أعلن محافظ المصرف المركزي الإماراتي في شهر مارس الماضي تجميد حسابات 21 فرداً و9 شركات يُشتبه في تورطهم في غسل أموال المخدرات، وأشار إلى أن الأموال جاءت من مبيعات مخدرات في دول غربية، وأنها (أدخلت في بنوك غربية، وجاءت إلى هنا (الإمارات) من خلال شركات تعمل كواجهة لهذا النشاط).
نهاية الأسبوع الماضي، الجمعة 18 مايو 2007م، كشف الفريق ضاحي خلفان تميم القائد العام لشرطة دبي لجريدة (البيان) الإماراتية عن تمكُّن شرطة دبي من الكشف عن (سلسلة من العصابات الدولية التي احترفت غسيل الأموال والاحتيال الجمركي)، وأشار إلى أن حجم الأموال القذرة (الناتجة عن بيع مخدرات وجرائم دولية متعددة بما فيها تصفيات جسدية، وهي الأموال التي مرَّت عبر القنوات المصرفية والمالية في دول عدة خلال الفترة من 1999م حتى فبراير 2007م) بلغت ما يقرب من 74 مليار درهم.
في مطلع العام 2002م كنت في محاضرة متخصصة عن غسيل الأموال حين دخلت في نقاش موسَّع مع المحاضر حول حجم الأموال الملوثة التي يتم تمريرها من خلال النظام المصرفي في منطقة الخليج، وكنت أستبعد أن يصل حجم الأموال إلى ذلك الرقم القياسي الذي أشار إليه المحاضر، على أساس مقدرة المصارف الخليجية على تحمُّل مثل هذا الحجم الضخم من الأموال المشكوك في مصادرها ووجهتها أيضاً، على الرغم من إيماني التام بجاذبية البيئة المصرفية الخليجية للعصابات الدولية المنظمة وإمكانية استغلالها؛ نظراً إلى حداثة عهدها بالجرائم المالية المعقدة.
الوقائع أثبتت خطأ تقديراتي المتحفظة، وكشفت أيضاً عن خطأ معلومات المحاضر (المُبالَغ فيها)، على أساس أن حجم الأموال القذرة التي أعلن عنها في دولة خليجية واحدة أكبر بكثير من الرقم المُصرَّح به في ذلك الوقت!.
قد يكون للتغيرات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية التي شهدتها المنطقة في الأعوام الخمسة الماضية أثر مباشر في زيادة حجم الأموال القذرة الممررة من خلال النظام المصرفي الخليجي.
أحداث الحادي عشر من سبتمبر كان لها دور كبير في تناقل الأموال الضخمة بين قارات العالم تحت ذريعة البحث عن ملاذ آمن بعيد عن المناطق المشتعلة، ما ساعد العصابات الدولية على استغلال الوضع الاستثنائي لتمرير عملياتهم المحرمة.
طفرة الأسواق المالية الخليجية ربما كان لها دور بارز في جذب العصابات الدولية التي عادةً ما تستغلّ الأسواق المالية لتحقيق غاياتها الإجرامية.
تعتبر الأسواق المالية من أكثر الأسواق جاذبيةً لعصابات غسل الأموال، وربما استخدمتها لتحقيق غايات أخرى تتجاوز أهدافها الرئيسة في تبييض الأموال المحرمة؛ كالتدمير على سبيل المثال لا الحصر.
في بعض الأحيان تتلاقى المصالح الإجرامية مع بعض الخطط الاستخباراتية الدولية وإن اختلفت الأهداف المرجوة لكلا الطرفين، وهو ما يقود إلى خلق نوع من الشراكة المحدودة التي تسمح بالحصول على بعض أنواع الدعم والتغطية المؤقتة.
عملية غسل الأموال الضخمة التي اكتشفت في دبي يجب أن تكون البداية الحقيقية للكشف عن عصابات الإجرام التي باتت تتخذ من منطقة الخليج مركزاً لعملياتها.
نعلم أن غالبية الأنظمة المصرفية الخليجية تطبّق إجراءات مشددة يمكن من خلالها الكشف عن عمليات التبييض، إلا أن مثل هذه الإجراءات ربما كانت قاصرة عن اكتشاف العمليات المالية المعقدة التي تدخل فيها العمليات الاستخباراتية الدولية.
كما أن صعوبة الكشف عن عمليات تمويل الإرهاب من قبل النظام المصرفي الخليجي باتت تهدد استقرار المنطقة، وتضعف من جهود الأجهزة الأمنية الحكومية التي أثبتت نجاحات كبيرة على المستويين الأمني والمالي.
على رغم اختلاف التوجهات الإجرامية بين الجماعات الإرهابية وعصابات تبييض الأموال إلا أن ذلك لا يمنع من حدوث تعاون بينها لتحقيق مصالحها المشتركة، وكما التقت - من قبل - مصالح مروجي المخدرات مع بعض الجماعات الراديكالية في أفغانستان فقد تلتقي مصالح الإرهابيين مع عصابات تبييض الأموال في المنطقة، وهي مرحلة خطرة أجزم أنها لا تغيب عن مخيّلة الجهات الأمنية والمصرفية في المنطقة.
عملية الكشف عن عصابات غسل الأموال في الإمارات العربية المتحدة يُفترض أن تقود النظام المصرفي الخليجي إلى رفع معدلات الحذر، وإعادة تقييم الإجراءات المتبعة على رغم دقتها، ومراجعة الحسابات الضخمة وتناقلات الأموال المرتبطة بالأسواق المالية التي يمكن أن تمرّ عن طريقها الأموال الأكثر تدميراً في الاقتصاد والأمن الداخلي للتأكد من خلوها من أدنى معدلات الشك والريبة، على أساس أن ما يُكشف عنه من عمليات غسل الأموال لا يعدو أن يكون جزءاً يسيراً من حجم العمليات المنفَّذة.
f.albuainain@hotmail.com