المؤسسة العامة للتقاعد مؤسسة حكومية تتمتع بسيولة مالية كبيرة (تتجاوز الـ300 مليار ريال) وهي تسعى بلا شك لتنمية مواردها المالية لتحقيق التوازن المالي بين موارد المؤسسة والتزاماتها، خاصة وأن المال (النقد) تتناقص قيمته بفعل التضخم مالم يتم تحويله إلى رأس مال منتج للمال.
المؤسسة العامة للتقاعد وهي تتحرك لتنمية تلك الأموال أصابت القطاع الخاص برعب شديد دون أن تعلم، فالقطاع الخاص ينظر لتلك المؤسسة على أنها منافس كبير يتحرك في سوقهم بخلفيات ودوافع يختلط بها الفكر الحكومي بالفكر الخاص؛ مما قد يؤثر على قوى السوق التي يعتمدون عليها في بناء خططهم ومشاريعهم، أو أنه يؤثر الهياكل المالية الفعالة التي يعمل القطاع الخاص على تأسيسها وتثبيتها والتي تحقق الاستمرارية والنمو لجميع أطراف أي قطاع أو مجال اقتصادي.
ومما زاد من المخاوف تحرك هذه المؤسسة الضخمة دون سياسات واضحة المعالم فتارة تراها مستثمرا أصيلا، وتارة تراها شريكا في بعض الشركات الخاصة، وأخرى تراها ممولا، وهنا مكمن الخطر، فأي قطاع يرى أن مؤسسة بهذا الحجم ستكون مستثمرا أصيلا به سيحسب لها ألف حساب، كما أن أي جهة تمويلية سترى في حركة هذا المؤسسة التي تتمتع بقدرات مالية ضخمة أيضا خطرا على السوق التمويلية باعتبارها مؤسسة قادرة على إعادة تشكيل الخريطة التمويلية في القطاع التي تريد التحرك به، وهكذا.
إذن نحن أمام مؤسسة كبيرة تتحرك في كل الاتجاهات دون سياسة واضحة مما يثير الرعب وسط المستثمرين بالقطاع الخاص خوفا من حركة شديدة الوطأة التي قد تسحق ما زرعوه عبر سنين من الجهود بالشكل الذي يضرب قوى السوق في مقتل في مرحلة تتحرك بها البلاد باتجاه تطوير تشريعاتها وأنظمتها وإجراءتها لتغتنم فرصة العولمة وتتجنب مخاطرها، والتي زادت وتيرتها بشكل ملحوظ بعد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية.
ولكي نهدئ من روع القطاع الخاص علينا أن نرسم سياسات المؤسسة العامة للتقاعد الاستثمارية ونحدد اتجاهاتها وآليات دخولها السوق لتنمية مواردها المالية بالشكل الذي يعزز من فاعلية قوى السوق بدلا من أن يعيقها، وكلنا نعلم أن تلك المؤسسة استثمرت بسوق الأسهم السعودية الثانوية بشكل كبير بطرق مباشرة وأخرى غير مباشرة، وأنها لم تعلن عن نتائج تلك الإستثمارات حتى تلك الساعة.
كلنا يعلم أن هذه المؤسسة يجب أن تستثمر في استثمارات منخفضة أو معدومة المخاطر وبشكل غير مباشر من خلال مؤسسات مالية متخصصة ومحترفة لتحقيق عوائد مالية تزيد عن معدلات التضخم السنوية بعيدا عن الدخول في استثمارات تديرها بشكل مباشر - وإلا أصبحت مؤسسة اسثتمارية غير مهيأة إداريا وماليا لذلك - كما أن عليها أن تراعي في استثماراتها الأهداف التنموية للبلاد بحيث تكون استثماراتها المالية الكبيرة ذات قوى موازية إيجابية تدفع بالاقتصاد السعودي قدما إلى الأمام.
أعتقد أن على المؤسسة أن تنسق تنسيقا تكامليا مع مؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية ومجلس الغرف السعودية لإيجاد أفضل صيغة تدخل بها هذه المؤسسة ثقيلة الوزن في مجال التمويل الإسكاني لتعزيز البدائل التمويلية بتعزيز قوى السوق ومؤسساته وبما يؤصل لدورات مالية متتالية تحفز المطور الإسكاني وتعزز قدرات الممول الإسكاني المتخصص وتوفر التمويل لكافة المواطنين وتعزز دور سوق الأوراق المالية الأولية والثانوية في توفير التمويل اللازم للسوق الإسكانية، دون أن تؤثر سلبا على أسعار المنازل بالشكل الذي يجعلها صعبة المنال.
ويسعني في الختام التأكيد على قضية هامة أثبتتها الدول المتقدمة من خلال التجارب التي مرت بها، وهي أن أي تدخل حكومي في آليات السوق بحيث يكون طرفا رئيسيا في هيكلة السوق لا منظما وداعما خارجيا له، سيؤدي إلى التأثير السلبي على هذه السوق.. وكلي أمل أن تعيد المؤسسة العامة للتقاعد النظر في قراراتها الاستثمارية بالتركيز على تأثير حركتها على قوى السوق إضافة لتركيزها على تحقيق أهدافها، وأنا على ثقة في أن المؤسسة إذا فعلت ذلك في مجال التمويل الإسكاني فإنها ستجد آلية تمويلية تساهم في معالجة شح آليات التمويل في هذا المجال الحيوي بشكل كبير جدا.
alakil@hotmail.com