قبل أكثر من عام تقريباً كتبت عن ما يسمى ب(شركات الاستثمار الوهمية)، أو الاستثمارات غير المشروعة بمعنى أدق، وأشرت بوضوح إلى دور الجهات المالية الضعيف في ممارسة أنشطتها الرقابية للحد من اتساع ظاهرة جمع أموال الغير بقصد الاستثمار المشبوه.
الكثير من عمليات تداول النقد، وعمليات التحويل، والإيداعات بين الحسابات كانت تمر من خلال النظام المصرفي. بدأت على شكل إيداعات بسيطة ثم ما لبثت أن تعاظمت مع مرور الوقت وبعد اكتساب الخبرة في التعامل مع النظام.
أخذت العمليات المشبوهة منحى آخر من التنظيم والدقة بعد أن شددت المصارف السعودية على عمليات تداول النقد والسحب والإيداع من البنوك، فتحولت من النظام التقليدي إلى النظام الإلكتروني عن طريق الإنترنت. وتحولت في مجال الاستثمار، من قطاع العقار والمساهمات والتجارة، إلى سوق الأسهم، حيث فتحت محافظ ضخمة لم تكن تعكس حقيقة الوضع المالي لعملاء البنوك. بعض هذه المحافظ استخدمت كغطاء شرعي لبعض العمليات المشبوهة.
أذكر أنني كتبت أيضاً (أنه لا يمكن الفصل بين ما يحدث في سوق المال وبين زعزعة الأمن الداخلي) ولأنني لم أكن أمتلك المعلومة الحقيقية لم أتمكن من التوسع في الطرح. وزارة الداخلية كانت أكثر حرصاً ووعياً على سلامة المواطنين وأمن البلاد، فقد تحملت مسؤولياتها الأمنية على أكمل وجه، وتحملت أيضاً البحث والتدقيق والمتابعة في العمليات المالية ذات العلاقة بالإرهابين ما أدى إلى كشفها عن مخططاتهم التدميرية.
إعلان وزارة الداخلية عن إحباط أكبر مخطط إرهابي يستهدف البلاد وإلقاء القبض على 172 إرهابياً كانوا يخططون لشن هجمات إرهابية على منشآت نفطية وقواعد عسكرية واستهداف شخصيات عامة؛ وضبط أسلحة متنوعة، وأموال بلغت أكثر من عشرين مليون ريال جُمعت من عدد كبير من الأشخاص المغرر بهم بحجة استثمار أموالهم في شركات وهمية، أثبت المقدرة العالية والكفاءة المتقدمة لرجال الأمن على المستويين الأمني والمالي.
هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها ربط الاستثمار بعمليات تمويل الإرهاب، حيث كان الرابط الأساسي في ما مضى يعتمد على التبرعات والهبات الإنسانية التي تستخدم في غير مصارفها الشرعية، ولعل المسؤولين في وزارة الداخلية آثروا التريث في الإعلان عنها حتى يتمكنوا من الإحاطة الكلية بعمليات الاستثمار المشبوهة التي استخدمت في تمويل الإرهاب.
ترى كم من الأموال التي خرجت من سوق المال واستخدمت في تمويل العمليات الإرهابية؟، وكم من الأموال التي خرجت من سوق العقار، ومن حسابات الشركات الوهمية ثم عادت لتضرب عمق الوطن، وتُدمر مكوناته الأساسية؟ لقد حان الوقت للفصل بين تمويل الإرهاب وحسن النية على أساس أن الأمر أصبح جلياً للجميع.
تحذيرات وزارة الداخلية، والأحداث المتكررة، وعمليات التمويل المشبوهة التي يكشف عنها تباعاً يفترض أن لا تترك مجالاً لاستخدام (حسن النية) مستقبلاً لكل من ساهم بقصد أو غير قصد في تمويل العمليات الإرهابية. جميع قنوات الاستثمار الرسمية متاحة للجميع، لصغار المستثمرين ولكبارهم، وهي القنوات الرسمية التي يفترض أن تمر من خلالها جميع المعاملات المالية إذا ما أردنا إغلاق باب (حسن النية). المواطنون مسؤولون أمام الله عن أي تفريط في أموالهم يمكن أن ينتج عنه دعم الأعمال الإرهابية التي تهدد الإسلام والمسلمين وأمن وسلامة هذا البلد الأمين.
قطعاً لو مارست الجهات الرقابية دورها الفاعل في تتبع عمليات مناقلة الأموال، وتحديد ملاءة العملاء المالية الحقيقية، اعتماداً على مداخيلهم، ومقارنتها بما يمتلكون من أسهم، وأموال سائلة في محافظهم الاستثمارية لأمكنها الوصول إلى بعض الخيوط التي يمكن أن تقود إلى معلومات غاية في الأهمية.
أجزم بأن هناك الكثير من المحافظ الاستثمارية التي تدار من جهة واحدة تحت غطاء المضاربة وتقاسم الأرباح التي يتم تحويلها من محافظ مختلفة إلى حسابات متفرقة من خلال الإنترنت.
مثل هذه المحافظ تدار من قبل مشغلي الأموال من خلال (النت) وبالرقم السري لصاحب الحساب (المحفظة). بعض هذه المحافظ ربما تستغل من ضعاف النفوس في عمليات تمويل الإرهاب، أو التأثير على سوق المال من الداخل. تعدد الحسابات والمحافظ يمكن أن تخدع الرقابة غير المتخصصة إلا أنها لا تستطيع التحايل على أنظمة الرقابة الحديثة.
المال هو عصب العمليات الإرهابية، والاقتصاد يمثل القاعدة الأساسية التي يمكن استهدافها للتأثير على أمن الوطن واستقراره، وهو ما أدى بالإرهابين لأكثر من مرة إلى استهداف المجمعات النفطية، لذا ننتظر من الجهات الرقابية المعنية بسوق المال جهداً مضاعفاً لتدقيق جميع الحسابات البنكية والعمليات المالية، ورفع معدلات الحذر، والتعامل مع ما يجري في سوق المال وفق خطط الطوارئ الكفيلة بحماية السوق المالية (سوق الأسهم، والقطاع المصرفي) من خطط الإرهابيين التدميرية، أو استخدامها كأداة من أدوات تمويل عمليات الإرهاب.
تحية إكبار نوجهها إلى جميع منسوبي وزارة الداخلية، وعلى رأسهم سمو وزير الداخلية، وسمو نائبه، والأمير محمد بن نايف، ورجال الأمن السعودي والقطاعات العسكرية المساندة، الذين أثبتوا أنهم رجال الوطن الساهرين على أمنه وحمايته من عبث العابثين، ومكر الماكرين. اللهم احفظ هذه البلاد وولاة أمرها وشعبها من كل شر. إنك أنت السميع المجيب.
f.albuainain@hotmail.com