوسط وآلامه وآماله بفعل طروحاته الجريئة ومساءلاته الكثيرة بل وحتى دعواته المتكررة وإلحاحه المستميت لعودتي المستحيلة للعمل الرياضي الرسمي!! وقد كانت آخر طروحاته التي عبر عنها وهو ابن (الثانية عشرة عاماً) أنه لن يكمل دراسته الجامعية مستقبلاً!! والسبب كونه سيكون لاعباً محترفاً يجلب لنا الملايين (حسب استشرافه للمستقبل) متجنباً خط مسيرة والده في الدراسات العليا التي لم تجلب له إلا (أقساط القروض البنكية ومعاناة الضغط!)، لكنه استدرك أنه سيسلك خط المسيرة في تسنم هرم ناديه مع أنه سيختلف عن (الوالد) في كونه سيجلب النجوم من (برشلونة) إلى ناديه الهائم بعشقه حتى الثمالة!! كيف لا؟ وهو اللاعب الشهير سابقاً والمليونير بفعل الاحتراف!! من هذه الأحلام.. دار نقاش عفوي على المستوى الأسري بين الأبناء وهم في جميع المراحل الدراسية (جامعة - ثانوي - متوسط - ابتدائي). تناولنا من خلاله (حلم فهد) بعفوية وصراحة وبما يتوافق مع مستوى تفكيرهم. ولأنه (لا رقابة) على تفكيرنا ولا محددات لحديثنا ولا تأويل لتنظيرنا، فقد خرجنا بإقناع (فهد) بعدم حتى (التفكير) بهذه الأحلام!! ومن هذا الموقف إياه بدأت ولادة فكرة هذا الطرح الذي سيتناول طرفاً من القضية إياه (حلم الصغير!!) حول (الاحتراف!!) وقضايا أخرى تتعلق بالوسط الرياضي!
كما أن التجديد بإعادة الثقة بسمو أمير الشباب لأربع سنوات مقبلة أشعل فتيل حماس ضرورة البوح في الطرح بكل جرأة وشفافية!
إشارة
ربما (استشحمت ورمي!!) بتبرير شفاعة تلك السنوات التي قاربت العقد الرابع عايشت خلالها الوسط الرياضي (مشجعاً ولاعباً وعضواً وإدارياً ونائباً ورئيساً لأول وأعرق نادٍ بالمنطقة). وكذلك ما تخلل المرحلة من مساهمات إعلامية متواضعة امتدت لأكثر من (ربع قرن!!) في المجال الرياضي وغيره من المجالات الثقافية والسياسية والاجتماعية.. كل ذلك شجع على تبرير طرح بعض الأفكار حول محور مهم، وأعني (الاحتراف!!) الذي عايشت مراحل ولادته قبل ما يقارب الخمسة عشر عاماً. وقد كنت حين وقتها قد رفعت بعض المقترحات والرؤى والتنظيمات حول الاحتراف مع أن النادي الذي كنت أرأسه وقتها لم يكن مطبقاً للاحتراف، وحينها تلقيت إجابة رئيس اللجنة وعبر خطاب رسمي (بالشكر) والوعد بالدراسة والتطبيق وتعميم بعض الرؤى للأندية المطبقة للاحتراف حينذاك! وقبل كل هذا وذاك كان وما زال الدافع الرئيس المساهمة الوطنية في إثراء موضوع حيوي ومهم لا تقتصر النظرة حوله، وحسب تعبير بعضهم بأنه (كروي فقط)، بل إن أبعاده تتعدى إلى مناحٍ اقتصادية واجتماعية وفكرية تتعلق بأهم فئة من أبناء الوطن، وهم شبابنا وعماد مستقبلنا - إن شاء الله - الذين ستكون لهم الكلمة في رسم محددات تنميتنا والنهوض بها إلى المعالي.
تأكيد
بكل تأكيد فلن آتي بجديد قدر اجتهاد متواضع، سأتناول من خلاله بعضاً من المحاور المهمة والرؤى الجديرة بالمناقشة التي حتماً قد سبق طرحها عبر أقلام عدة! ولكن المحير في الأمر أن التنظير والطرح الإعلامي يختلف عن الواقع المعاش على الأرض (تطبيقاً وبحثاً) حتى كدنا نكون أكثر مجتمع يتناول القضايا تنظيراً ويهملها تطبيقاً! لذا سأتطرق إلى الموضوع بإشارات مختصرة أعلم أنها بحاجة إلى تقديم بحوث ودراسات عند تناولها بالتفصيل المعد للتطبيق المباشر!! ولكن ربما يختلف ذلك الطرح بالجرأة ووضع النقاط على الحروف بكل صدق وشفافية!!
الإدارة أولاً وثانياً وثالثاً وهي الأساس
لا شك أن أي نشاط حياتي يرتكز في محور أدائه على مستوى الإدارة وتأهيلها وكفاءتها، والإدارة ذلك النشاط الإنساني الذي عرف منذ أن وطأت القدم البشرية أرض الخليقة، حيث أضحى الإنسان عنصر الحسم في هذا النشاط الإنساني كممارسة قبل أن يتحول إلى فكر وتنظير أكاديمي له نظرياته وإستراتيجياته التي أخذت مكانها في العلوم الإنسانية للمساهمة في بناء عقول مؤهلة تدير الأنشطة الحياتية بكل كفاءة واقتدار. ومن هذا المنطلق وعلى أساس هذا المعيار سجل التاريخ حياة أمم وحضارات، وأبرزها وفي المقابل توارت شعوب ودول دون ذكر أو إشارة كل ذلك بفعل تفوق العنصر البشري المربوط بأسس مهام الإدارة التي جعلت العالم في عصرنا ينقسم إلى عوالم متقدمة ونامية ونائمة؛ لأن تفوق العنصر البشري في الأداء هو العامل الرئيس في كفاءة الإنتاج كما تؤكد ذلك نظريات الاقتصاد التي تركز على ضرورة وجود الإدارة الفاعلة بالمهارات الإدارية المطلوبة: فنية وسلوكية وفكرية وتشخيصية تحليلية، أما العوامل الأخرى من مقومات الإنتاج سواء كانت تكنولوجية أو مالية فهي نتاج الإنسان ومخرجاته!!
وحيث أضحت الإدارة مفتاح تنمية وتقدم الشعوب، فقد بادر ناشدو التنمية إلى الالتحاق بركب قطار التقدم والازدهار من خلال الاعتراف أولاً بواقع أحوالهم السلبي وتلك نقطة مهمة وأساسية ومن ثم المبادرة إلى العلاج!!
(لا تستحِ أبداً من أن تعترف بجهلك وأن تعالجه بخبرة الخبراء) غازي القصيبي.
والاعتراف بواقع الحال بهدف التغيير إلى الأفضل خطوة مهمة في أي نشاط إنساني يدل على الثقة والعقلانية والإخلاص.
(من أعظم الاكتشافات أن الإنسان يستطيع أن يغير مجرى حياته إذا استطاع أن يغير اتجاهاته العقلية والفكرية) وليام جيمس.
وفي عالم الرياضة الذي هو أحد المناشط الإنسانية التنموية لا مناص من القول بأهمية الإدارة من خلال العنصر البشري، وهو ما جعل دولاً تقف في مقدمة الصف وأخرى تتوارى عن الأنظار دون أي حضور يذكر، وثالثة (بين بين) فلا هي انعتقت تماماً من حبال التخلف والجهل، ولا هي فجرت ثورة إدارية تتواكب وتطلعات مجتمعاتها بتحديد أهدافها والتخطيط لها وفق أسس علمية لبلوغها بأقصر الطرق وأقل التكاليف وفق معيار الإدارة الناجحة!!
- (إذا أنت لم تحاول أن تفعل شيئاً أبعد مما أتقنته فإنك لن تتقدم أبداً) رونالد سبورت.
- وبنظرة تحليلية واقعية لحال بعض الدول كمقارنة رياضية نجد أن هناك دولاً ذات إمكانات مادية ضعيفة قد سبقت أخرى تفوقها في الإمكانات المادية وربما تتساوى الدولتان في مقومات وعوامل الإنتاج عدا عنصر مهم نجد أنه من قلب المقارنة والإنتاجية لصالح الدولة الضعيفة ألا وهو العنصر البشري المخول بالعمل الإداري من (تخطيط وتنظيم وتوجيه واتخاذ قرارات ورقابة). فالإدارة ليست إمكانات مادية أو أحلاماً أو (هيلماناً) إعلامياً (وبروبجندا) مزيفة وفق أفكار ديماغوجية مهترئة. بل إن الإدارة علم أكاديمي وفن لكوادر مؤهلة فكرياً وعقلياً ونفسياً. والإدارة كما تعرفها (موسوعة ويكبيديا) هي عملية التخطيط واتخاذ القرارات الصحيحة والمستمرة والمراقبة والتحكم بمصادر المؤسسات للوصول إلى الأهداف المرجوة للمؤسسة. وذلك من خلال التوظيف والتطوير والسيطرة على المصادر البشرية والمالية والمواد الخام والمصادر الفكرية والمعنوية.
- لن أجنح مسترسلاً في العرض لأهمية الإدارة العلمية في كل مناحي الحياة، بل أكتفي بالتأكيد على الشواهد في رياضتنا المحلية ونتاج أعمال امتدت إلى أكثر من نصف قرن صرفت عليها أموال لا تتوازى والهدف المراد، ومرد ذلك للعوائق الإدارية أساساً، حيث ضعف التأهيل الفكري والعلمي لبعض العناصر العاملة في هذا المجال.
- وللمقارنة والتقريب، ففي كل تناول إداري وتنموي لا يطرأ على فكر رواد الفكر الإداري أمثال (تايلور - وفايول - وجريفن ووليم هوليت) ولا حتى المبدع (أبو يارا) قبل أن يطرأ على فكر أستاذي لطفي راشد الذي لقننا ذات أول صباح جامعي قبل ربع قرن في مادة الإدارة درساً لن ننساه حينما قال: مَنْ يريد أن يستمع لدروس الإدارة ويقرأ بالإدارة، فالمجال أمامه طويل، ومن يريد أن يرى عدو الإدارة فليقم ليطلع عليه مباشرة وعلى الطبيعة في وجهه الفوضوي والبدائي والارتجالي من نافذة قاعة كلية العلوم الإدارية، فقمنا لنرى فقال: هل تشاهدون هذه الحفريات أمام بوابتكم؟
قلنا: نعم، قال: تلك هي عدو الإدارة ممارسةً وواقعاً. حيث ظلت لسنوات تحفر ثم تدفن ثم تواسي ثم تفتح وهكذا تتعاقب عليها الأيادي والجهات الخدمية المتعددة دون أن يصلوا إلى الهدف وهو إنهاء الشارع وبه كل الخدمات بأسرع وقت وأقل كلفة، والسبب أنه لا تخطيط ولا تنظيم ولا توجيه ولا رقابة. وقد كان هذا المثل مدخلاً مشوقاً لتخصصنا ومضرب مثل حيوي وواقعي لكيفية بلوغ الأهداف من خلال اتباع النهج الإداري العلمي الذي يتطلب عناصر بشرية كفؤة ومؤهلة لبلوغ تلك الأهداف بتطبيق مهام الإدارة الحديثة ومتطلباتها!
إذاً فرياضتنا بحاجة إلى إصلاح إداري يبدأ من الاعتراف بالحاجة إلى التغيير، فمتطلبات النهضة التنموية الحديثة تتطلب كوادر مؤهلة ومستنيرة قادرة على انتشال الواقع الرياضي من حال إلى حال.. لا أن نبقى مكتوفي الأيدي ننشد التطوير والتقدم من عناصر تقليدية غير متخصصة أو عناصر اقتعدت كراسيها بموجب مؤهلات متواضعة جداً وإن علت فهي في تخصصات أبعد ما تكون عن هذا المجال التنموي الناهض أو عناصر اقتعدت أماكن ليست لها وعشعشت بها لسنوات طويلة بفعل المحسوبيات والعلاقات الشخصية، وأصبحت عقبة كأداء أمام تقدم مسيرتنا الرياضية المنشودة! وكما قال أحد مفكري الإدارة:
(لا شيء يعرقل تطور أية مؤسسة اجتماعية أسرع من أولئك الذين يؤمنون بأن طريقهم في العمل بالأمس هي الأفضل!). إذاً ماذا ننتظر من جيل (الاستنسل والآلة الكاتبة والبرقية واللجان والملفات الورقية) أمام جيل الحاسوب والإيميل والفضائيات واللغات والثورة التكنولوجية!
- يقول بروت روس: (عندما أقوم ببناء فريق، فإنني أبحث دائماً عن أناس يحبون الفوز وإذا لم أعثر على أي منهم فإنني أبحث عن أناس يكرهون الهزيمة).
- خلاصة القول إننا لا نرتضي أن نكون أغبياء، فقد قيل: (الفرق بين الأغبياء والأذكياء أن الأغبياء يملكون حلماً والأذكياء يملكون هدفاً، (فهل نتوسد أحلامنا ببهرجة إعلامية تتكئ على).
- أفضل دوري عربي!
- والاحتراف الخارجي مجرد إجراءات!
- لدينا أفضل منشآت!
- وصولنا إلى كأس العالم هدف تحقق أربع مرات!
- تصنيف ال (فيفا) ظالم وغير منطقي ونستحق عاشر العالم!
- نظام الاحتراف الداخلي يحاكي أعرق الأنظمة!
- انتهت المنافسة مع دول الخليج وبيننا وبينهم مئة سنة!
- أم نرفع أصواتنا بشجاعة وحزم وشفافية وصدق وإخلاص يتكئ على عمق وطنيتنا التي يجب ألا نساوم عليها في قول حق يخدم وطننا الغالي!
- كما أن ما يساعد بل يشجع على الجهر بالحقيقة والمكاشفة الصادقة ما ينادي به قادة وطننا - حفظهم الله - الذين يفتحون قلوبهم قبل مكاتبهم من خلال قنوات التواصل وطرق الاتصال للاستماع إلى كل الأطياف والتوجهات والأخذ بما يعود على وطننا بالنفع والفائدة!
- ولكي تكون الوقائع سنداً للطرح سأستعرض باختصار بعض النقاط المهمة من نقاط عدة تحتاج إلى بحث موسع ولكن (ما لا يدرك كله لا يترك جله!) وحسبي الاجتهاد! ومع قناعتي بحاجتنا للتغيير، فإنه لا يفوتني استدراك أن هناك عناصر عملت وتعمل بكل كفاءة وتأهيل ممن تحملوا عبء التأسيس والبناء في هذا المجال وفق رؤاهم وإمكاناتهم وجهودهم التي لا تذكر؛ والقاعدة أن الكفاءة والتأهيل لا تربط بسن أو جيل قدر ارتباطها بذات الشخص ومقوماته التأهيلية. وأعود هنا لبعض الحالات والنقاط والمحاور التي تحتاج إلى فتح ملفات (في الهواء الطلق) ومنها:
الاحتراف
قبل خمسة عشر عاماً (تقريباً) تم إقرار نظام الاحتراف الداخلي وفق رؤية تهدف إلى الرقي بلعبة كرة القدم إلى آفاق عالية من خلال الارتقاء بالمستويات الفنية والمهارية لتحقيق نتائج تسهم في دفع المسيرة الرياضية كمنشط اجتماعي متفاعل مع مجالات التنمية الوطنية، وذلك الرقي المنشود لم يكن مجرداً من أبعاد اجتماعية ومادية ونفسية، بل كان يتكئ على قاعدة تعطي اللاعب (صفة اجتماعية معترفاً بها كمصدر للكسب الشريف تحت راية الخدمة الوطنية) بل ويتعدى ذلك إلى (توفير الاستقرار المادي والنفسي للاعب وأسرته).. وكل ذلك يأتي تحت مظلة (قواعد وضوابط نظامية تحكم علاقة اللاعب بالنادي والاتحاد)، وتلك الأهداف جاءت واضحة وصريحة وثابتة (بالمادة الثانية) من لائحة الاحتراف وقت إقرارها وصدورها في أول مراحلها التأسيسية! (في مقتبل عام 1413هـ تقريباً).
رؤية استشرافية واعتراف صريح
بعد سنتين من بدء تطبيق الاحتراف المحلي، وحين كنت وقتها أتسنم هرم إدارة نادٍ بدأت تجربة الاحتراف، وعند فرز اللاعبين المحترفين وتصنيف من الهواة وقفت حجر عثرة وعائقاً أمام طلبات ثلاثة من نجوم هذا الفريق الذين تقدموا بطلب الالتحاق بقائمة المحترفين بعد أن يتخلوا عن وظائفهم الحكومية (لتعذر الإعارة)، وثالثهم أراد إلغاء دراسته الجامعية لتحقيق أمنية الاحتراف! حينها أكدت لهم أن المجلس لن يقبلهم كمحترفين حتى لو أدى الأمر لتنسيقهم من الكشوفات (وهم نجوم الفريق) مراعاة لمصالحهم الحياتية واستشرافاً للمستقبل (المظلم!) بعد تركهم مزاولة الكرة! حيث أكدت لهم وفي عدة جلسات أخوية أنني (معهم) ولست (ضدهم) وأن عليهم التمسك بوظائفهم وإكمال دراستهم، وسيأتي اليوم الذي يرون فيه حقيقة أبعاد هذه النظرة الاستشرافية والتحليلية لواقع الاحتراف المعلن! وبعد سنوات وسنوات وقبل أشهر قليلة صادفت هؤلاء الشباب الذين لم أستطع مقاومة (تقبيلهم الرأس) اعترافاً وشكراً للموقف المضاد لنظرتهم السابقة عندما كانوا في سن لا تسمح لهم بالتحليل وقراءة الواقع واستشراف المستقبل!
الرد (المعلّب!)
عند كل مكاشفة أو نقد لواقع الاحتراف المحلي ترتفع عقيرة بعضهم بالدفاع والتبرير، بل و(تجهيل) النقاد والتأكيد على أن هذا النظام لم يأتِ من فراغ بل تم من خلال دراسات وبحوث ومحاكاة للأنظمة المتقدمة بدءاً بالأنظمة الإنجليزية العريقة ومروراً بأنظمة ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، وانتهاء بالتجارب الشرق آسيوية والشمال إفريقية، وإن الوصول إلى هذه اللوائح أتى بعد جهد ووقت ومال ورحلات مكوكية (دولية) واجتماعات وندوات ومحاضرات تعب عليها أكاديميون وشقي بتكييف نصوصها لواقعنا المحلي إخصائيون اجتماعيون، ودقق أبعادها المالية خبراء اقتصاديون، ومحّصتها هامات إدارية بارعة حتى خرجت بهذه الصورة التي لم يكتفِ بها بل طورت من حين إلى حين، حيث مرت التجربة بمراحل نحن الآن في الثالثة منها، وإن تجارب الآخرين ووصولهم إلى ما هم عليه استغرق عشرات السنين، بل والتجربة الإنجليزية الرائدة عدت (القرن) ولا زالت بها ثغرات ونواقص تحتاج إلى تعديل وتمحيص!
لذا فلا تطالبوا بأن نبتدئ من حيث انتهى الآخرون، بل سنسلك مسلكهم زمانياً ومالياً وإجرائياً!
ببساطة تلك هي المشكلة
- يكاد يجمع الوسط الرياضي على حقيقة تراجع المستويات الفنية؛ إن كان على مستوى الأندية أو المنتخبات، وإن أخذنا بالرأي (المضاد) فهي - وإن لم تتراجع - فلم تتقدم بما يعادل ما تم صرفه مالياً، وما مضى من مدة زمانية قياساً ببعض الدول المماثلة! وإن أردنا تحليل (الخلية) المكونة لهذا البناء، وأعني اللاعب أرجعنا السبب إلى ما طرأ على اللاعب من تغيرات سلوكية واجتماعية وفكرية أثرت على عطائه الفني والمهاري، وبالتالي أدت إلى تراجع المستويات والنتائج على كل الصعد! وتلك التغيرات مردها الأول والأخير (النظام واللوائح)، فمتى وجد النظام القابل للتطبيق والموائم للواقع والمبني على أسس إستراتيجية مدروسة ووفق خطط زمنية مبرمجة أعطى النتائج المرجوة والأهداف المخططة! أما كون ذلك النظام مبنياً على جمل إنشائية ومواد هلامية وأحكام احتمالية وبنود غير قابلة للتطبيق يتم الترويج لها إعلامياً دون محاكاة للواقع، فهذا ما يجب الوقوف عنده وإعادة النظر فيه ووضعه أمام متخذي القرار بكل صدق وشفافية على طاولة المصارحة والحب الوطني!
ما الأسباب؟!
- من خلال الطروحات الإعلامية واللقاءات الصحافية مع مسؤولي الاتحاد السعودي القائمين على نظام الاحتراف (وهذا موثق ومرصود)، وعند تحليلهم قضية الاحتراف نجد أن تلك الرؤى تأتي وفق ازدواجية عجيبة (مبكية ومضحكة!)، فما يكاد السؤال التقليدي يطرح نفسه والمتمثل ب (ما أسباب تراجع المستويات الفنية للمحترفين؟ ولماذا لا يكون للاعبينا نصيب في الاحتراف الخارجي مقارنة بالشمال الإفريقي كأبسط المقارنات؟)، إلا وتأتي إجابات المسؤولين بعده إجابات مزدوجة ومتناقضة، حيث يكون السياق التبريري بإلقاء اللائمة على وعي اللاعب وقصوره الفكري عن إدراك معنى وأبعاد مستقبل وحياة الاحتراف!! (وهذا صحيح ولكن من السبب؟ وكيف المعالجة؟).. ليأتي السياق التبريري الآخر: اللائمة على إدارات الأندية التي يجب أن تمارس دورها التثقيفي والتوعوي والرقابي والتوجيهي للاعب المحترف! كما أنها يجب أن توفر للاعب مستحقاته المالية التي من شأنها توفير الاستقرار النفسي له ولأسرته كما نصت على ذلك اللائحة! وإذا أكدنا أن ذلك صحيح أيضاً! ولكن ما سبب هذا القصور الإداري في مسؤولي الأندية؟ لن تجد الإجابة الصريحة، والحقيقة المؤكدة أن القصور والسلبية يأتي من الجهة الرسمية (وفي مفهوم الإدارة - المؤسسة)، فهي التي تضع الأنظمة المبنية على إستراتيجيات شمولية وفق خطط مبرمجة لكل المناحي لبلوغ الأهداف بأقل التكاليف وأقصر الطرق. وهنا وحسب تلك الرؤية، فاللاعب (منتج) النادي. والنادي (منتج) إدارته، وإدارته (منتج) الجهة أو المظلة الراعية (الرئاسة والاتحاد) والجهة (منتج) النظم والتخطيط، ووفق تلك الرؤية الهرمية نجد أغلب المسؤولين يشخصون الواقع بابتسار جزئيات أسفل الهرم وإلقاء اللائمة على اللاعب ووعيه وفكره القاصر وعلى النادي وعدم التزامه وقصوره الإداري، أما ما يتعلق بالجزئية العليا من الهرم، فالإجابات جاهزة وباستغفال وازدواجية متناقضة، حيث تكون الإجابات جاهزة وبعناوين براقة من خلال التغني بالإنجازات الآسيوية والتأهل الرباعي لكأس العالم وابتعادنا عن دول الخليج بمسافة (مائة سنة ضوئية!) والتأكيد على أن لدينا دوري محترفين خارقاً! وهذا لا يتعارض في موضوعات أخرى مع الاعتراف بأن الاحتراف لم يحقق أهدافه! وإن الاحتراف يعاني من شح مالي، وإن الاحتراف (أعرج) وبرجل واحدة!
وهنا يجب أن نختط لوحة نشكل
حروفها ب (على من تضحكون!)
لتأكيد ما أطرحه سوف ألقي التساؤلات البريئة الآتية:
1- ما مدى قناعتنا بسلك طريق الاحتراف بشكل نهائي كوجه من وجوه التنمية العالمية الحديثة؟
2 - ما مدى نظامية وإقرار والتزام وزارة المالية بميزانية الاحتراف؟
3 - كيف يحمي النظام اللاعب مستقبلاً ويؤمن له الاستقرار المادي والنفسي؟
4 - ما آلية تطبيق بنود الاحتراف على أرض الواقع؟
5 - كيف تم تقييم المرحلة السابقة ومن يقيمها ومن هم الضحايا؟
إجابات صريحة وصادقة
1- يجب أن نحدد أهدافنا التنموية في المجال الشبابي عامة وليس (الاحتراف كمهنة ناشئة) وفق إستراتيجية شبابية علمية يقوم عليها خبراء من كل التخصصات وكل الجهات الحكومية، بعيداً عن العبارات والاكتفاء بترديد العبارة الإنشائية: (الشباب عماد الأمة، والشباب رجال الغد!). فالجروح التي يجب أن نضع أيادينا عليها أننا أمام تحديات تنموية عالمية وأمام تحديات فكرية مرتبطة ومؤثرة بعاملي الأمن والاقتصاد، وبالتالي مؤثرة بهذه المسيرة التنموية، وإن ذلك القطاع الشبابي يجب أن يكون في مقدمة اهتمامات خطط الدولة عامة وليس رعاية الشباب فقط، والاحتراف الذي نحن بصدده يجب أن يتعدى مرحلة حقول التجارب ورائحة المختبرات. فخمسة عشر عاماً (لها مسافة وأبعاد) في عمر التنمية وإن تمت الدراسات العلمية وليست (الإعلامية)، وأقر هذا النشاط كمهنة قابلة للتطبيق بمواصفات محلية تحاكي واقع المجتمع وتتواءم مع طبيعته، نعمل على التطبيق الحقيقي (لا التطبيق الورقي)، فنحن أمام خياري (نعم - لا).
2- إجابة هذا السؤال ترتبط بما يؤول إليه الجواب الأول، فإن كانت الإجابة بالإيجاب فأول الحلول هو (الخصخصة) - وسوف نتعرض للموضوع بالتفصيل لاحقاً - وإن تطلبت الخصخصة وقتاً ودراسات وتوعية وقناعات وبيئة (وهذا هو الواقع)، فالحل المرحلي هو الاعتراف الصريح والواضح بإقرار وزارة المالية باعتماد ميزانية الاحتراف بلا منة أو تلكؤ، فالواقع يقول إنها تأتي تحت مسميات (إعانة ومكافأة)، وهذا خلاف المخصص المعترف به الذي يأتي وفق وقت محدد ومعلن ويتم الصرف وفق آلية مبرمجة ومعتمدة مسبقاً، فالإعانة المذكورة قليلة في مبالغها غير منتظمة في صرفها، حيث تأتي على دفعتين وبعد جهاد وإجراءات (ووجاهات!) بين رعاية الشباب ووزارة المالية كما أكد ذلك ذات مرة أكثر من مسؤول أولهم أمين عام الاتحاد، حتى نضمن العامل الأساسي في نصوص أُنشئت واعتمدت قانونياً ولا تطبق واقعياً والمتعلقة بالاستقرار المادي والنفسي من خلال انتظام الراتب الشهري (صرف آلي بالحساب) كبقية الموظفين.
وخلاصة الإجابة إما اعتراف صريح والبدء بالخصخصة وتشكيل هيئة عليا لها والإقرار من قبل المالية مرحلياً بميزانية صريحة ومنتظمة ومعتمدة وإما العودة لنظام الهواة لا أن ننتهج (بين بين!).
3- لحماية النظام للاعب يجب أن يكون نظاماً واقعياً قابلاً للتطبيق محققاً للاستقرار المادي بتحقيق ضمان مصدر الإيراد (الخصخصة) كهدف نهائي (واعتراف المالية) كإجراء مرحلي، أما أن تبتئس أسر وتفتقر بيوت انتظاراً للإعانة متقطعة من المصدر ومقطعة من الوصي (النادي)، فهذا ما يجب الوقوف عنده وإعادة النظر فيه، حيث أضحى النظام مصدراً مساهماً للبطاقة لمن نزلوا عن عربته (العرجاء) مكرهين أو لعامل الزمن أو الإصابة! وهذا السر الأساسي في تراجع المستوى الفني، فالعوامل السيكولوجية هي المؤثرة على السلوك، وبالتالي تتخلق النفسية المحطمة والنفسية البائسة والأليمة من خوف آني بسبب ظروف المعيشة وخوف مستقبلي لما تخبئه الأيام من (سود الليالي!) بعد انتهاء مرحلة المزاولة الكروية أو عند حلول إصابة معقدة، فلا جهة تؤمن مستحقات مستقبلية ولا مصدرَ مالياً قادراً على الوفاء بالاحتياج المعيشي على أقل الأحوال. أما اللائحة الموقرة - حفظ الله رعاتها وكتابها ومشرعيها - فلم تقصر، فقد نصت على (يؤمن النادي للاعب تأميناً شاملاً ضد الإصابة داخل الملعب وفي حالة العجز أو الوفاة وكذلك التأمين الصحي الذي يشمل العلاج العادي للاعب والكشف الطبي)، وإذا رجعنا للدائرة إياها وجدنا أن هناك شركات تستغفل الأندية، حيث تختم وتصادق شكلياً مقابل مبلغ بسيط دون أية مسؤولية تأمينية. ومن هنا فقد أسهم النظام أيضاً بالاحتيال والدجل (وكله من أجل إجراءات شكلية)، أما التأمين الشكلي في الفترة الحالية فلم يعد يهتم به مدققو ملفات اعتماد الإعانة (حسبما ذكر لي مؤخراً)، وبقيت مواد التأمين (حبراً على ورق!)، وفي الطروحات الإعلامية المتناولة لهذا الشأن أفادت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية رسمياً أنها لا ترعى اللاعبين المحترفين في نظامها التأميني، ومرد ذلك أن العقود ليست تحت مظلة نظام العمل والعمال المنبثق من وزارة العمل، بل إنها عقود ترتبط بالاتحاد السعودي تحت مظلة الرئاسة العامة لرعاية الشباب وهنا (مربط العقد!)، فإذا تمت الخصخصة يصبح اللاعب بالمصطلح التأميني مشتركاً (عاملاً)، ومالك النادي (فرداً أو شركة) يكون (صاحب عمل)، والعقد وفق نظام العمل والعمال (كمرجعية)، وهنا لا بد من خضوع المحترفين لنظام التأمينات الاجتماعية والحصول على المزايا المتعددة سواء وفق نظام المعاشات الذي يؤمن معاشات التقاعد والتقاعد المبكر والعجز والورثة (بعد الوفاة) أو نظام الأخطار المهنية الذي يعطي إصابات العمل (وهي هنا إصابات الملاعب)، وما يلحق به من مزايا عدة ينتفع منها كل منتسبي القطاع الخاص. أما ما مضى وما يحل بالوقت الحاضر، فكان من الأولى أن تكون المسؤولية والمساءلة على لجنة الاحتراف التي تصادق على عقود تأمينية وهمية أو أهملتها مؤخراً، وما أوضاع المئات من اللاعبين المصابين أو المعتزلين أو من حلت بهم ظروف المرض أو الوفاة أو السجن إلا خير دليل، وشاهد على (مسرحية التأمين الاحترافي) التي انتبه إليها مسؤولو نادي الهلال بفكر نابه وبعد إنساني وبمعالجة فريدة ورائدة في التأمين على لاعبيه (حسبما طرح مؤخراً!).
4- وإجابة آلية تطبيق بنود الاحتراف على أرض الواقع! تتطلب تقنين مواد عقلانية تراعي الظروف الاجتماعية والخصوصية السعودية في كثير من أهدافها لا أن تكون مجرد محاكاة للآخر وغير قابلة للتطبيق، وهذا لن يتأتى إلا بتسليم المهام لاختصاصيين في كثير من العلوم والمجالات التخصصية المرتبطة بهذه المهنة. أما أن يكتفي بلجان متابعة صرف المستحقات، ولجان الدوام الصباحي، ولجان (العشاء المسائي!)، وغيرها من لجان البهرجة الإعلامية التي أدان من خلالها مسؤولو هذه اللجان أنفسهم في كثير من اللقاءات الإعلامية دون إدراك منهم (ولذلك ملف خاص!)، فهذا ما يجب كشفه والجهر به أمام متخذي القرار لتعرية كل سلبية تعترض التطبيق الصحيح للجميع محليين وأجانب، فإن كانت للأجنبي ميزة الدفاع والمطالبة من قبل (الفيفا)، فيجب أن يكون النظام ورد الحقوق لأصحابها هو مرجع اللاعبين المحليين (ولذلك ملفات وملفات يطول شرحها)، وحالات استشهادية مريرة.
5- أما كيف تم تقييم المرحلة السابقة، فمن قيمها هم من وضع هذا النظام أصلاً! ولا تعليق وقبل أشهر قليلة كانت هناك مؤشرات تقييم ونهضة فعلية ترتكز على فكر احترافي، ولكن ما شاء الله كان (ورحم الله عبدالله الدبل)، وهذا لا يعني عدم وجود كوادر أكاديمية متخصصة ومؤهلة تم استقطابها، وينتظر منها الخروج من بوتقة التبرير والتسويف والمرافعة والدفاع عن بنود أنظمة أثبتت الفشل ولم تحقق الأهداف في كثير من موادها ومراميها باعتراف المسؤولين عن الاحتراف أنفسهم! ولكن الأمل بتشكيل فريق متخصص يبدأ دراسة المرحلة باستفتاء علمي تكون شرائحه من إداريين وإعلاميين ولاعبين يتم من خلاله استقاء الحقيقة حتى وإن كانت (مرة بطعم العلقم) لوضعها بين أيادي المسؤولين الذين يعلنون في كل مناسبة أنهم لا ينشدون غير الحقيقة ولا يرتضون إلا ما يخدم الوطن ويحقق أهدافه التنموية! أما أن نقتطع الهرم من منتصفه السفلي ونلقي باللائمة على وعي اللاعب وقصور الإدارة بالأندية المطبقة للاحتراف ويكون الضحايا أبناءنا الشباب وكوادرنا الإدارية التي صورت لكثيرين بأنها السبب دون إدراك أو تحليل، وأن ذلك نتاج أعلى الهرم وأن النظام ومن أُنيطت بهم مسؤولية العمل والتكليف هم من يتحمل السلبيات التي راح ضحيتها كثير وكثير من الأبرياء، فهذا ما يجب الوقوف عنده كثيراً!
كاتب إعلامي ورئيس نادي الجبلين سابقاً
saltorjam@yahoo.com