يحظى القطاع الصحي في المملكة بتخصيص ميزانية كبيرة وذلك لمواكبة حاجة البلاد للخدمات الصحية بهدف إحداث نقلات متلاحقة في هذا القطاع وما يرتبط به من خدمات.
ورغم تسيد وزارة الصحة مجال تقديم الخدمة الصحية إلا أن القطاع الأهلي برز كمنافس في هذا المجال في السنوات القليلة الماضية، وبحسب رئيس لجنة المستشفيات الخاصة بالغرفة التجارية فإن نسبة مساهمة القطاع الخاص في مجال المستشفيات وصلت إلى 20%. فالتوسع في المجال الطبي بإنشاء مستشفيات ومراكز صحية لا يزال أمراً ضرورياً ومهماً، وهذا ما دفع الكثير من رجال الأعمال والتجار إلى الاستثمار في هذا القطاع الذي يرون أنه لا يخلو من المعوقات التي تقف عقبة أمام تطوره.(الجزيرة) التقت عدداً من المستثمرين في القطاع الصحي الذين أكدوا على أهمية إيجاد نظام صحي واضح والعمل على معالجة المعوقات وإزالتها إضافة إلى افتتاح كليات للطب لسد النقص في الكفاءات الطبية السعودية ليصبح هذا القطاع قادراً على تلبية الطلب على الخدمات الطبية في السوق السعودية كما أبدوا على لسان ملاك المستشفيات الخاصة انزعاجهم من خدمة مراكز الأعمال الموجودة بالمستشفيات الحكومية.
جدوى الاستثمار
بداية يصف الدكتور سليمان الحبيب رئيس اللجنة الطبية بالغرفة التجارية بالرياض؛ جدوى الاستثمار الطبي في القطاع الخاص بالجيدة إلا أنها محفوفة بمخاطر ومنغصات ذكر من بينها ارتفاع أسعار المواقع المناسبة للمستشفيات والتكلفة العالية للأجهزة الطبية، ويضيف أن المملكة لا تزال بحاجة للمزيد من الخدمات الطبية الخاصة لأن نسبة مساهمة القطاع الخاص منخفضة، وفي المقابل ارتفاع الوعي الطبي لدى المواطنين والمقيمين الذين يدركون أهمية المحافظة على صحتهم من خلال إجراء الفحوصات الطبية الدورية.
ويؤكد الدكتور الحبيب على أهمية إعادة تنظيم سوق التأمين الطبي لأنه سيعيد الثقة في شركات التأمين بعد أن أغلق عدداً منها في الفترة الماضية مضيفاً أن جميع القطاعات الاستثمارية تواجه عوائق وسلبيات بقدر ما يتحقق لها من تسهيلات وطالب أن يسعى المستثمرون وخصوصاً ممن هم في القطاع الطبي إلى تذليل الصعوبات.
مراكز الأعمال الحكومية
أما الدكتور سليمان البلالي رئيس لجنة المستشفيات الخاصة بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض توقع أن تكون هناك زيادة في الطلب بسوق الخدمات الصحية الخاصة وامتدح الخدمات الطبية بالمملكة وقال: إنها تطورت في السنوات الأخيرة كماً ونوعاً. ويؤكد البلالي أن نسبة مساهمة القطاع الصحي الخاص في مجال المستشفيات تتراوح ما بين 10 و20% مع اختلافها بين منطقة وأخرى، وأشار إلى أن 95% من الأطباء العاملين في القطاع الخاص غير سعوديين، وأكد أن هذا النقص سيستمر طويلاً وتوقع افتتاح كليات طب جديدة تسد النقص الحاصل مضيفاً بالقول: إنه يجب إيجاد نظام صحي واضح يحدد دور المستشفيات الحكومية والخاصة حتى تقدم هذه المستشفيات خدماتها الصحية على أكمل وجه.
وعن المنافسة الحاصلة بين مستشفيات القطاع الحكومي والخاص في علاج منسوبي القطاع الخاص من خلال مراكز الأعمال فإنه يرى أنها تناقض المبدأ ما هو المبدأ المذكور وذكر أنه تسبب في تأخير علاج المواطنين وأعطى ميزة وأولوية لمنسوبي القطاع الخاص على حساب السعوديين، ويؤكد أن مراكز الأعمال تخسر ولا تربح وأن ميزانية الدولة تتحمل مبالغ إضافية لصرفها على علاج مثل هذه الحالات، ويضيف أن ذلك سيصنع تنافساً لنشاط القطاع الخاص مما يؤثر في إيرادات المستثمرين الأمر الذي يجعلهم يترددون في الاستثمار بالمجال الطبي.
الوقاية والمحاسبة
وفيما يتعلق بمقومات وسلبيات القطاع الخاص يرى البلالي أن هناك مقومات عديدة ذكر منها تحسن الوضع الاقتصادي للمملكة وزيادة الطلب على الخدمات الطبية وتطبيق نظام الضمان الصحي وتوفر الكفاءات السعودية الطبية المدربة، أما المعوقات فحددها بتأخر استصدار التراخيص وكثرة الجهات المسؤولة عن منحها وتأخير استصدار تأشيرات الطواقم الطبية إضافة لمنافسة القطاع الحكومي للخاص.
التوسع في
استثمارات القطاع
الدكتور محمد بن عمر العرنوس مدير عام مستشفى عبيد التخصصي يقول: إن الموازنة العامة السعودية دأبت على تخصيص مبالغ ضخمة للإنفاق على القطاع الصحي حيث تعد وزارة الصحة أكبر مزود للخدمات الصحية بالمملكة وبرأيي أنه بحسب الخطة الخمسية القاضية بتشييد العديد من المستشفيات يمكن أن ترتفع حصة ونسبة مساهمة القطاع الخاص إلى أكثر مما هي عليه الآن. ويؤكد العرنوس أن ارتفاع عدد الأطباء غير السعوديين في القطاع الخاص يعود لاعتماد المستشفيات الحكومية على الأطباء السعوديين، كما أن الطبيب السعودي لديه طموح دائم للعمل لمصلحته عبر افتتاح عيادات أو مراكز طبية أو مستوصفات خاصة، ويرى أنه السبب الأبرز في ضعف نسبة الأطباء العاملين في القطاع الخاص، ويشير مدير عام مستشفى عبيد التخصصي إلى أن التوسع في سوق التأمين سينعكس إيجاباً على إنعاش سوق الخدمات الطبية عبر بند التأمين الصحي، وأكد أن نظام الضمان الصحي التعاوني على المقيمين سيؤدي إلى ارتفاع اشتراكات التأمين الطبي في السوق السعودي مستنداً في ذلك على دراسات علمية أكدت أن تطبيق النظام على السعوديين سيرفع حجم سوق التأمين إلى 30 مليار ريال.
وعن المنافسة مع القطاع الحكومي فوصفها بغير المتكافئة وقال: إنها أحد معوقات القطاع الصحي.
استثمار طويل الأجل
يؤكد الدكتور صالح القنباز أن الخدمات الطبية استثمار طويل الأجل لذا لا يجب على المستثمرين أن يضعوا الربح والخسارة مقياساً أساساً للاستثمار في هذا المجال، وأضاف أن التوجه الحاصل نحو الاستثمار في القطاع الصحي تولد من التوسع في هذا القطاع فهناك نقص في عدد الأسرة بالرياض يصل لأكثر من 3000 سرير، ويرى ضرورة الدعم الحكومي للقطاع الخاص وخصوصاً في سنواته الأولى وأيضاً إعادة النظر في القروض الممنوحة للقطاع الخاص برفعها، وبما يتناسب مع تطورات التقنية وارتفاع أسعار التجهيزات الطبية.
وبخصوص قلة عدد الأطباء السعوديين في القطاع الخاص فقد أرجع القنباز السبب إلى احتواء المستشفيات الحكومية لهم ويرى أهمية أن تعدل الأنظمة في هذا الخصوص بحيث تعم الفائدة من هؤلاء الأطباء لتشمل القطاعات الحكومية والخاصة، أما فيما يتعلق بالتوسع في سوق التأمين فيؤكد أن السوق يحتاج إلى إيجاد خدمات طبية في المناطق المختلفة لتغطية الشرائح المؤمن عليها وتوقع أن يزداد الطلب على الخدمات الطبية من ناحية الكم مستقبلاً.
ويرى القنباز كغيره ممن تحدث ل (الجزيرة) أن المنافسة بين القطاع الحكومي والأهلي غير متكافئة، وعلل ذلك بوجود مراكز أعمال حكومية تستقطب مرضى من قطاعات التأمين، وممن يدفعون نقداً أيضا وبأسعار غير متوافقة مع التكلفة الفعلية للخدمات، وطالب بإعادة النظر في هذا الأسلوب مقترحاً وجود عقود بين المستشفيات الحكومية والخاصة بتنظيم العلاقة وتحويل المرضى والتعاون في مجال الأطباء والتخصصات النادرة.
وحول أبرز المعوقات التي تواجه القطاع الخاص يقول الدكتور صالح القنباز: إنها تتركز في الأنظمة واللوائح التي لا تزال تضع القطاع في دائرة الشك إضافة لأنظمة الاستقدام وصعوبتها وارتفاع تكاليف الخدمة الصحية ويقابلها الضغوط الهائلة من شركات التأمين لتخفيض الأسعار.
لا حرب أسعار
المدير الإقليمي لمركز الأعمال بالشؤون الصحية بالحرس الوطني الدكتور عبد العزيز الغدير يقول: إن العلاقة بين القطاعين الحكومي والخاص يجب أن تكون تكاملية بحيث تقدم المستشفيات الحكومية المتخصصة الخدمات غير الموجودة في القطاع الخاص لأن الأخيرة تحتاج لاستثمارات رأسمالية كبيرة يتردد القطاع الخاص في الاستثمار فيها ومثال ذلك زراعة الأعضاء وعلاج الأورام، ويضيف.. يقدم القطاع الحكومي الخدمات الطبية في المناطق التي لا يوجد فيها استثمارات طبية خاصة كتلك التي خارج المدن الرئيسة.. ويرى الغدير أنه ولضمان عدم التأثير على المستثمرين في القطاع الطبي الخاص يتوجب على مقدمي الخدمة الطبية الحكوميين إيجاد إستراتيجية تسعيرية للخدمات الطبية تكون واضحة وتأخذ في الاعتبار حسابات التكاليف الحقيقية حيث يتوجب أن تكون الأسعار المقدمة لا تقل عن نظيراتها لدى القطاع الخاص لتفادي حرب الأسعار، وبما يقلل من التخوف لدى بعض المستثمرين من وجود منافسة غير عادلة.. ويمثل على ذلك بما قامت به الشؤون الصحية بالحرس الوطني بتخصيص عدد من الأسرة للرعاية الطبية المتقدمة تقدم فيها خدماتها الصحية بزيادة 20 % عن أسعار المستشفيات الخاصة ويؤكد أن هذا دليل على عدم وجود حرب أسعار مضيفاً بالقول: إن المستشفى يهدف من ذلك إلى تقديم خدمات غير متوفرة في القطاع الطبي الخاص.
ويؤكد الغدير أن القطاع الخاص يعاني من عدم وجود شركات طبية مساهمة عملاقة تقدم خدمات طبية متخصصة وذات جودة عالية، وأشار إلى أن أغلب الاستثمارات الموجودة (فردية) وأضاف.. أن القطاع الخاص سيستقطب العام المقبل نحو 7 ملايين مؤمن الذين لم يتعد عددهم الآن 1.3 مليون مشيراً إلى أنه ونتيجة لعدم وجود هذه الاستثمارات فإنه يوجد حجز مهول في الطلب على الأسرة المتخصصة سواء على المستوى المحلي أو الخليجي ورأى المدير الإقليمي لمركز الأعمال بالشؤون الصحية بالحرس الوطني ضرورة إيجاد شراكات فاعلة بين القطاعين الحكومي والخاص لإحداث تطور متميز في الخدمات الطبية.