Al Jazirah NewsPaper Wednesday  11/04/2007 G Issue 12613
الاقتصادية
الاربعاء 23 ربيع الأول 1428   العدد  12613
تآكل الطبقة المتوسطة بفعل التضخم..
د. عقيل محمد العقيل

سألت النادل عن سبب ارتفاع أسعار المأكولات بشكل فجائي، فقال لي إن إيجار المحل تضاعف، وتساءل صديق لي عن أسباب ارتفاع خدمات إصلاح سيارته فأجابه الميكانيكي لكي نعوض قيمة الإيجارات العالية، ويعاني صديق آخر لي من ارتفاع إيجار منزله بنسبة وصلت لأكثر من 50% خلال سنة واحدة وهو ما سبب له أزمة مالية كبيرة لا يعرف كيف يتعامل معها، ويقول أحد صغار المستثمرين اضطررنا إلى رفع أسعار خدماتنا بسبب ارتفاع إيجارات المكاتب بشكل مفاجئ أيضاً، ويقول أحد رجال الأعمال الممارسين إن المنتجات العقارية ستشهد ارتفاعات كبيرة في السنوات المقبلة بشكل غير مسبوق.

حجم الطبقة المتوسطة ذو مدلولات سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة، باعتبارها تشكل الغالبية العظمى من السكان، ولما تحمله من قيم ومفاهيم ذات أهمية كبرى في تحقيق التوازن الاجتماعي، ولما عرفت به من ديناميكية وطموح وامتلاكها لإمكانات وقدرات متعددة، ولمساهماتها الدائمة في عمليات التغيير والتطوير في الكثير من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية.

الطبقة المتوسطة التي وصفها الباحثون بأهم العلامات الإيجابية للتطور والنمو، وخصوصاً الغالبية منها وهي الشريحة التي تضم صغار الموظفين في القطاعين العام والخاص إضافة لصغار المزارعين وصغار الحرفيين وصغار المشتغلين بتجارة التجزئة، فهي الطبقة المنتجةالتي يعتمد عليها في تنفيذ الخطط. فالطبقة المتوسطة تعاني اليوم أشد المعاناة من تضخم الأسعار بشكل يدفع بها باتجاه الطبقة الفقيرة والتي من المفترض أن تكون في حجمها أقل بكثير من سابقتها والجهود قائمة الآن لرفع مستواها. في ظل جهود حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله لمكافحة الفقر.

إذن الطبقة المتوسطة التي تعتبر صمام الأمان للمجتمع في خطر بسبب التضخم وعلينا حث الخطى لحمايتها بمعرفة أسباب التضخم والتصدي لها بعلاجات ناجعة تتناسب وحجم المشكلة، وباعتقادي أن تقاذف المشكلة بين المجتمع والجهات الحكومية الرقابية وخصوصاً وزارة التجارة لن يجدي نفعاً، خاصة أن كل طرف يسعى لتبرئة ذمته من مشكلة التضخم دون الخوض في الحلول، بمعنى أننا نستهلك الوقت والجهد في الحديث عن المشكلة والجهات المسببة لها أكثر من البحث في حلها بحلول واقعية قابلة للتطبيق.

ولكي نكون أكثر عملية فإنني أتوجه للمسؤولين في القطاعين العام والخاص بهذا التحليل وهذه المقترحات التي أسأل الله أن تجد طريقها لآذانهم لمناقشتها وكلي ثقة بذلك، إن مشكلة التضخم تعود في بلادنا تعود لسببين رئيسين وأسباب فرعية أخرى متعددة، أما السببان الرئيسان فهما أولاً انخفاض قيمة الدولار أمام العملات العالمية التي تستورد منها المملكة الكثير من المنتجات والخدمات وهذا أدى لارتفاع في أسعارها بما لا يقل عن 30% في السنوات الثلاث الماضية، وثانيا ترك مسؤولية موازنة العرض والطلب في القطاع العقاري للأفراد الذين لا يستجيبون لتلبية الطلبات المتزايدة إلا بعد وقوع الأزمة واكتواء المواطنين بلهيبها من أدى إلى تعاظم الفجوة بين المطلوب والمعروض من المنتجات العقارية كافة بشكل أدى لارتفاعها بشكل كبير، وهذا الارتفاع أدى لتضخم الأسعار بشكل جنوني مباشر وغير مباشر على المواطن، حيث يؤثر تضخم العقار على الأفراد بشكل مباشر بسبب ارتفاع تكلفة البناء والإيجارات معاً، كما يؤثر بشكل غير مباشر من خلال ارتفاع أسعار السلع والخدمات نتيجة ارتفاع الإيجارات وتكاليف المباني والمنشآت التي تشكل تضخيماً في المصاريف غير المباشرة على الجهات الخاصة المقدمة لتلك السلع والخدمات، والتي تحملها بدورها على المستهلك بشكل تلقائي.

أما السبب الرئيسي الأول فقد خاض به الإخوة الاقتصاديين والماليين بشكل كبير وليس لدي ما أضيفه، وقضيته تخضع لمتغيرات داخلية وخارجية متشابكة ومعقدة تتباين الآراء والأفكار حيالها، ولا يستطيع أن يقرر القرار الأمثل في هذه القضية إلا من هو مطلع على جميع متغيراتها ويرى الصورة مكتملة من جميع زواياها، ولذلك فسوف أركز على معالجة السبب الثاني وهو يمكن التصدي له بسهولة لارتباطه بمتغيرات داخلية واضحة المعالم.

وللتعرض لدور العقار في التضخم أود أن أبين أن عدم الإستجابة للطلب في الوقت المناسب تؤدي إلى أزمة، هذه الأزمة تؤدي إلى ارتفاعات صاروخية بالإيجارات بداية، كما تؤدي إلى ارتفاعات صاروخية أيضاً في تكلفة البناء نتيجة ارتفاع الطلب بشكل مفاجئ على العمالة وعلى مواد البناء (خصوصاً الحديد والإسمنت)، وكل ذلك يؤسس لقواعد سعرية شديدة يصعب هبوطها بعد ذلك عندما يتم تلبيتها من خلال التطوير الفردي الذي يهدى مرة أخرى لحين قيام أزمة أخرى تؤدي لارتفاعات جديدة وهكذا، وهذا ما لا يمكن أن يكون في حال سيادة التطوير المؤسساتي الذي يستجيب للطلب بشكل منتظم بما يجعل المطلوب متوازن مع المعروض بالشكل الذي يؤدي لإستقرار الأسعار.

غياب التطوير المؤسساتي القادر على موازنة العرض والطلب بالوقت المناسب نتيجة طبيعة لشح آليات التمويل الناشئة عن عدم اكتمال منظومة التشريعات والأنظمة والإجراءات المحفزة للجهات التمويلية لتقديم التمويل اللازم لشركات التطوير العقاري في الوقت المناسب وبخدمة دين معقولة، وهذه الأسباب يمكن لنا معالجتها بسرعة كبيرة بإصدار حزمة من التشريعات والأنظمة بالسرعة المناسبة لكي نهدي من الارتفاعات الجنونية في العقار التي تؤدي بالتبعية لارتفاعات جنونية بأسعار السلع والخدمات أيضاً بطريقة غير مباشرة، كما تؤدي لضغط على ميزانية المواطنين بشكل كبير لا يحتمل، وللعلم فقد تعدت تكاليف السكن أكثر من 30% من دخل المواطنين من الطبقة المتوسطة وخصوصاً الدنيا منها.

ختاماً أقول علينا الإسراع في معالجة العوائق التي تمنع القطاع العقاري من أن يلعب دوره في المنظومة الاقتصادية بما يؤدي لاستقرار اقتصادي واجتماعي وأمني أيضاً، وعلى كل مؤسسة حكومية أن تدرك دورها في دفع القطاع العقاري للقيام بدوره الحقيقي المنتظر، كما عليها أن تدرك أيضاً الإفرازات السلبية الناتجة عن تباطؤها في تحفيز المستثمرين العقاريين والماليين للاستثمار في هذا القطاع الهام والحيوي بالشكل الذي يحقق الموازنة المرجوة بين العرض والطلب، وبكل تأكيد إدراكنا لذلك وعملنا على تحقيق ذلك سيحمي الطبقة المتوسطة من التآكل.

alakil@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد