كل الشواهد والوقائع على الأرض تفيد بأن إسرائيل أبعد ما تكون من السلام، فالمذابح اليومية لا تترك مجالا سوى لأجواء التوتر، فخلال أربع وعشرين ساعة قتلت قوات الاحتلال تسعة فلسطينيين بينهم فتاة داخل بيتها، ومع ذلك هناك من يلوم الفصائل الفلسطينية لمجرد أنها تحتفظ بخيار المقاومة تجاه كيان معتد وغاصب..
حتى بدون هذه المذابح اليومية، فإن إسرائيل رفضت صراحة الصيغة المثلى للسلام التي ارتضاها العالم والمتمثلة في مشروع السلام العربي الذي أقرته قمة بيروت عام 2002م وأعادت طرحه وبصيغة عملية قمة الرياض الأخيرة، رغم أن المشروع وبشهادة حتى أصدقاء إسرائيل يقدم فرصة نادرة لتسوية واقعية يمكن أن تخرج المنطقة من الحالة السلبية التي تعايشها منذ عقود طويلة..
ويتعين على العالم اليوم أن يعيد قراءة الوضع في المنطقة على ضوء هذه الوقائع المفجعة التي تدفع بها إسرائيل يوميا نحو الساحة، كما أن عليه أن يكون أكثر إنصافا على أحكامه، التي يمكن أن تنبني عليها جملة من السياسيات الدولية التي تستقرئ الواقع بدقة وتنطلق منه..
وفي المقابل فلن يفيد المنطقة ولا العالم أن تعود ذات الأصوات التي تنطلق من دول كبرى ومؤثرة لتكرر مقولة ضرورة حماية إسرائيل، وهي التي تصور كل الاعتداءات الإسرائيلية وموجات التنكيل بالفلسطينيين على أنها مجرد إجراءات في إطار حماية إسرائيل لأمنها من موجات (الإرهاب) التي تتربص بها.
إن هذه التفسيرات لواقع المنطقة تخلق حالة من اليأس وتدفع المكتوين بنيران الاحتلال إلى حلول وخيارات تمثل أقصى ما يمكن أن تصل إليه أيديهم، لكن الفصائل رغم حقها في المقاومة لا تلجأ إلى هذه الوسائل إلا مضطرة ومن باب الدفاع عن النفس ورد الصاع صاعين لمن يريد أن يتطاول على حقوقها ومكتسباتها ومن يحاول انتزاع حقها في حماية الأنفس والمكتسبات ورفض موجات القمع والظلم في المعابر وعلى الطرقات حتى التصدي لمن يهاجم حرمات الديار والمنازل..
وسيكون من المهم للقوى العالمية الفاعلة التي نوهت وأشادت بمشروع السلام العربي أن تكون وفية لمواقفها وأن تتبع ما تقوله بقدر من العمل الذي يمكن أن يكون منصفا وبالتالي مؤثرا في تغيير هذه التحديات العدوانية الإسرائيلية إلى حالة يمكن أن تتوافق مع رغبة دولية واسعة النطاق تتطلع إلى تطبيق هذه المبادرة ومن ثم تطوي صفحات هذا النزاع التاريخي الذي أثر كثيرا في أوضاع المنطقة وألقى بتأثيرات سلبية كثيرة على مجمل الأوضاع الدولية..
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244