أكثر ما يحتاجه لبنان هو فرصة لالتقاط الأنفاس، فقد انقضت للتو مرحلة من السجال السياسي الطويل تشبه الماراثون حول المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الحريري، وهو الأمر الذي انتهى أخيرا إلى صدور القرار الدولي رقم 1757 القاضي بتشكيل هذه المحكمة الدولية تحت الفصل السابع، وهذا القرار الذي وجد تأييدا من الأغلبية في لبنان له من يعارضه، ولهذا فإن فترة التقاط الأنفاس المطلوبة ينبغي تكريسها لإحلال نوع من الوفاق بين المؤيدين والمعارضين، وقد كانت هناك إشارات في الكلمات الترحيبية بالقرار الدولي مؤداها الاستعداد لمد الأيدي إلى الجميع وعبارات توفيقية أخرى من نوع (أن القرار ليس موجها ضد أي طرف) وأنه (يتيح لحظة للوحدة والتلاقي..)
أما القرار ذاته فقد أتاح فرصة لهذا التلاقي بين الفرقاء اللبنانيين حيث أشارت إحدى فقراته إلى (دخول الاتفاقية الموقعة بين لبنان والأمم المتحدة حول تشكيل هذه المحكمة الخاصة حيز التنفيذ بشكل تلقائي في العاشر من شهر يونيو الذي تبدأ أيامه اليوم الجمعة، إلا إذا توصلت الأطراف اللبنانية إلى إقراره بموجب الآليات الدستورية اللبنانية قبل هذا التاريخ.
وفي الحقيقة فإن تحديات كبرى تواجه لبنان فإلى جانب التعقيدات السياسية المتعلقة بمحاكمة قتلة الحريري، فهناك الأزمة المتواصلة في نهر البارد التي تطرح مصاعب أمنية تتعلق بالخروج المسلح على الدولة، فضلا عن أخرى إنسانية تتصل بالأزمة المتفاقمة للاجئين الفلسطينيين الذين يواجهون المزيد من المصاعب سواء بسبب بقائهم ثم خروجهم المأساوي من مخيم نهر البارد أو في مقرهم الجديد في مخيم البداوي الذي يضيق أصلا بأهله كما أن عليه أن يأوي هؤلاء النازحين الجدد بإمكانيات لم تستطع طوال سنوات كفاية سكانه.
وفي الذاكرة اللبنانية أن هذا البلد كان تحول في حقب عديدة إلى ساحة لتصفية صراعات الغير، وينبغي أن تكون التجارب السابقة حاضرة دائما في الأذهان، وتحمل أزمة نهر البارد في ثناياها إمكانية التوسع والتصعيد والاستغلال من قبل آخرين لهم مخططاتهم في الساحة اللبنانية، خصوصا وأن الأحوال الهشة في لبنان قد تغري إلى استغلالها في صراعات دامية تغرق لبنان في دوامة من المصاعب يصعب الخلاص منها..
ويكفي لبنان ما عرفه من أزمات ينبغي مراجعة دروسها لتفادي المزيد من الكوارث، ويبقى هناك دائما التعويل على قدرة وحنكة سياسية لقيادة نهج توافقي مخلص لتسوية المصاعب المتعلقة بالمحكمة إلى جانب الوقوف بشدة مع الجيش الوطني للقضاء على الوجود المسلح الذي يحاول الخروج على الشرعية، وكلما كان الجهد هنا متواصلاً وعاجلاً كلما أمكن تطويق النيران بحيث لا تمتد أكثر مما هي عليه وبحيث لا تشكل حافزا لآخرين للانقضاض على لبنان ومكتسباته ووحدته وما هو مأمول منه.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244