تتراكم لدى مختلف القوى الفلسطينية خبرات قيمة نتجت عن سنوات النضال الطويل على الساحتين السياسية والعسكرية تشكل زاداً لا غنى عنه في النضال المستمر وفي كيفية تحريك آليات الحل والتسوية، إلا أنها تعد من جانب آخر رصيداً مهماً في تأمين الساحة الفلسطينية من الاحتكاكات وإفرازات الزخم الكبير من النشاط السياسي وما يرتبط به من حساسيات؛ فالخبرة المكتسبة طوال هذه العقود تسهم في إعادة ترتيب البيت الفلسطيني متى ادلهمت الخطوب ووصلت الأخطار إلى الخطوط الحمراء التي لا ينبغي تجاوزها ومنها تحديداً ما يتصل بالصراع بين الفصائل..
وفي المحطات الأخيرة والمهمة للوفاق الفلسطيني، فإن اتفاق مكة يشكل منعطفاً مهماً، باعتبار أنه وضع أسساً واضحة وفعالة لتمتين الصف الفلسطيني ودرء الأخطار عنه، وهو على الصعيد العملي استطاع إسكات رصاصات حرب الإخوة، كما أنجز الخطوة المهمة المتمثلة في تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية..
وفي الأنباء مؤخراً المزيد من الإنجازات المعتمدة على هذه الصيغة التوافقية المتولدة عن اتفاق مكة المكرمة، ومن ذلك تحديداً التوافق حول إعادة بناء منظمة التحرير بحيث تسمح باستيعاب المزيد من الفصائل ومنها حركة حماس، وذلك استجابة لدواعي استكمال كل جوانب الوفاق وتمشياً مع ما نادى به اتفاق مكة في إحدى فقراته القائلة بضرورة المضي قدماً في إجراءات إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية.
وتشكل منظمة التحرير مرجعية مهمة لكافة مظاهر العمل الفلسطيني، وهي بصيغتها هذه وبغيرها من المهام تمثل ركناً مهماً من أركان البناء السياسي والنضالي الفلسطيني وبوتقة تنصهر فيها مختلف القدرات السياسية على الساحة الفلسطينية والمتمثلة بالفصائل المتعددة التي تضطلع بمهام البناء والنضال فضلاً عما تحققه على الصعيد الاجتماعي، باعتبار المجتمع الفلسطيني مجتمعاً ذا سمات خاصة ترتبط بمهام التحرير والمواجهة..
وسيكون من المفيد الاستمرار بإنجاز أعباء إعادة اللحمة إلى الصف الفلسطيني، طالما ظلت حالة الاستهداف قائمة لكل عمل وطني جماعي فلسطيني، فإسرائيل التي تسعى إلى تكريس الأوضاع القائمة واستمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية والإبقاء على مختلف الضغوط بما فيها السياسية والاقتصادية، يهمها كثيراً أن ترى على الدوام صفاً فلسطينياً مشتتاً ومخترقاً من قبل أجهزتها الاستخباراتية والأمنية، فمن خلال ذلك تضمن أن تظل الأوضاع على ما هي عليه، دون التحرك قيد أنملة في جهود السلام تحت دعاوى عدة من بينها أنها لا تجد شريكاً في الجانب الآخر يمكن إنجاز السلام معه.
إن الوعي الفلسطيني بالاستهدافات الإسرائيلية وآليات تحريكها وإبعاد التآمرات، يفترض فيه أن يخلق حصانة دائمة مما تدبره إسرائيل، وفي كل الأحوال فإن صفاً فلسطينياً قوياً متضامناً هو أقوى الجبهات أمام أية محاولات إسرائيلية ترمي لاختراقه، فضلاً عن أن الحالة الإيجابية للتضامن تجعل الصوت الفلسطيني الموحد مسموعاً، وذلك أمر مهم في عملية العلاقات العامة المرتبطة بالتسوية وتمتين العلاقات مع الآخرين وكسب تعاطفهم.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244