Al Jazirah NewsPaper Thursday  31/05/2007 G Issue 12663
رأي الجزيرة
الخميس 14 جمادى الأول 1428   العدد  12663
التنمية العربية بين الواقع والمأمول

يؤكد كثير من علماء الاجتماع والباحثين المتخصصين المعنيين بالدراسات الاجتماعية والمدنية, أن تطور الدول والكيانات السياسية تستند وتنطلق أولاً في أساسها من الإنسان ذاته ومن طبيعة تكوينه النفسي والثقافي وكينونته، حيث ينبثق من مرجعيته وخلفياته الاجتماعية التي كلما هيئت وكانت لديها جهوزية عالية للإنتاج سارعت بشكل طبيعي إلى الهرولة في مسيرة التنمية المتنوعة وقطارها بين الاقتصاد والسياسية والثقافة وصولاً إلى كل أشكال التنمية الإنسانية.

العالم العربي الذي لا يختلف اثنان على أنه قد فاته قطار التنمية ودخل في معمعة مرحلة ما بعد العولمة ليصاب بما يمكن تسميته بالصدمة الحضارية مقارنة مع غيره من الدول والكيانات الدولية, لا زال في حاجة إلى كثير من المعطيات والمكونات ليتمكن من مجاراة ما يحيط به من مفهومات العصرنة والتطور والحداثة المغرقة بالتطرف الليبرالي المسيطر على العالم في أحادية القطب الواحد, ولعل أهم ما يتصدر قائمة ضروريات التنمية المطلوبة في هذا الواقع العربي قضية التنمية الفردية؛ ونعني بها تنمية الإنسان كفكر واستقلال وممارسة.. فلا زال المواطن العربي ينقصه كثير من مقومات الشخصية الاجتماعية السليمة الضرورية ومكوناتها لتشكيل الفرد المدني المنتج في محيطه، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن بدهية التعليم والتنشئة السياسية والاجتماعية ودورها في التكوين الذاتي للأفراد, كما أن من أهم هذه المعطيات الغائبة أو المغيبة التي إن كان لها حضور في بعض الدول العربية، فإنه لا زال حضوراً مشوهاً أحياناً وقاصراً أحياناً أخرى هي قضية المجتمع المدني كواقع وفهم وتطبيق فلا زالت المجتمعات العربية تفتقر لاستقلالية المسؤولية للقيام بمهامها التكافلية بمعزل عن سيطرة السلطة, ولكي لا نقع في فخ النظرة التشاؤمية الجانحة دائماً في الفكر العربي إلى إلقاء اللوم على ما يسمى بالدكتاتورية العربية، فإنه من نافلة القول التأكيد على مساءلة عقلية الاتكال والخنوع التي لعبت دوراً في اضمحلال الدور المدني في المجتمع العربي الذي دارت سني كثيرة، ومرت دهور طوال على كثير من مفكريه ومنظري نسقه المعرفي وهم في صدام دائم ومختلق مع السلطة.. ذلك الصدام الذي تلمس أسبابه المنطقية أحياناً، ويتعذر فهم مسبباته أحياناً أخرى, وهذا ما يقودنا أيضاً إلى الحديث عن فلسفة المعارضة السياسية في عالمنا العربي التي لا زالت تفهم من قبل كثيرين بأنها منطلق للشرف والوطنية ممن امتهنوها اعتباطاً لا لشيء إلا للبحث عن الشهرة والمكانة السياسية والاجتماعية؛ وهو الأمر الذي قوبل وللأسف من قبل بعض الأنظمة العربية بالتخوين والتهم السوداء التي تقود إلى حبال المشانق ودهاليز الاعتقال, في حين أن مفهوم المعارضة في أساسه لا يتعدى كونه أسلوباً للتعبير عن التنوع السياسي والفكري والأيديولوجي في المجتمع الذي من خلال يمكن ترشيد القرار السياسي وتبويبه شعبياً بأسلوب حضاري ومدني بعيد عن غوغاء الشوارع وهتاف المظاهرات، وبعيد أيضاً عن عقليات الضبط والربط (البوليسي). كما أن للجانب العلمي والأكاديمي دوراً مهماً وجوهرياً في ما نحن في صدده من حديث، فلا زالت مناهج البحث العلمي وأساليب رصد الظواهر بالطرق العلمية مغيبة بشكل كبير عن واقع المجتمعات العربية؛ وهو الأمر الذي يتطلب مزيداً من الجهد والاهتمام بدور الطرح الأكاديمي في معالجة المشكلات الاجتماعية الراهنة؛ لكي تكون هناك علاقة تفاعلية بين السياسات العامة للدولة وبين آراء البحث العلمي والأكاديمي ونتائجه.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد