يموت الفلسطينيون برصاص أشقائهم كما يموتون تقليدياً بالقصف الإسرائيلي المتواصل على رؤوسهم صباح مساء، ولا يحتاج أي من أبناء غزة إلى معرفة البدهية القائلة إن أي صراع بين الإخوة يصب مباشرة في صالح الاحتلال المتربص بهم وبراً وبحراً وجواً.
كانت الجمعة الماضية مثالاً للمدى البعيد الذي يمكن أن تصل إليه معاناة الفلسطينيين، فقد حصدت الغارات الإسرائيلية أرواح كثيرين من أبناء غزة، فيما لقي آخرون مصرعهم برصاص فلسطيني، وضاعت وسط كل ذلك كل المسلمات التي تقول بأهمية رص الصفوف في مواجهة العدو الذي يتحين مثل هذه الفرص للانقضاض على كل الفرقاء.
والآن وبعد عدة أيام من هذا الصراع الدموي المقيت بين أناس يفترض أنهم أخوة سلاح، خرج من بين الفرقاء من يتحدث بلهجة أقرب للاعتذار عن أن هناك من يغذي الخلافات. وقد صدرت مثل التصريحات من أطراف تتبع لكل من فتح وحماس، ومع ذلك فإن الجانبين على كامل الاستعداد لخوض المزيد من المعارك ضد بعضهما بعضاً.
وبالنظر إلى الإرث السياسي والنضالي المتراكم عبر السنين للفلسطينيين، فإن الخبرات التي حصلوا عليها ينبغي أن تشكل مانعاً أمام أي استدراج يهدف إلى توريط الأطراف المختلفة في مثل هذه المعارك، وخصوصاً مع الوعي المتعاظم لدى كل فلسطيني بأن إسرائيل تتحين مثل هذه المعارك بل وتعمل من أجل أن تحدث، وهي تفعل ذلك طوال سنوات الصراع العربي الإسرائيلي منذ أكثر من ستة عقود من الزمان.
وتأتي حروب الإخوة والناس في الضفة وغزة يعانون الأمرين من الحصار الاقتصادي المتواصل، وبدلاً من أن تعمل القيادات باتجاه تعزيز الوحدة والظهور بما هو لائق أمام المجتمع الدولي من أجل إقناعه برفع الحصار، فإن المشهد الفلسطيني الحالي لا يساعد على أي تحرك من هذا النوع، بل إن إسرائيل تتحرك سياسياً كما هي عسكرياً، لإبراز المساوئ الحادثة بين الفلسطينيين والتركيز عليها.
لقد أنجز الفلسطينيون حكومة الوحدة الوطنية، وسبق ذلك إجراء انتخابات بطريقة ديمقراطية نالت احترام دول العالم، وبالطبع فإن هناك من لا يرضيه مثل هذا الإنجاز حتى وإن كانت الديمقراطية هي الشعار الذي تتصدر أجندة ذلك الآخر. وكان من المهم أن يتواصل الإنجاز إلى مداه الأقصى، وذلك من خلال الحرص على تماسك الصف الفلسطيني. ومن الواضح أن الفشل في ذلك هو الذي يتسبب في المصاعب الراهنة.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244