التوازنات الاقتصادية هي جزء من كل، فالسنن الكونية والعوامل الاعتيادية والقواعد البدهية كل ذلك هو جزء من تناسق واتساق هذه المنظومة المتناغمة والتي تدار من لدن عزيز حكيم، ولسوق الأسهم وكارثية تلك السوق ألف حكاية وحكاية فلا يمكن إخراج السوق من وضعه الحالي ومن كبوته إلا من خلال عدة عوامل، فالمريض عادة يحتاج إلى علاجات ومضادات وجلسات وزمن حتى يتعافى كذلك هو السوق يحتاج إلى حزمة من الإصلاحات والنظم والقوانين حتى يتعافى ويستقر، فهو بحاجة إلى زمن لتعود الثقة لدى المضاربين والمستثمرين للسوق، ومن جملة هذه الإصلاحات الإفصاح من قبل أعضاء مجالس الإدارات من خلال إلزامهم من قبل هيئة سوق المال للإفصاح وعمل ورش عمل للقيام بهذا الجانب، جدول زمني مع عقوبات متدرجة ومحفزات كذلك متدرجة للمحسن والمسيء من قبل الشركات إفصاحا أو التزاما أو تقيدا بالنظم واللوائح، تقييم عادل وحقيقي للشركات من كافة جوانبها المالية والإدارية والإستراتيجية، تطوير جهاز هيئة سوق المال بما يتناسب مع حجم سوق المال السعودي، اختيار أعضاء مجالس إدارة الشركات حسب الكفاءة والمهارة والخبرة والتعليم، وليس حسب المعرفة (والواسطة) وما يملكه المؤسس من أسهم لهذه الشركة أو تلك، مساءلة ومحاسبة البنوك عن ما تم من إقراض وتسهيلات أدت إلى ارتفاع جنوني بالسوق (من خلال الاقتراض والتسهيلات) ونزول كارثي عند (تسييل المحافظ وبيعها)، تقنين مهني (للمستثمر والمضارب) على حد سواء في سوق الأسهم من خلال إعطائهم شهادات معتمدة من قِبل الهيئة على أن يجتاز الراغب في الحصول على تلك الشهادة كثير من الدورات التدريبية في التقييم المالي والفني والنفسي....، وفي ذات السياق وحيث إنّ النظام الاقتصادي هو جزء من كلِّ فإنني اعتقد أنّ الاقتصاد الكلي قد يتأثر بشكل أو بآخر من خلال هبوط سوق الأسهم، ولكن يظل هذا التأثير بحدوده الدنيا، حيث إنّ الاقتصاد كلٌّ متكامل من عناصر عدّة ومعطيات مختلفة، ويقدّر الاقتصاديون أنّ الخسارة من هبوط سوق الأسهم تقدَّر بـ 500 مليون دولار أو أكثر، أي ما يعادل مرة ونصف من حجم الناتج الإجمالي للبلاد ، وبالإشارة هنا فإن الباحثين يرون أنّ هناك لاعبين تحمّلوا العبء الأكبر من خسائر سوق الأسهم الأخيرة وهما الحكومة والمستثمرون حيث إن ما تملكه تلك الجهتين يبلغ حوالي ثلثي رأس مال السوق، وهما بالتالي ينتهجان في الغالب استراتيجيات طويلة الأجل وتتأثر قراراتهما بصورة كبيرة بتأرجح أسعار الأسهم، أما فيما يخص البنوك، فإنها لم تتأثر بذلك بل إنها استزادت تضخما لثرواتها من خلال التسهيلات والاقتراضات المرتبطة بالسماح للعملاء للاستدانة مقابل قيمة حيازتهم الفعلية من الأسهم (القروض الهامشية) كذلك القوانين الحامية من قِبل مؤسسة النقد والحد من الاقراضات والضمانات تفوق حد المعقول، وانتهاجها لإقراضات مصرفية حذرة جعلت حالات الإعسار في سداد القروض تكاد تكون غير موجودة وللاكتتابات القادمة في سوق الأسهم السعودي أثر سلبي يلقي بظلاله أيضاً على تصدع السوق وتراجعه والذي سيؤثر بدوره على وضع السوق بكليته، فلقد لاحظنا شركات كبيرة بيعت بعد التداول بأقل من سعر الطرح مثل شركة (سبكيم)، فالاكتتاب كان بسعر (55) وتفاجأ المكتتبين ببيعها بـ 50 وأقل من ذلك، بل إنّ هناك شركات كثيرة أقل من شركة سبكيم قدرة وتأهيلاً طرحت بالسوق بعلاوات إصدار مرتفعة وأنا لي تحفظ على تلك العلاوات التي هي في كثير من الشركات مبالغ فيها وليست هناك معايير محددة تحكم ذلك. ويعاني سوقنا من مشكلة الشفافية وهي المشكلة الكؤود في سوق الأسهم بل في كافة مصالحنا، فالمعلومة والشفافية واستخراج تلك المعلومة من أي جهة كانت هي من الأمور المسكوت عنها والتي يعتبرها البعض من المسئولين حكراً عليهم ومن الإرث الشرعي لهم يخرجونها متى ما شاؤا وحيثما أرادوا، والشفافية في سوق الأسهم أدت إلى الكثير من الكوارث ولعبت الشركات متضامنة مع ضعف هيئة سوق المال إلى انتشار الشائعات وتسريب المعلومات على المستفيدين ولتحقيق مصالح تخص أشخاص دون غيرهم، بمعرفة معلومة هي حق للجميع لتصبح معادلة العدالة عرجاء ومصابه بداء الكساح، ولعب عنصر حجب المعلومة بكوارث أدت إلى أن من يملك المعلومة هو الذي يتحكم بالسوق ارتفاعا أو انخفاضا، ولعبت البنوك في ذلك دوراً كبيراً من خلال أنظمة تداولها والمشاكل الكبيرة دون رقيب أو حسيب مستظلة بجناح وخيمة مؤسسة النقد، والمستثمر الصغير هو الذي يتأثر؟!
واعتقد أنه يجب أن يكون هناك شفافية مطلقة من قبل الهيئة وكذلك الشركات بإعطاء المعلومة أولاً بأول واتخاذ كافة الإجراءات الرادعة، ومن المفارقات المضحكة المبكية في هذا السوق أن هناك اقتصاداً متيناً وقوياً بلغت ميزانيته في عام 2006م 652 مليار أي بفائض يعادل 252 مليار بنسبة تجاوزت 6.5 في المائة مقارنة ب5.3 لعام 2005م ومع ذلك يتجه السوق لانهيارات متتالية بين فترة وأخرى؟!
وأعتقد أن عدم التفاعل في سوق الأسهم لمقومات هذا الاقتصاد المتين، هذا يعود هنا إلى عدة أسباب من أهمها عدم وجود هيكلية واضحة لهيئة سوق المال وكذلك عدم وجود الشفافية، السوق السعودي سوق ناشئة، حوكمة الشركات لم يتم إلا من وقت قريب ولم تفعل بعد...، هيئة سوق المال ما زالت غيرة قادرة على مجاراة سوق كبير مثل سوق الأسهم السعودي، المعايير في الشركات غير فاعلة، طرح شركات لا تستحق الطرح في سوق الأسهم السعودي، بقاء شركات خاسرة لعدة سنوات وما يزال تداول أسهمها في السوق، ضعف ثقافة المضارب، عدم فاعلية البنوك ودورها السلبي في الارتفاع والانخفاض، التجمعات (القروبات) التي تتخذ صفة (اللوبي) السلبي على مسار السوق، كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى عدم التفاعل، ومن نافلة القول هنا انه متى ما تم تأطير القوانين ووضع هذه المعايير المحددة بطرح الشركات وكذلك قيام الهيئة بسن القوانين الرادعة للمتلاعبين فإنّ تلك الأسباب كفيلة بأن تجعل من السوق إذا ما تمت تلك العوامل بأن تنعش السوق، ويبدأ يتعافى من مرضه، أما استمرار الوضع بشكله العشوائي دون إجراءات رادعة فإن ذلك سيؤدي إلى مزيد من الهبوط، ومن المشاكل التي يلاحظها ذوو الخبرة والدراية في علم الأسواق أن سوق الأسهم لدينا لا تخضع للمعايير الفنية الصحيحة وخاصة أن سوق الأسهم خارج لعبة الحسابات، وخارج معادلة التقييم المالي أو الأساسي أو الفني أو حتى النفسي وان كان التحليل النفسي يلعب دور أساسي في تلك المرحلة وكون السوق خارج هذه اللعبة فهو خارج أي أسس معيارية علمية؟! واعتقد أن هذه مسئولية هيئة سوق المال التي عليها وفي تقديري يقع اللوم وبشكل مشترك مع الأطراف الأخرى فعلى هيئة سوق المال الكثير والكثير حتى تساير الوضع الموكل على عاتقها ولدى الهيئة الكثير من التقصير والأخطاء وان كانت تقوم بمحاولات ما زالت بطيئة للحد من الانهيارات التي تسببت بخسارة المستثمرين الذين لا حول لهم ولا قوة، وإن كنا لا نغفل دور الهيئة الإيجابي وحتى نكون أكثر إنصافاً فإن ما قامت به الهيئة من القرارات الإيجابية هو عمل يشكر لها فتذكر، ومن ذلك قانون حوكمة الشركات وإلزام الشركات بالإفصاح وكذلك العمل بنظام الفترة الواحدة والمطلوب من الهيئة الكثير والسرعة الإيجابية التي تصب في صالح السوق، لكننا هنا نناشد الهيئة المزيد من الحزم بالشكل الذي يعطي نتائج إيجابية وعلى المدى الطويل لاستقرار السوق وتهيئة مناخ الاستثمار فيه، كما أن الهيئة في ظني لم تستفد من تجارب وخبرات الآخرين في تقييم أوضاع وأسواق البورصات العالمية لكي يتم من خلالها قياس الجدوى من تطبيق الأنظمة واللوائح الأجنبية على سوق الأسهم السعودي؟!
ومتى ما رأت الهيئة بعد الدراسة والتمحيص أن هناك نظماً ولوائح صالحة لإدخالها سوق المال السعودي، أعتقد أن ذلك حسن ويجنبها حسابات الخطأ والصواب واختصار الزمن وتقليل التكلفة المالية، ومن علل سوق الأسهم لدينا وضعفه أيضاً تلك الشركات المدرجة في سوق الأسهم من خلال طرح بعض الشركات العائلية وعلاوات إصدار مبالغ فيها وهي لا تستحق ريالاً واحداً لعلاوة إصدارها ناهيك عن كونها لا تستحق إدراجها بسوق المال السعودي؟! ومن الدعائم التي قد تعطي السوق شيئاً من الاستقرار والتوازن هو أن يتم منح أولئك المحللين في قنوات التلفزة شهادات وتراخيص تخولهم للقيام بهذا الدور ويعاقب كل من لا يحمل هذا الترخيص، كما أنني أرى أن الانهيارات المتتابعة لسوق الأسهم السعودي هي ليس بالضرورة تعطي الأسواق الأخرى قوة أو توجهها من قبل المستثمر في سوق الأسهم، حيث إن التوجه لسوق العقار أو السوق الخدمي أو الصناعي لا يخول المستثمر (الخاسر) في سوق الأسهم للخروج أو التفكير في الاستثمار في أسواق أخرى والخاسر خاسر في كل الاتجاهات.
Kmkfax2197005@hotmail.com