اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية في السنين الماضية عندما حاولت بعض الأطراف المنتشرة على الخريطة السياسية أن تهيمن على الوضع اللبناني الداخلي وتقفز على شرعية القرار والسلطة، مما سارع في هرولة الكثير من مكونات ومذاهب اللبنانيين إلى قوقعة الطائفية البلهاء, التي لعبت بشكل كبير في تأزيم الأوضاع وقادت البلاد إلى أتون حرب طائفية وأهلية جندت فيها قناعات الدين والمذهب لخدمة أغراض سياسية بشكل رخيص ومبتذل شرع قتل الآخرين وهضم وجودهم ورسخ قناعات الإقصاء والتهميش. وما يدور الآن في الساحة اللبنانية من احتقان سياسي حول قضية إقرار المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الحريري وما رافقه وبشكل دراماتيكي من أحداث وقلاقل في مخيم نهر البارد أصبح من أهم مهددات المشروع اللبناني المدني وسلمه الأهلي المشترك, فقد وقع اللبنانيون بين سندان الاحتقان السياسي الداخلي الذي شارف على التدويل ومطرقة التطرف الذي بدأ يتغلغل في المخيمات ويؤسس له بها قواعد وبنى تحتية سواء على الصعيد الميداني أو الفكري والسياسي وهو الأمر الذي إن لم تتخذ له التدابير اللازمة من الآن فإنه من الخطورة الكافية التي قد تقضي - لا سمح الله - على ما بقي من سلم وأمن أهلي في المجتمع اللبناني.
فيما مضى كان يخشى على لبنان من سياسات وأساليب الاستتباع التي تسعى إلى جره للتحالفات الإقليمية الضيقة الهادفة إلى تصفية الحسابات الدولية على أرضه، أما وبعد أن دخل التطرف القاعدي المقيت على الأرض فإن الوضع قد أصبح بحاجة إلى وقفات عدة تنطلق أولاها من أبناء الشعب اللبناني وعامته المطالبين بنبذ التطرف وطرده من على أراضيهم، وعندما نقول التطرف فإننا لا نقتصر بذلك على كوادر جماعة فتح الإسلام فقط بل إن هذا المطلب يشمل أيضاً التطرف المذهبي والطائفي المقيت في داخل فسيفساء الشعب اللبناني، كما أن استقرار الوضع في لبنان يتطلب أيضا الالتفاف حول الحكومة الشرعية اللبنانية وإبعاد مسألة شرعيتها التي لا يجادل فيها إلا ذو غرض معروف عن مساومات المحاور الإقليمية، والمسارعة في تنفيذ المحكمة الدولية لمعاقبة قتلة الحريري ليأخذ كل ذي حق حقة وحتى يعود لبنان وجهاً حضارياً جميلاً بعيداً عن المزايدات والتطرف الدخيل الذي إن أطلق له الحبل على غاربه وإن لم تأخذه يد الشرعية بالشدة فإنه سيكون عاملاً جديداً في إرباك الأوضاع وخلط أوراق الاستقرار اللبناني.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244