أثلج صدري دعوة معالي محافظ المؤسسة العامة للتقاعد الأستاذ محمد الخراشي لزيارته في مكتبه بعد أن اطلع على مقالتي المنشورة يوم السبت الماضي بعنوان: (المؤسسة العامة للتقاعد وفزع القطاع الخاص) باعتبار أن مثل تلك الخطوة تُعبّر عن درجة تطور العلاقة بين الكُتَّاب والمسؤولين، وأثلج صدري بشكل أكبر استقطاع معاليه من وقته الثمين قرابة الساعتين لمناقشة تفاصيل المقالة، وهو دليل على سعة صدره ورغبته في التحاور المثمر البناء، خصوصاً أننا معاشر الكُتَّاب في الشأن الاقتصادي نحاول أن نساهم من طرفنا في التحليل والتشخيص الأولي، وهو ما يساعد المسؤول بطبيعة الحال لرؤية الموضوع من زوايا مختلفة.
ولكي يكون القارئ المحترم على اطلاع بما تمَّ في هذا اللقاء يسرني أن أستعرض لكم أهم النقاط التي تمَّ التناقش فيها، خصوصاً أن الموضوع يمس كل مواطن بطريقة أو بأخرى، كما أنه يهم كافة العاملين في القطاع العقاري والمالي بصفة عامة والعاملين في التمويل الإسكاني بصفة خاصة.
يقول معالي الأستاذ محمد الخراشي إن المؤسسة العامة للتقاعد تتكامل ولا تتقاطع مع القطاع الخاص، وإنه تمَّ التنسيق مع كبار العاملين في القطاع العقاري بخصوص فكرة التمويل الإسكاني التي تنوي المؤسسة تنفيذها وإن جميع هؤلاء ودون استثناء رحبوا بالفكرة وتحمسوا وأبدوا ارتياحهم لها.
كما يقول معاليه إن المؤسسة العامة للتقاعد تسعى في قرارها القاضي بتمويل المساكن لمن يشمهلم نظام المؤسسة العامة للتقاعد إلى دعم الشركات الخاصة لتلبية متطلبات السوق التي تتجاوز إمكانياتها، كما تسعى أيضا لتمكين المواطن من شراء المسكن المناسب بتكلفة دين منخفضة تكون معياراً بصورة أو بأخرى للشركات التمويلية الخاصة، إضافة الى معيار البناء المناسب والمعتمد بما يُسمى (الكود السعودي).
وفيما يتعلق بسياسات المؤسسة أكد معاليه أن المؤسسة تسير وفق سياسات مرسومة ومعتمدة، لكنها غير ملزمة بنشرها باعتبارها تنظم الأعمال الداخلية، وأن ذلك لا يهم المستهلك حيث ما يهمه هو المنتج النهائي الذي سيحصل عليه، كما شدد معاليه على أن الاستثمار في مجال التمويل الإسكاني هو استثمار معدوم المخاطر حيث استندت المؤسسة في قرارها هذا إلى دراسات مالية مستقلة وخبراء من دول متقدمة استقدموا لهذا الغرض للتأكد من جدواه ودرجة مخاطره.
أما أنا فمن ناحيتي فأوضحت لمعاليه أنني لا أزال أعتقد بأن مثل هذه الآليات وإن بدا لنا أنها ستُساهم في توفير المساكن للمواطنين في الوقت المناسب، فإنها آليات لها جانبها السلبي وهو أنها ستؤثر سلباً على سوق التمويل الإسكاني الذي بدأت تدب في عروقه الدماء على المدى المتوسط والبعيد، حيث سيهرب كل من كان يفكر بالاستثمار في هذا المجال الهام والضروري لاستكمال الدورات المالية وتتابعها، الدورات القائمة على سحب السيولة من السوق المالية من خلال السندات المدعومة بالرهونات العقارية لتمويل المشترين لشراء المساكن الملائمة لهم، وكلنا يعلم الآثار الإيجابية لمثل هذه الآلية على خفض معدلات التضخم الناشئة عن فائض السيولة.. كما أنني ما زلت أعتقد بأن دخول المؤسسة العامة للتقاعد يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أهمية تعزيز آليات السوق باعتبار أن المؤسسة تستطيع أن توفر التمويل اللازم للمواطن بآلية غير مباشرة من خلال شراء السندات المهيكلة بما يتوافق وأحكام الشريعة الإسلامية من شركات التمويل الإسكاني التي تعمد إلى إيجاد دورات مالية متتالية كجزء من منظومة متكاملة تشتمل على المطور الإسكاني والممول والمستفيد والسوق الأولية والثانوية للسندات خصوصاً أن حجم الطلب على التمويل لا يمكن للمؤسسة منفردة أن تعززه وإن خصصت عشرة مليارات ريال لذلك بدل الخمسة التي أعلنتها خلال سنتين، حيث إن عشرة مليارات لن تمول أكثر من 20 ألف مواطن في سنتين من أصل حوالي 300 ألف مواطن يرغب بالتمويل إذا اعتبرنا أن متوسط التمويل 500 ألف ريال.
وخلاصة القول إن نية المؤسسة العامة للتقاعد ومن يحثها على ذلك نية أكثر من طيبة ومباركة ونحن نشد على أيديهم شاكرين ومقدرين، لكن ما نريده فقط أن نبحث في آلية تخرج أفضل تحقق الغاية وتعزز آليات السوق وتحث المستثمرين على الدفع بالمزيد من الاستثمارات في مجال التمويل الإسكاني لتلبية الطلب المتزايد على التمويل الإسكاني.
ختاماً.. أكرر شكري وتقديري لمعالي محافظ المؤسسة العامة للتقاعد، وأدعو كل مسؤول حكومي أياً كان مستواه أن يحذو حذوه في التفاعل مع ما يُكتب ويُنشر ويُبث، راجياً من الله العلي القدير أن يوفقه وفريق عمله لاتباع أفضل وأنجع طريقة تعزز آليات التمويل في بلادنا العزيزة، وكلي ثقة في أن معاليه يعلم كل العلم أن الحوار لا يعني بالضرورة الاتفاق على وجهات النظر بقدر ما يعني رفع درجة الفهم والتفهم بين الطرفين المتحاورين لما فيه الصالح العام.
alakil@hotmail.com