Al Jazirah NewsPaper Tuesday  17/04/2007 G Issue 12619
الاقتصادية
الثلاثاء 29 ربيع الأول 1428   العدد  12619
المشروع الوطني لخدمة المجتمع 2
فضل بن سعد البوعينين*

قبل أن أتحدث عن قطاع الشركات والمصارف وعلاقتها ب(المشروع الوطني لخدمة المجتمع) أود أن أشير إلى أن معظم الجمعيات الخيرية بدأت بتقديم خدماتها المركزة في نطاق محدود، ثم ما لبثت أن توسعت، وتشعبت اهتماماتها الخدمية. بل إن بعض جمعيات خدمة المجتمع أسهمت في تطوير الأنظمة القانونية المتاحة عطفا على احتياجات المجتمع الملحة، وهو تطور لافت يحسب للقائمين على أعمال البر وخدمة المجتمع.

أضرب مثالا بجمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي نظرا لما تحقق لها من نجاح عظيم في تغيير قوانين التبرع بالأعضاء البشرية بعد أن أصبحت الحاجة لها ملحة في مجتمع تتزايد فيه نسبة الإصابة بمرض الفشل الكلوي. الجمعية تخصصت في البداية بتوفير أجهزة غسيل الكلى، ثم تطورت إلى افتتاح المراكز المتخصصة، واشراك مستشفيات القطاع الخاص في رعاية المرضى وعلاجهم، وتمكنت بعد ذلك، بفضل الله وبركته أولا وأخيرا، ثم بجهود المخلصين في الجمعية وعلى رأسهم رئيس مجلس إدارتها الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، من الحصول على موافقة مجلس الوزراء الموقر على برنامج التبرع بالأعضاء بين الأحياء غير الأقارب الذي أعدته الجمعية، وهو أحد إنجازات الجمعية المحورية.

برنامج التبرع بالأعضاء بين الأحياء غير الأقارب ما كان ليظهر لولا توفيق الله أولا، ثم تعمق القائمين على الجمعية في معرفة احتياجات مرضى الفشل الكلوي الضرورية التي تتجاوز مراحل الغسيل اليومي إلى مرحلة نقل الأعضاء البشرية.

دفعت الجمعية بقوة نحو تأسيس المراكز والجمعيات الشقيقة، وسعت جاهدة لتأصيل مفاهيم الخدمة الاجتماعية في المجتمع، وحصلت على موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، على اقتراح الجمعية بإنشاء (مركز الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز لأمراض الكلى) بطاقة استيعابية مائة وحدة غسيل، وبتكلفة قدرها 35 مليون ريال؛ وهو أحد المراكز الاجتماعية الأولى المدشنة لخطة الجمعية التنفيذية.

منهجية الخدمة الاجتماعية المنظمة قادت الجمعية إلى إجراء أول مسح ميداني لجميع مراكز الغسيل الكلوي في جميع مناطق المملكة من أجل الوقوف على وضعية المراكز الحالية والمستقبلية، ومعرفة احتياجاتها الفعلية، وشملت المسوحات أيضاً مرضى الفشل الكلوي من الناحية الصحية والاجتماعية، وهو تطور لافت في منهجية العمل التطوعي. قاعدة البيانات الشاملة لمراكز ومرضى الكلى ستساعد في توجيه الجهود وتركيزها من أجل تطوير الخدمات العلاجية والاجتماعية المقدمة لمرضى الفشل الكلوي.

الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز، المشرف العام على الجمعية، أشار إلى ارتفاع أعداد المصابين بالفشل الكلوي في السعودية، إلى 9400 مريض، بزيادة 900 مريض عن العام الماضي أي ما يعادل 9.5%، وأشار أيضا إلى أن كلفة علاج مريض الفشل الكلوي تتراوح ما بين 100 - 120 ألف ريال سنويا، شاملة تكاليف نقل المريض والأدوية والغسيل، وأكد على أن الجمعية تسعى إلى تقليص نسبة الزيادة السنوية في أعداد المصابين بالفشل الكلوي، وتحسين الخدمة المقدمة لهم، أي أن الجمعية دخلت في مجال الوقاية ووضع إستراتيجية الحد من هذا المرض وانتشاره.

تجربة رائدة بدأت في تقديم خدمات الغسيل وتوفير الأجهزة، وفتح المراكز المتخصصة، ثم توسعت في عملية فتح المراكز، وعقد الشراكة مع المستشفيات الخاصة، والحصول على الموافقات العليا لبرنامج نقل الأعضاء بين الأحياء غير الأقارب، وإجراء البحوث والمسوح الميدانية، ومحاولة الحد من انتشار المرض. وهكذا يبدأ العمل التطوعي صغيرا ثم لا يلبث أن يتشعب وينمو لما فيه خير الفرد والمجتمع.

نعود إلى دور القطاع الخاص (الشركات) في خدمة المجتمع، ومدى موافقتها لتطلعات المسؤولين والمواطنين على حد سواء. أعتقد أن برامج القطاع الخاص لخدمة المجتمع ما زالت قاصرة عن تحقيق طموح المسؤولين وأفراد المجتمع.

سنوات طوال حقق فيها القطاع الخاص نموا غير مسبوق، وأرباح خيالية لم تكن لتتحقق لولا توفيق الله سبحانه وتعالى، ثم دعم الدولة وحرصها الشديد على تهيئة المناخ الاستثماري الأمثل لرجال الأعمال. تجنبت الدولة، رعاها الله، فرض الضرائب المباشرة على الاستثمارات الخاصة حتى في أوقات الأزمات الاقتصادية التي تلت حرب الخليج الثانية، واستمرت في دعم القطاع الخاص من خلال القروض التنموية الميسرة.

ومع كل ذلك الدعم أبطأ القطاع الخاص في تحمل مسؤولياته تجاه المجتمع، وأصبحت العلاقة بين ما يحققه من أرباح خيالية وبين ما يقدمه للمجتمع علاقة عكسية حادة!. لن نتحدث عن آلام الماضي، فالحاضر أبقى وأزهى؛ ولننظر في إمكانية رسم إستراتيجيات العمل الاجتماعي المستقبلية على أسس واضحة من خلال (المشروع الوطني لخدمة المجتمع) فلعله يكفر عن أصحاب المال والأعمال غفلتهم السابقة.

لا مناص من تأصيل مفهوم المسؤولية الاجتماعية، وتحفيز قطاع المال والأعمال بتبني مسؤولياتهم تجاه المجتمع من خلال تقديم البرامج المنظمة والمساهمة في المشروعات الاجتماعية الصغيرة التي ربما تحولت مستقبلا إلى مشروعات ضخمة من خلال التمويل الذاتي. هناك الكثير من مشروعات الخير التي بدأت صغيرة ثم ما لبثت أن تحولت إلى مؤسسات اجتماعية خلاقة.

مجموعة عبد اللطيف جميل كان لها تجربة خلاقة في مجال خدمة المجتمع. بدأت بعدد قليل من سيارات الأجرة ثم توسعت أعمالها الخيرية ونشطت كثيرا في خدمة المجتمع من خلال تقديم القروض الميسرة للمشروعات الصغيرة، وتنمية الأسر المحتاجة، وإنشاء المعاهد ومراكز للتدريب والتأهيل التي اهتمت بتخريج الكوادر القادرة على العمل والإنتاج.

أشعر بفخر واعتزاز عندما أجد أن برنامج عبد اللطيف جميل نجح في توفير 20 ألف فرصة عمل للشباب السعوديين. فكرة تقديم عدد محدود من سيارات الأجرة تحولت إلى منشأة إنمائية ضخمة متخصصة في الإقراض، التدريب، التوظيف، دعم المشروعات الإنتاجية، وابتعاث الطلبة لنيل الدرجات الأكاديمية العليا.

أسباب تطور أعمال البر وتوسعها في مجموعة عبد اللطيف جميل أوجزها نائب رئيس المجموعة، في قوله: (إننا كلما تعمقنا في العمل الخيري وجدنا المسؤولية أكبر وأعمق). من هنا يبدأ تأصيل وتعميق برامج الخدمة، وتعلق الخيّرين بمجتمعاتهم.

وعلى الرغم من تدني مستوى مساهمة القطاع المصرفي في برامج خدمة المجتمع، إلا أن البنك الأهلي التجاري تميز عن باقي أقرانه بإنشاء وحدة متخصصة في خدمة المجتمع ووضع لها المعايير العلمية والإستراتيجية الخاصة التي تكفل لها تحقيق الأهداف الاجتماعية التنموية. تحولت المساعدات الخيرية والمساهمات المتفرقة إلى برامج متكاملة تقدم من خلال وحدة مستقلة تهدف إلى تقديم العمل الخيري على أسس علمية ومنهجية منظمة يمكن من خلالها تحويل الأسر المحتاجة إلى أسر منتجة، ومنها على سبيل المثال برامج التدريب والتوظيف، المشاريع الصغيرة والأسر المنتجة، الصحة، التعليم، برامج الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، والجمعيات الخيرية. مثل هذه الأقسام المتخصصة لم تكن معروفة قبل العام 2004، وهو العام الذي أنشئت فيه (وحدة خدمة المجتمع).

تطور العمل الاجتماعي في البنك قاده نحو خلق شراكة مع برامج عبد اللطيف جميل لخدمة المجتمع من أجل تقديم خدمات تنموية واجتماعية متعددة تشمل دعم المشاريع الصغيرة، والتدريب المنتهي بالتوظيف، ودعم الأسر المنتجة. أكثر ما يميز برامج البنك الأهلي الاجتماعية تقديمها من خلال شركات متخصصة في مجالاتها الحيوية على أساس أن الخبرة والتخصص كفيلان بتحقيق منهجية العمل وضمان النتائج.

شركة (موبايلي) يمكن أن يرجع لها الفضل بعد الله في دفع بعض الشركات السعودية (100%) العملاقة للمساهمة الفاعلة، ولأول مرة في تاريخها، في برامج خدمة المجتمع. بكل أمانة لم تكن بعض الشركات السعودية الكبرى مهتمة بالمساهمة في خدمة المجتمع حتى اقتحمت شركة موبايلي قطاع الشركات السعودية وبدأت في تأصيل ثقافة خدمة المجتمع في أغنى مجتمعات المنطقة ربحية وأفقرها مساهمة في مشروعات خدمة المجتمع.

اعترف بأن مساهمات شركة (موبايلي) الاجتماعية من حيث القيمة قد لا تقارن بمساهمات بعض الشركات الأخرى، إلا أنها تفوقت عليهم بالمبادرة في تبني برامج خدمة المجتمع، ونشر ثقافتها في محيط الشركات المحجمة عن مد يد العون للمجتمع الذي تعمل من خلاله.

من وجهة نظري الخاصة، لو لم تقدم شركة (موبايلي) للمجتمع السعودي غير تأصيلها ثقافة الخدمة الاجتماعية لدى بعض الشركات السعودية الضخمة من مبدأ المنافسة، لكفتها. قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)، (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا)، وقال أيضا ((من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة).

قبل أن أختم يجب أن أشير إلى أننا تطرقنا فقط إلى بعض النماذج من مقدمي برامج خدمة المجتمع، مع إيماننا التام بوجود الكثير من رجال الأعمال الخيرين، وبعض المنشآت الناشطة التي لم نتمكن من طرح بعض برامجهم المميزة في هذه العجالة، ولعلنا نتطرق مستقبلا لبعض برامج أهل البر والخير والإحسان في مملكة الإنسانية. ونكمل في الأسبوع القادم بإذن الله.

f.albuainain@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد