في درس التعبير كان المدرس يطلب منا أن نكتب عن الحج أو عن العيد أو الأم أو عن الرياضية ثلاث صفحات متضمنة (العناصر التالية): الرياضية تهذيب وتدريب. الرياضية تسمو بالنفس. الرياضية تحث على التعاون والتآخي. الرياضية تشجع على حب الوطن والدين. تبدو هذه العناصر وكأنها لا تصلح إلا للرياضية ولكنها في الواقع عناصر تصلح لكل موضوع يخطر على بالك. في تعبير من هذا النوع نحن لسنا بصدد الذهاب إلى الخيال والتعارك معه. فالمدرس وضعنا على الخط المستقيم. الطريق الذي سوف نسير عليه حتى نتخرج من المدرسة ثم من الحياة كلها. لن تفوز بالعلامة إذا كتبت عن تجربتك الشخصية في الحج أو حبك لأمك بالطريقة التي اختبرتها أو العيد كما مر عليك. لا. هناك حج سبقك عليه الآخرون وهناك أم كتب عنها أهل العلم وهناك عيد عاشه من هو أكبر منك وأعلم. حجك أو عيدك أو أمك لا قيمة لها في التعبير. عندما تقول أو تفصح أو تكتب، سطِّر ما نمليه عليك. لا داعي أن تتذكر ما حدث لك أو تتخيل ما يمكن أن يحدث لك أو تتابع مشاعرك. ما في داعي للكلافة.
80% مما يكتب في الصحف السعودية ثمرة جهود أستاذ التعبير. أعرف كاتباً استمر يكتب في صحيفة أكثر من ثلاثين سنة. الذين ولدوا مع مقالته الأولى نبت في فوديهم الشيب. مع ذلك حتى هذه اللحظة لم يحصل له مشكلة واحدة مع القراء أو مع المسؤولين أو مع وزارة الإعلام أو مع رئيس التحرير أو مع نائبه أمر مثير للدهشة. كيف استطاع أن يمر في المنعطفات واللفات والطرق الوعرة التي تعبرها الكتابة دون دقشة أو صدمة أو احتكاك. ولا أتذكر أن أحداً ناقش ما قاله أو ما قيل عنه. عندما تقرأ مقالته تشعر أنها غارقة في الهدوء ساكتة. كلمات منزوعة الدلالة. رغم كل هذا تلاحظ أنه معروف عند كبار المسؤولين في البلد. تلمس ذلك في المناسبات والدعوات والحفلات. تشاهد صوره خلف أو مع المسؤولين. إذا دققت ستلاحظ أنه يتضاحك مع المسؤول ويتباسط معهم. تحس أنه قالط. احترت في الأمر حتى جاء ذلك اليوم.
عملت فترة وجيزة مستشاراً عند وزير. لم أكن أعرف ما هو شغل المستشار إلا من خلال ما توحي به الكلمة. إذا صعبت على معاليه مسألة يحولها إلى المستشار لأخذ الرأي والمشورة. جاءت أول معاملة مرفق بها عدد من الكتب هدية لمعاليه وطلب شراء. وأخرى عن خطاب من إحدى الشركات يراد له أن يكتب بصيغة أفضل. إلى أن أتى ذلك اليوم الأغر لأجد على طاولتي لفافة جريدة مدبوس عليها خطاب. وتحت الخطاب شرح مدير مكتب الوزير. الأخ عبدالله الرجاء كتابة خطاب شكر للكاتب. كان الخطاب موجهاً من الكاتب إلى معالي الوزير يتضمن مديحاً وكلمات عطرة وفي الأخير يلفت نظر معاليه إلى قراءة المقال المرفق. مقال عبر فيه كاتبنا عن حبه للوطن كما علَّمنا مدرس التعبير وتحدث فيه عن الفضيلة والخير كما شرح لنا مدرس التعبير وتعرَّض فيه كعادته إلى العمل الناجح والولد الصالح إلخ، وفي الأسطر الأخيرة وضع همسة في أذن الوزير. كانت تلك الهمسة بيت القصيد. همسة تقدير وإجلال وعرفان بأفضال معاليه على الوطن والأمة. رفعت السماعة على مدير مكتب الوزير وسألته عن القضية. فقال لي: يا أخ عبدالله لدينا كثير من هذا النوع سأبعث لك قائمة بأسمائهم. فاتفقنا أن نصمم خطاباً موحداً للرد عليهم. تحول الرد عليهم إلى عمل أوتوماتيكي وأخيراً تبين لي أن هذه القائمة هي نفسها قائمة الدعوات والمناسبات. اكتشفت بعد كل هذه السنين أن هناك عدداً كبيراً من الكتاب لا يكتبون ولا يفكرون في الكتابة. تركوا مسألة الكتابة على عاتق أستاذ التعبير. الكتابة الحقيقية هي تلك الخطابات الصغيرة العطرة التي يبعثون بها إلى المسؤولين. تدخل أسماؤهم في قوائم المناسبات والترشيحات والجوائز والسفرات الدولية.
شكراً أستاذ التعبير.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«6406» ثم أرسلها إلى الكود 82244
فاكس 4702164
Yara.bakeet@gmail.com