في تاريخنا العربي والإسلامي شواهد عز واعتزاز بالمرأة العربية، إذ إننا نجد من النساء والعربيات المسلمات من كان لهن أدوار مهمة ومواقف مشرفة، سواءً كان ذلك في المجال الاجتماعي أو الديني أو العسكري أو الرياضي، ويمكن وصفهن بأنهن أكاديميات تخرجن من جامعات مكنتهن من أداء مهمات عديدة بشكل يدعو إلى الإعجاب، وإلى اعتبارهن قدوة تتمنى كل امرأة عربية أن تحقق النجاح الذي حققته أولئك النساء المعجزة، وقد شملت تلك الإنجازات أعمالاً بطولية تندرج تحت مسمى المبارزة التي تعتبر فناً من فنون الحرب والقتال، ويمكن أن نذكر في هذا المقام ما قامت به أم عمارة عندما اشتد الخطب على الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في معركة بدر فكانت أم عمارة ذات لياقة رياضية مكنتها من الكر والفر والاستبسال في الدفاع عن النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - واستطاعت أن تصمد، وأن تصد هجمات الكفار المتتالية التي قاموا بها للنيل من النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولكن مهارة أم عمارة ردتهم على أعقابهم خاسئين خاسرين ولم تمكنهم من تحقيق هدفهم وطبعاً لو أنها لم تتمتع باللياقة الرياضية لما تمكنت من منازلة المشركين ومبارزتهم تلك المبارزة التي تعتبر من أرقى درجات الفروسية.
وينطبق هذا الأمر على خولة بنت الأزور التي لها ساحات الوغى بالفروسية حيث كانت تصول وتجول وتجندل الفرسان بل أوقفت الرعب والهلع في نفوسهم، وحينما اتجهت وهي ملثمة كانت تترك الفرسان إما قتلى أو في حالة ذعر وفرار، وبالطبع يشير هذا الأمر إلى أنها تمتعت بلياقة رياضية عالية لأن الفروسية وركوب الخيل يتطلبان لياقة بدنية رفيعة المستوى.
وبهذه المناسبة لابد لنا أن نذكر أن عائشة- رضي الله عنها- قد مارست الرياضة، وكلنا يعرف قصة سباقها مع الرسول الكريم، كما أنها قادت معركة الجمل.
ويمكن أن نضم إلى قائمة النساء المعجزة العباسية عمة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - التي تكفلت بحماية حصون اليهود، تلك المهمة التي تحتاج إلى فروسية ويقظة وقوة شكيمة ومقاتلة من الدرجة الأولى.
وإذا عدنا بالذاكرة إلى هجرة الرسول- صلى الله عليه وسلم - من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة تلك الرحلة الطويلة سيراً على الأقدام والمضنية، لا بد لنا من القول: إن عدداً كبيراً من النساء حملن أطفالهن طوال الطريق، وكان بعضهن حوامل، ومع ذلك فقد تغلبن على الصعوبات ومشقات ذلك السفر الطويل، ونستنتج من هذا أنهن كن على مستوى كبير من اللياقة الرياضية العالية الأمر الذي مكنهن من المشي الطويل أياماً عديدة، ويمكن أن تعطي مثالاً بارزاً لهذا الأمر أسماء بنت أبي بكر التي كانت تسير ليلاً دون وجل أو خوف لتأخذ الطعام للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ولوالدها أثناء وجودهما في غار حراء.
وإذا استعرضنا حياة جداتنا نرى أنهن كن يعملن عملهن بكل نشاط، ويقمن بالأعمال المنزلية كاملة دون الاعتماد على الخادمات، وأنهن مارسن حياة حركية نشيطة كلها فاعلية وإنتاج، ابتداء من رغيف الخبز وانتهاء بآخرحاجة من حاجات البيت والعائلة - من منا لم يسمع بالرحى؟ تلك الأداة الثقيلة والمتعبة، لقد كانت جداتنا نساء يمكن وصفهن بأنهن سيدات بكل معنى الكلمة - عن طريق الرحى حصلن على الطحين الذي حولنه إلى خبز بعد عجنه وخبزه في التنور أو على الصاج، كذلك لقد كنسن بيوتهن بمكنسة عادية من القش وخضن اللبن ونسجن وبر الإبل أو شعر الماعز أو صوف الغنم، وصنعن من ذلك النسيج البيت الذي يأوي الأسرة باختصار لقد قمن بعملهن بما في ذلك جميع الأعمال المنزلية دون تعب أو كلل أو ملل، وكانت حياتهن حياة هانئة سعيدة تشعر المرأة بالسعادة الكاملة بعد الانتهاء من تأدية واجبهن بما في ذلك جلب الماء من الينابيع مع ما يتطلب ذلك من سير طويل للوصول إلى نبع الماء.
والحالة هذه يمكننا أن نخلص إلى القول: إن جداتنا قد مارسن الرياضة بأشكال مختلفة لأن كافة الأعمال التي قمن بها تطلبت حركة دائمة.
وبالمقابل إذا نظرنا إلى حياة المرأة العربية في العصر الحديث نجد أن هذه الحياة تختلف تمام الاختلاف عن حياتنا في الماضي القريب - نعم هناك انقلاب جذري في نمط هذه الحياة، وبالطبع فإن هذا التغير لا يصب في مصلحة المرأة، حيث نجد أن الحركة قد أصبحت قليلة جداً - حياة يسودها الجلوس لفترات طويلة لأن التقنيات الحديثة قد مكنت المرأة من القيام بأعمالها المنزلية دون عناء أو تعب، وبالطبع بحركة تكاد تكون معدومة فقد ظهرت المكنسة الكهربائية وظهر الحاسوب والفاكس والمصعد والسيارات والدرج المتحرك، وكل هذه الوسائل وغيرها الكثير لا تحتاج إلى حركة أو جهد وإنما تمارس جلوساً، وهنا بيت القصيد وهو تعطيل الحركة، فليس هناك ما يدعو إلى ذلك، وبالتالي تعطيل العضلات، الأمر الذي يؤدي إلى أمراض مختلفة مثل السكر والضغط والسمنة والكولسترول وهشاشة العظام وأمراض القلب، وبهذه المناسبة من منا لا يريد أن يتخلص من هذه الأمراض؟ بالطبع جميعنا نريد صحة وعافية والطريق إلى ذلك هو الرياضة والرياضة فقط.
وإذا حاولنا أخذ نسبة هذه الأمراض بين جداتنا والمرأة العصرية نجد أن هناك نسبة فارقة لصالح جداتنا، وإن وجدت هذه الأمراض لديهن فإنها تكون قليلة جداً، وفي هذا المجال لابد من القول: إن هذه الأمراض ليست إلا نتيجة لعدم ممارسة الرياضة التي تصقل الجسم وتنمي العضلات بل وتترك أثرها الطيب على العقل، وقد قيل في السابق: (العقل السليم في الجسم السليم) وأن هذا الجسم السليم لا نحصل عليه إلا عن طريق الرياضة.
وبالإضافة إلى ما سبق فإن ممارسة الرياضة تؤدي إلى عدم ظهور أمراض نفسية، وقد ثبت علمياً أن ممارسة الرياضة تفسح المجال أمام العقل لإفراز مادة معينة تخفض الكآبة وترفع مستوى السعادة عند الإنسان.
وفي الحقيقة فإن المرض لا يفرق بين الرجل والمرأة سواء كان ذلك المرض عضوياً أو نفسياً، وهنا علينا أن نعترف أن المرأة بحاجة إلى الرياضة أكثر من الرجل لأنها تتعرض للحمل والولادة، وكلنا يعرف كم هي تلك التغيرات الفيزيولوجية والنفسية التي تعتري المرأة أثناء تلك الفترة، ولا يغيب عن ذهننا ما يطلبه الطبيب من المرأة التي تزوره لأمر ما، يقول لها ناصحاً مكرراً بممارسة الرياضة بكافة أشكالها سواء كان ذلك عن طريق المشي أو السباحة أو لعبة التنس أو كرة السلة أو كرة المضرب.
وأريد أن أختم موضوعي وأقول على المرأة أن تمارس أنواع الرياضة المختلفة التي تتناسب مع طبيعتها بشرط أن تكون تلك الممارسة بعيدة عن الاختلاط بالجنس الآخر، وفي أمكنة خاصة بالنساء فقط، وإني إذ أدعو أخواتي لممارسة الرياضة فإني أفعل ذلك لقناعتي الأكيدة بأنهن سيجنين فوائد جمة من هذه المارسة أقلها أنهن يشغلن أوقات فراغهن بعمل يعود عليهن بالخير العميم والسعادة التي تصبو إليها كل نفس بشرية.
والمرأة العربية عندما كانت تجلب المياه من البئر، وقد تكون حاملا، ألم تكن حاملة للأثقال وتمشي بها لمسافات بعيدة.
ألم تكن المرأة تساعد الرجل في الاحتطاب وقطع الأخشاب ألا يتطلب مجهودا وقوة أين نحن من تلك المرأة العربية صلبة العود الآن.
ولا يفوتني هنا أن نشكر صاحب السمو الملكي الأمير سلمان على مبادرته بفتح مركز الأمير سلمان وكيف ساهم هذا المركز باستقطاب النساء من كل الفئات العمرية والطبقية، وشغل أوقات النساء بما يفيدهن، وممارسة رياضتهن بكل حرية، وترى في ذلك المركز مضمار المشي سيدات لكل الأعمار خاصة السيدات الكبار اللاتي يعانين من أمراض السكر والضغط كيف يستمتعن بالمشي، ويكون صداقات بعد أن انشغل أبناؤهن كل في حياته، ومما لا يفوتني أن أطالب رعاية الشباب بفتح مراكز نسائية شبيهة بهذا المركز، ولا ننسى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (النساء شقائق الرجال).