بداية يجب أن نعرف بأن النقود المدخرة أو المستثمرة لا تعتبر رأس مال، حيث إن النقود توفر مؤشراً نمطياً لقياس الأشياء حتى نستطيع تبادل الأصول غير المتماثلة، أي أن النقود ليست سوى شكل واحد من أشكال عدة يرتحل بها رأس المال، كما يجب علينا أيضاً أن نعرف أن النقود لا يمكن أن تثبت وتحدد الإمكانيات الاقتصادية الكامنة في أصل ما لكي يخلق إنتاجاً إضافياً.
ولكي أوضح ما أريد أن أصل إليه سأضرب مثالاً مشتقاً من بيئتنا، فلو أن رجلاً باع منزله بمليون ريال وأشترى أغناماً بهذا المبلغ، لقلنا إن النقود كانت الوسيلة المثلى التي مكنت هذا الرجل من تبديل الأصل الرأسمالي الأول (المنزل) بأصل رأسمالي آخر (الأغنام)، والسؤال هنا هل يمكن للنقود أن توضح لنا الإمكانيات الاقتصادية الكامنة في المنزل أو الأغنام لنخلق إنتاجاً إضافياً (منازل، أغنام)؟ بالطبع لا.
ولنرجع إلى الأغنام وإمكانياتها الاقتصادية، البدوي يقول إذا أردت أن تشتري أغناماً بهدف التجارة عليك أن تشتري نعاجاً وتثبت ملكيتها لصالحك من خلال علامة معينة، ومن ثم تزودها بعدد محدود من الخراف الذكور وعليك أن تغذيها بطريقة معينة لتحمل وتلد وتنمو مواليدها، وبالتالي ستحصل على نعاج جديدة (مرتين سنوياً) تشكل أصولاً رأسمالية إضافية تمكنك من إنتاج المزيد من الأغنام، كما ستحصل على خراف يمكن أن تبيعها لتحصل على المال الذي يمكن لك أن تستخدمه في تسيير أمور حياتك أو إعادة استثمارها بشراء أصولاً رأسمالية مماثلة (نعاج) أو غير مماثلة (منازل مثلاً). إذن البدوي أوجد نظاماً لتثبت الملكية (علامة، وسم.. إلخ) كما أوجد آلية لتوليد رأس المال والمال من رأس المال الحقيقي (الأغنام)، والآلية تتمثل بتلقيح النعاج بعدد محدود من الخراف لتلد أغناماً مرتين سنوياً ليمسك النعاج ويبيع الخراف ليعيد الدورة مرة أخرى بشكل أوسع وهكذا يزيد رأسماله بمرور الزمن، كما يعزز المعروض ليوازن المطلوب وهو ما هو يحقق الاستقرار في الأسعار بطبيعة الحال، ولو أن العكس حصل لقل المعروض وزادت الأسعار بشكل جنوني.
هذا البدوي الذي لم يدرس نظريات آدم سميث الاقتصادية أدرك أن رأس المال ليس هو الرصيد المتراكم من الأصول، وإنما الإمكانية التي تحوزها تلك الأصول في أن تنشر إنتاجاً جديداً، وهو ما لم ندركه لغاية الآن في كثير من قطاعاتنا الاقتصادية فبتنا نعاني أشد المعاناة من ارتفاعات سعرية مؤلمة نتيجة قلة المعروض مقابل كثرة المطلوب الناتج عن النمو السكاني الطبيعي.
واليوم وبعد أن أصبحنا نشعر بالألم نتيجة الارتفاع في أسعار العقارات وماصاحبه من ارتفاع في أسعار الإيجارات وما نتج عن ذلك من ارتفاع في أسعار السلع والخدمات أصبحنا نتسائل لماذا هذه الارتفاعات؟ وعند البحث والتحليل أدركنا أن المستثمرون في العقار لا ينعمون بما ينعم به المستثمرون بالأغنام، حيث لا توجد آألية فعالة تمكنهم من إطلاق الإمكانيات الاقتصادية الكامنة في أصولهم العقارية لتنشر إنتاجاً عقارياً جديداً يرفع المعروض ليوازن المطلوب في الوقت المناسب.
إنني عندما أرى المواطن متوسط الدخل يعاني في بلد الخير حيث تلتهم الالتزامات راتبه في نصف الشهر وهو خائف من القادم من الأيام وهو يرى الارتفاعات المتزايدة في الأسعار مع ثبات الدخل، أرى من واجبي ومن واجب كل من يقدر على تشخيص الوضع واقتراح الحلول أن يبادر لطرح رأيه ومرئياته أمام المسؤولين والمستثمرين وأفراد المجتمع للتحرك لمعالجة القضية بأسرع وقت ممكن قبل أن تتفاقم وتنتشر إفرازاها الخطيرة.
وبظني أنه بات من الضروري أن نحث الخطى، بل أن نواصل العمل ليلاً ونهاراً، لاستكمال منظومة الأنظمة والإجراءات التي تمكن أصحاب الأصول الرأسمالية العقارية من إنتاج أصولاً عقارية جديدة في دورات متتالية لا تزيد مدة الواحدة منها عن ثلاث سنوات لنرفع معدلات نمو العرض بما يتناسب ومعدلات الطلب لتستقر الأسعار أولاً ولتعود إلى سابق عهدها تدريجيا ثانياً، بما يمكن المواطن من تلبية متطلبات العيش الكريم في بلد الخير والرخاء.
وفي الختام أقول نحمد الله أن بلادنا تنعم بقاعدة جيدة خاصة فيما يتعلق بتثبيت الأصول العقارية حيث إن معظمها واضح الملكية ولا نزاعات عليه، كما أن هيئة السوق المالية قد استكملت اللوائح المتعلقة بطرح وتداول الأوراق المالية والتي رخصت لعدد مناسب من الشركات المالية، وأنا على ثقة بوزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي ووزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة العدل وباقي القطاعات الرسمية ذات العلاقة التي تمكن العقاريين من إطلاق الإمكانيات الاقتصادية الكامنة في أصولهم العقارية أنهم سيعملون كل من موقعه لتسهيل الآليات المحققة لذلك، وهي آليات طبقتها الدول المتقدمة قبلنا في تعزيز مكانة القطاع العقاري ليصبح أحد أهم القواعد الاقتصادية وصمام أمان أنظمتها المالية.
alakil@hotmail.com