إعداد - محمد صديق
تفاقمت في الفترة الأخيرة قضية شركات التبغ بالمملكة بعد إعلان وزارة الصحة مقاضاتها ومطالبتها بتعويضات عن ما تنفقه على الرعاية الصحية لمرضى التدخين.. وهي القضية التي اعتبرها قانونيون الأولى من نوعها باعتبار أنها مثَّلت ممارسة حقوقية هامة وعالية المستوى تعكس توجهاً حديثاً لحماية الصالح العام. وسعت الجهات العاملة في مكافحة التدخين خلال الفترة الماضية إلى تفعيل هذه القضية وملاحقة شركات التبغ وتضييق حيز النطاق عليها حتى لا تجد في السوق السعودي مرتعاً خصباً لها. واليوم الخميس تحتفل منظمة الصحة العالمية بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التدخين تحت شعار: (من أجل بيئات خالية من التبغ).. وعبر هذه المادة تلقي الجزيرة (الضوء) على قضية التدخين من منظور اقتصادي من خلال الوقوف على آراء بعض المهتمين وأصحاب الشأن.. وفيما يلي نص حديثهم:
هدر للموارد الاقتصادية
بداية يقول سليمان الصبي أمين عام جمعية مكافحة التدخين إن ما يُنفق على التدخين هو مسؤولية الجهات المناط بها ذلك فمثلاً التدخين متعارف عليه طبياً بأنه يسبب أمراضاً خطيرة وفتاكة قد يستحيل علاجها في بعض الأحيان فأعتقد أن الدور هنا على وزارة الصحة التي يجب عليها أن تكون أحرص من غيرها على سلامة وصحة المواطن السعودي وبالتالي محاولة التشديد في دخول أي شيء قد يلحق بالمواطن أضراراً صحية.. أما من ناحية الخسائر المالية فهذه مسؤولية وزارة المالية والاقتصاد الوطني فما يحدث من خسائر هو هدر واضح وصريح لموارد الاقتصاد الوطني.
ويضيف الصبي: نتمنى نحن كجهات عاملة في مجال مكافحة التدخين أن تفرض رسوماً ضريبية بصورة دورية على واردات التبغ حتى تؤثر على شركات التبغ ومتعاطيه فلماذا لا يصل سعر علبة السجائر إلى 20 أو 25 ريالاً كما في الدول الأوروبية؟.. لذلك يجب التنسيق بين الوزارتين المعنيتين لمحاولة وضع قيود أشد على استيراد التبغ للمملكة لأنه يحدث خسائر مادية وصحية وأخرى نحن لسنا بحاجة إليها. ويرى الصبي بأن هناك دوراً للجان الغش التجاري في الكشف عما يحدث في المقاهي التي تقدم الجراك والمعسل، لكنها لم تقم به كما أن البلديات مناط بها دور قد تساهلت في تطبيقه البلديات الفرعية وهو الكشف عن تطبيق الاشتراطات لهذه المقاهي مع اللوائح التي صدرت من البلديات، كما أن هناك دوراً على الجهات الحكومية في تفعيل القرارات الصادرة عن المقام السامي في منع التدخين في الدوائر الحكومية، كما أننا نرجو من خادم الحرمين الشريفين أن يصدر أوامره بسرعة إصدار وتفعيل نظام مكافحة التدخين لنواكب انضمامنا للاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ، فهذا سيحدث نقلة في تعاطينا مع مشكلة التدخين.
ويشير الصبي إلى أن هناك توجهات سابقة برفع نسبة زيادة الرسوم الضريبية على واردات التبغ وهي تجربة جيدة، لكن المشكلة تتمثَّل في أن الشركات المصنعة تتكفل بهذه الزيادة حتى لا تخسر عملاءها في المنطقة وإن زادت سعر العلبة فإن الزيادة تكون طفيفة لا تشجع المدخن على ترك التدخين.. ويستطرد قائلاً: ما نتمناه والهدف من ذلك أولاً وأخيراً هو الوطن والمواطن أن تُتخذ قرارات عميقة وشجاعة ليبدد هذه الآفة من المجتمع السعودي خصوصاً أن أرض الحرمين تمثل القدوة الدينية للمجتمعات والدول الإسلامية الأخرى، كما أن توعية المواطن في صغره هي المطلب الذي قد يكون مصداً لهذه الشركات.
حجم الوارد السنوي
ويضيف الصبي: هناك إحصائية تقديرية فمثلاً حجم الوارد السنوي من مواد التبغ يتراوح خلال السنوات الأخيرة ما بين 1.4 مليار و1.6 مليار ريال وآخر إحصائية رسمية صادرة عن الجمارك خلال السنة الماضية (2005م) حتى 30 أبريل بلغ حجم الوارد 533 مليون ريال وقد يصل الرقم إلى نهاية العام بنفس النسبة 1.3 مليار ريال.
وبحسب الإحصائية الرسمية لواردات التبغ منذ عام (1998 - 2005م) فقد بلغت التكلفة الإجمالية أكثر من عشرة مليارات ريال هذا إذا لم نضع في الحسبان الواردات غير الرسمية والخسائر الأخرى التي يكون فيها التدخين سبباً مباشراً أو غير مباشر كتكلفة الأمراض المزمنة التي تحدث بسبب تعاطي الدخان والحرائق وضياع أوقات العمل، التي تحدث بسببه بالإضافة إلى المبالغ التي تصرفها الجهات العاملة في مكافحة التدخين، هذه المبالغ لو جُمعت ووظفت لاستفدنا منها في تنفيذ العديد من المشاريع التنموية التي نحن بأشد الحاجة إليها، وبحسب تقديري قد لا تقل الخسائر غير المباشرة عن الخسائر المباشرة ولو حسبناها خلال نفس الفترة لوجدناها لا تقل عن العشرة مليارات ريال.. وبذلك نكون قد خسرنا خلال ثماني سنوات فقط ما يزيد عن عشرين ملياراً.
خسائر بالمليارات
ويرى الدكتور فهد الخضيري رئيس وحدة المسرطنات بالتخصصي أن الكثير من العاملين في مجال الدراسات الإحصائية سيعجزون أن يكتبوا بدقة عن الآثار الاقتصادية التي تخسرها الدول والأفراد في عالم التدخين، ولا تقتصر هذه الخسائر على الصرف المباشر على التدخين، الذي يصل إلى مليار دولار في بعض الدول التي لا تتجاوز ميزانياتها الخمسة مليارات دولار، ويُقدَّر الاستهلاك العالمي بثلاثمائة ألف مليون دولار, وفي إحصائية شبه دقيقة للبنك الدولي تبلغ تكاليف الرعاية الصحية لضحايا التدخين مائتي ألف مليون دولار, نصفهم من العالم الثالث!!
وهذا يعني أن هذه المليارات التي تحترق بالسجائر يُصرف عليها مائتا ألف مليار للعلاج من آثارها!!! ونصفها تحرق داخل العالم الثالث المليء بالفقر والمشاكل الصحية والجهل والتخلف!!! وكان من المفترض أن تتجه هذه المليارات للتنمية والمشاريع التعليمية والتطويرية والتنموية التي تعود بالنفع على المواطن والدولة وعلى المجتمع، وبعد خسارة الاستهلاك والتعاطي تأتي بعد ذلك الخسائر الفردية على العلاجات والأدوية لعلاج بعض الآثار السلبية السريعة للتدخين كالكحة والحساسية والسعال وضعف المناعة، حيث يصرف بعض المدخنين مبالغ شبه يومية على علاج آثار التدخين، ثم الخسائر الحكومية التي تصل إلى المليارات لعلاج الأمراض التي تسبب بها التدخين مثل السرطان وأمراض القلب وتصلب الشرايين وأمراض الجهاز التنفسي والرئة.
ويضيف الخضيري: تبلغ الميزانيات المتوقعة لعلاج ضحايا التدخين ما يقارب ثلث ميزانية الصحة في بعض الدول!!! ويأتي بعد ذلك الخسائر الفردية المتمثلة بإتلاف الثياب والأثاث والحرائق الكثيرة بسبب التدخين وكذلك تلوّث الهواء وما يتطلبه من مصاريف لمكافحته وإزالة آثار التدخين وروائحه، ثم تأتي الآثار الاقتصادية الصحية العامة كالأمراض والمشاكل الصحية التي تجبر بعض المدخنين على التغيُّب عن العمل وما ينعكس على أداء المؤسسات والشركات بسبب تغيُّب المدخّن عن العمل أثناء تعرضه لأحد الأمراض المعتادة بين المدخنين، (التهاب الحلق والجهاز التنفسي، والضعف العام والأمراض المعيقة عن العمل اليومي).. وقد كشفت إحدى الدراسات أن المدخنين يتغيبون عن العمل والوظيفة بنسبة تصل إلى ثلاثة أضعاف غيرهم الذين لا يدخنون, ففي دراسة لشركة جنرال إلكتريك تبيّن أن غياب المدخنين يصل إلى ثلاثة أضعاف غير المدخنين، وبالتالي نتصور الخسائر التي تخسرها المنشآت الحكومية والخاصة بسبب تغيب الموظفين المتأثرين بأمراض التدخين، وبالتالي ما تخسر عليها الدول من نقص في الإيرادات وكذا تعطيل المصالح العامة.. ولا ننسى الخسائر التي يصرفها المدخن على زوجته وأطفاله الذين يتعرضون للتدخين الثانوي وما يسببه من ربو عند الأطفال ومشاكل صحية تتعلق بالجهاز التنفسي والضعف المناعي.
الآثار البيئية
الدكتور عبد الله السلمان مستشار أسري ونفسي ومهتم في شؤون التدخين.. يقول: تُعد ممارسة عادة التدخين من العادات المنتشرة في العديد من المجتمعات وخصوصاً مجتمعات الدول النامية وتسهم بشكل قوي في التأثير على البيئة بمكوناتها المختلفة، كما تؤثر وبشكل بائن على أداء الاقتصاد المحلي بشكل عام حيث يتسبب التدخين في انخفاض مستوى الأداء الوظيفي وزيادة معدلات الغياب للموظفين كما يتسبب المصابون بالأمراض الناتجة من التدخين في إحداث ضغط على المستشفيات العامة ولعل المتأمل لأحد المؤشرات الإحصائية المسجلة في السجل الوطني للسرطان عام 2006م، التي بلغت فيها الحالات عشرة آلاف حالة إضافة إلى المصابين بالأمراض الأخرى مما أدى إلى استنفاد 15% من ميزانية وزارة الصحة لعلاج الأمراض الناتجة عن التدخين والمؤشرات المستقبلية للأعداد المتوقع إصابتهم بالعديد من الأمراض الخطيرة بناء على أعداد المدخنين الحالية والتي تصل إلى 6 ملايين رجل وستمائة ألف امرأة في المملكة.. فكل هذه المؤشرات تؤكد على أهمية البُعد الاقتصادي في مواجهة ظاهرة التدخين، كما يظهر بُعد اقتصادي آخر هو أن التدخين يُمثِّل سبباً رئيساً في حوادث الحرائق حيث تم رصد 2570 حادث حريق بسبب التدخين وفق إحصائيات الدفاع المدني لعام 1426هـ وعليه فمخاطر التدخين تُعتبر متنوعة ومتعددة.
ولكي نصل إلى بيئة خالية من التدخين لا بد من تضافر الجهود من جميع أفراد المجتمع ومؤسساته، إضافة إلى أهمية إدراك المخاطر المترتبة على الجميع سواء كانوا مدخنين أو غير مدخنين لأن مخاطر التدخين السلبي أصبحت من الأشياء المؤثرة فهل نصل إلى حي بلا تدخين ومن ثم مدينة بلا تدخين إلى منطقة بلا تدخين وصولاً إلى مملكة ذات بيئة خالية من التدخين يتمتع أفرادها بميزة التحرر من مخاطر هذه الآفة القاتلة.