هجرة رجال الأعمال والكفاءات الوطنية السعودية للخارج إما للاستثمار أو للعمل ليس بالموضوع الجديد طرحه، ولكن من المؤسف أنه في تزايد مستمر، وآثاره السلبية على الاقتصاد الوطني بدأت تتضح، وسوف تزداد وضوحا في القريب العاجل، وأرى أنه ما لم تُدرس هذه المشكلة بشكل جدي محاولة للتوصل إلى طرق تحد من تزايدها وتفاقمها، فإنها سوف تتفاقم مما يصعب إيجاد حلول عملية لها.
حقيقة ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو تقرير وتحقيق نشر في مجلة فوربز العربية في عددها الأخير، وفيه تم إجراء لقاءات وتحقيقات مع العديد من رجال الأعمال السعوديين من الجنسين الذين غادروا باستثماراتهم إلى دول شقيقة مجاورة. فقد أشارت المجلة أن الإحصائيات الرسمية في دولة الإمارات الشقيقة تفيد أن المستثمرين السعوديين تصدروا قائمة الخليجيين الذين حصلوا على تراخيص لاستثمار في الإمارات في العام 2005م، وحصلوا على 4176 ترخيصاً تمثل ما نسبته 43% من إجمالي التراخيص الممنوحة لخليجيين. وتشمل تلك التراخيص الاستثمار في الأنشطة التجارية والصناعية والمهنية والعقارية وأسواق المال، وذكرت المجلة أن من أهم أسباب هجرة الأموال الوطنية للخارج حسب وجهة نظر من تم الالتقاء بهم يتمثل في القرب الجغرافي للدول الخليجية وفي الحوافز والتسهيلات والانفتاح الاقتصادي والاستثماري لدى الدول المجاورة والمرونة في الأنظمة والبعد عن التعقيد وتسهيل إجراءات منح التراخيص التجارية والاستثمارية والبعد عن تقييد استقدام اليد العاملة الأجنبية. اللافت للانتباه والمحزن في نفس الوقت أن الهجرة تجاوزت استثمارات رجال الأعمال إلى هجرة كفاءات وطنية شابة مدربة للعمل خارج حدود الوطن نتيجة إغراءات مادية كبيرة، فهناك مهندسون وأطباء، وماليون ومديرون تنفيذيون هاجروا بالفعل للخارج وتركوا وطنهم الذي هو بأمس الحاجة لخدماتهم.
هناك ثمة تساؤلات تبحث عن إجابات، هل هجرة أصحاب الأموال والعقول يعد أمراً هيناً ولا يستدعي التدخل من الجهات المسئولة بالسماع لهم ومحاولة إقناعهم بالعودة إلى الوطن؟... هل نلوم المستثمر السعودي حينما يشاهد الإغراءات والحوافز والتسهيلات في الخارج ويلمس المزيد من التعقيدات في بلده؟... هل لا تتوفر لدينا فرص استثمارية واعدة تفوق الفرص الاستثمارية المتاحة في الخارج؟ لا أعتقد أن هذا صحيح!!... إذاً... لماذا الهجرة؟ هل فعلاً أنها بسبب أنهم وجدوا ملاذاً آمناً وانفتاحاً في الأنشطة الاقتصادية، ووجدوا سرعة في تنفيذ وإنهاء الإجراءات، وهذا شيء مؤكد؟
مهما كانت الأسباب والمسببات، بلادنا الغالية أحوج وأولى بتلك الاستثمارات والعقول المهاجرة فلدينا انفتاح اقتصادي وازدهار ونمو وما زلنا بحاجة إلى تنمية مجال الاستثمار في العديد من المجالات، واقتصادنا وبشهادة الجميع يعيش مراحل رخاء وازدهار ونمو يفوق اقتصاديات كبريات الدول. والسعوديون المهاجرون يشكلون قوى استثمارية مؤثرة جداً في اقتصاديات الدول المجاورة التي استثمروا بها. إنه لمن المفارقات الغريبة أن نشاهد شركات استثمارية من العديد من الدول المجاورة تتجه إلى بلادنا إدراكاً منها للفرص الجاذبة للاستثمار والمتاحة حالياً ومستثمرينا يتجهون للخارج، ولا يوجد تفسير لذلك!!!
في اعتقادي أن أحد أسهل الحلول هو أن يفتح المجال للقاء والحوار المفتوح بين كبار المستثمرين ورجال الأعمال ممثلين بمجلس الغرف التجارية الصناعية مع كبار المسؤولين في الدولة من ذوي العلاقة، ويتم سماع وجهات النظر والتعرف على المعوقات التي يواجهها المستثمر المحلي مع أهمية طرح طرق ومقترحات للعلاج، أما أن يستمر الحال على ما هو عليه الآن، فهذا خطأ، فالمستفيد مجموعة من الأفراد والخاسر الأكبر هو الوطن، ولا أعتقد أن ابن الوطن يقبل بذلك لوطنه.
Fax2325320@ yahoo.com