الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن العلماء ورثة الأنبياء كما جاء ذلك في الحديث، وقد مدحهم الله عز وجل بقوله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}المجادلة 11)، وتزدهر الحضارة العلمية بالعلماء وتحصل النهضة والتقدم والرفعة في أمور الدنيا والآخرة بعلومهم. ولأهمية العلم فقد بدأ الله به قبل العمل بقوله سبحانه وتعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}محمد 19)، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل ومنزلة العلم في الإسلام كبيرة وعظيمة وتعليم العلم وبثه من أفضل القربات يقول صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ويقول عليه الصلاة والسلام: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) والأمة الإسلامية في عصور حضارتها في صدر الإسلام كانت تضع العلم في أولويات أمورها، ولذا صار للعمل مكانته السامقة في نفوس الناس، ولقد اهتم قادة المسلمين بالمتعلمين وأنشأوا لهم المدارس والمعاهد المتخصصة، والعلماء القائمون على أمور التعليم لهم منزلتهم وتقديرهم عند المسلمين؛ وذلك لما يبذلونه من جهدهم وفكرهم لإثراء الحضارة العلمية ولقد ازدهرت حضارة الإسلام بسبب ذلك وصارت قرطبة وبغداد ودمشق والقاهرة والحرمان الشريفان في مكة المكرمة والمدينة النبوية منارات للعلم والثقافة. وفي عهدنا الحاضر أعاد الله للأمة الإسلامية والعربية مجدها وحضارتها والتي كانت قد خبأت مدة طويلة وذلك بسبب ما أصاب المسلمين من ضعف لعوامل متعددة ويشاء الله أن يكون للمملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين نصيب كبير من هذه النهضة وذلك على أيدي قادة المملكة العربية السعودية وفقهم الله فلقد أصبحت بلادنا ولله الحمد مهوى أفئدة طلاب العمل والمعرفة والثقافة وصار للعلماء مكانتهم وتقديرهم عند ولاة أمرنا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز حفظهما الله، وعلماؤنا لهم منزلتهم الكبيرة في نفوس الجميع وذلك لعلمهم وصلاحهم وحرصهم على تأليف القلوب وجمع الكلمة وزرع الخير، وفقد واحد من علمائنا له تأثيره الكبير في نفوسنا، ولقد تأثرنا بالأمس عندما فقدنا عالماً جليلاً هو صاحب المعالي الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، والذي كان تولى وزارة العدل سابقاً فإنا لله وإنا إليه راجعون، ومعاليه هو أحد أبناء سماحة والدنا العالم الجليل والفقيه الورع الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، وتأثرنا بوفاة معالي الشيخ إبراهيم، يذكرنا بذلك التأثر الذي حصل لنا قبل سنوات بوفاة أخيه صاحب المعالي الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وكلاهما له من المنزلة في نفوسنا الشيء الكثير فعليهم رحمة الله وأسكنهم فسيح جناته. وفقيدنا معالي الشيخ إبراهيم، الذي توفي بالأمس القريب صاحب خلق رفيع، ولقد كنت أحس بفائدة عند مجيئي لزيارته في حياته في منزله وكنت أنظر إليه كعالم متجرد يفيض حباً للآخرين متواضع غير متعالٍ في الرأي يسير على نهج السلف في الاتباع، وحسن الاقتداء، فرحمه الله وغفر له، لقد كان سمحاً لطيفاً، وتسنمه للمناصب المختلفة لم يغير من طباعه شيئاً، وإن أمثال هؤلاء ممن يتعامل معهم الناس بهذه الصفات الطيبة والأخلاق العالية هم بلا شك الذين يحزن الناس لفراقهم ويحسون بفقدهم، ولذا فلا غرو أن يحزن الجميع على فراق معالي الشيخ إبراهيم، أسأل الله عز وجل أن يتغمده برحمته وأن يسكنه فسيح جناته وأن يجعل قبره عليه روضة من رياض الجنة وأن يخلفه في عقبه خيراً وأن يجعل ذريته مباركين موفقين متآلفين يحبون ذكره وينشرون آثاره الطيبة ويقدمون من حسن أفعالهم ما يزداد به والدهم رفعة عند الله عز وجل. هذا وأسأل الله أن يحسن عزاءهم وعزاءنا، والحمد لله على قضاء الله وقدره وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(*) الرئيس العام لتعليم البنات سابقاً