تحوَّلت الساحة العراقية من ميدان لحروب بالوكالة بين واشنطن وإيران إلى مكان للتفاوض بينهما تحت عنوان بارز هو (العمل على استقرار العراق)، غير أن هذه المحادثات الأولى بين البلدين منذ 27 عاماً تنطوي على مرارات كثيرة تعكس الوضع الصعب بين البلدين؛ ما قد يجعل منها محاولة شبه يائسة لإصلاح الوضع في العراق، ومع ذلك فإن المحاولة تظلّ مطلوبة لإيجاد تفاهمات تبعد تأثيرات العداوة التقليدية بينهما عن الحالة العراقية.

ومع ذلك، فيُحمد لهذا اللقاء أنه انعقد؛ فهو بهذه الصفة أزال - على الأقل - حاجزاً نفسياً كما وضع نقاطاً يمكن الانطلاق منها مجدَّداً، غير أن العلاقة المتوترة بين البلدين تبقى على حالها؛ فهذا التوتر لا يتغذى من مجرد الوضع المتأزم في العراق، ولكنه يتعاظم أيضاً من خلال اعتبارات استراتيجية تشمل بالضرورة المسرح الكبير للصراع، وهو منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط بصفة عامة.

وهناك أيضاً النزاع النووي بين البلدين، مع محاولة الولايات المتحدة الحدّ من الطموحات النووية لإيران، فيما تمضي طهران قدماً في برنامجها النووي وهي مطمئنة على أن واشنطن لا تجرؤ على مدّ ذراعها خارج حدود العراق لضربها؛ لأن الورطة الأمريكية في العراق تحدّ كثيراً من قدرة الولايات المتحدة على القيام بالمزيد من التحركات، ولهذا فإن إيران قد تسعى إلى جعل الأمور أكثر صعوبة لواشنطن في العراق إلى الدرجة التي تجعلها مشلولة تماماً إزاءها.

ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة تظلّ القوى العظمى التي لا ترضى بالهزيمة، سواء في العراق أو فيما يتَّصل بالتعاطي مع إيران. ومع المرونة الكبيرة التي تتمتَّع بها من جهة القوة العسكرية والهيمنة السياسية فإنها لا تتورَّع عن القيام بضربات عسكرية ضد طهران حتى في ظلّ الانتقادات الدولية لواشنطن بأنها حوَّلت العالم إلى ساحة حرب كبرى.

غير أن القوة العظمى تبدو محكومة في نهاية الأمر بدرجة أقوى برأي عام داخلي بدا يظهر الكثير من التبرُّم من الدور الذي باتت تلعبه حكومته كشرطي للعالم؛ فصحيفة (نيويورك تايمز) تقول: إن واشنطن حصدت نتائج عكسية في العراق، فبدلاً من أن تقضي على الإرهاب - وفقاً لأهدافها المعلنة - حوَّلت العراق إلى بؤرة للإرهاب تصدِّر الإرهابيين إلى أنحاء المنطقة ودول الجوار.

ومن ثَمَّ فإن هذه المحادثات قد تشكّل البداية لتفاهمات تتيح الحفاظ على قدر من ماء الوجه لدى واشنطن، ومن جانب آخر فإنها تشكّل فرصة مُثْلى لإظهار تهديداتها لإيران بطريقة مباشرة على رغم كثرة الجراح في جسدها، كما أن طهران من جانبها ستحاول إظهار بعض الأوراق المهمة التي تحتفظ بها في المواجهة الدائمة مع أمريكا.

وفي غمرة ذلك يبرز السؤال حول المدى الذي يمكن أن يستفيد منه العراق من محادثات بين غريمين يتَّخذان من أرضه ميداناً لتصفية جوانب من صراعاتهما.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244