لاحقت لعنات البيت الأبيض وعباراته الغاضبة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي وهي تنتقل من عاصمة إلى أخرى في المنطقة، لكن النائبة مضت قدماً في جولتها، وهي جولة بدا أنها تعبّر عن جانب كبير من الرأي العام الأمريكي، كما تستند إلى مرجعيات كانت نتاج عمل حكومي أمريكي تمثلت في توصيات لجنة بيكر بشأن العراق.
وبينما تغاضت حكومة بوش عن ذلك التقرير كونه لا يتفق مع توجهاتها فإن السيدة بيلوسي رأت فيه ما يتسحق النظر والعمل، ولهذا فقد بادرت بجولتها تمشياً مع فقرات في التقرير.. لقد احتوت الجولة على جملة من الأنشطة تتناول قضايا متعددة بدءاً من فلسطين ومروراً بالأزمة اللبنانية وانتهاءً بالعراق، ويفيد الولايات المتحدة أن تستمع من قريب - حتى وإن كان عن طريق أناس يعارضون سياستها - إلى وجهات النظر في المنطقة، وبالذات حينما يبدو أن السياسات المتبعة لا تحقق النتائج المرجوة إن كان على صعيد الوضع الفلسطيني أو التطورات في العراق، فقد أقر الرئيس الأمريكي نفسه مؤخراً بأن الحرب في العراق باتت مصدر ملل لشعبه، وهي قد تتجاوز بالفعل مجرد الملل إلى الألم، فقد أصبحت تكلفة هذه الحرب باهظة خصوصاً على صعيد الخسائر البشرية بالنسبة لكل القوى المشاركة فيها وحتى تلك غير المعنية بالقتال، ومن هؤلاء المدنيون الذين يشكلون الوقود الحقيقي لهذه المحرقة.
وقد بات من المهم أن تعمل الدبلوماسية بصورة أكبر طالما أن الاحتلال العسكري لا يحقق سلاماً ولا استقراراً، بل يزيد من أوار نار الحرب.. وتعكس جولة بيلوسي، من جانب آخر وضعاً جديداً للديمقراطيين الذين تنتمي اليهم الذين يبدو أنهم يستشعرون حجمهم الكبير مع الأغلبية التي حققوها في مجلس النواب التي تشجعهم على القيام بفعل شيء ما تجاه أوضاع مضطربة تمس بلادهم مباشرة ومنها بالطبع الأوضاع في المنطقة، فالثقل المتحقق للديمقراطيين يذكرهم بأنهم مفوضون للقيام بما هو أكثر من الجلوس والتفرج على ما يحدث على الرغم من فداحة بعض أجزاء المشهد.. وتعكس موجة الغضب الشديدة في البيت الابيض من الجولة كيف أن الولايات المتحدة تبدو منقسمة تجاه موضوعات دولية مهمة وعلى رأسها الحرب في العراق، ومن المؤكد أن ذلك يسهم في هز صورة أمريكية مضطربة أصلاً. وأكثر ما يهم المنطقة في هذه الجولة أن تسهم في تعديل سياسيات قد تبدو غير مواتية، غير أنه لا مجال للاستغراق في التفاؤل لمجرد أن بضع أناس في واشنطن لديهم وجهات نظر مختلفة تجاه سياسات هنا أو هناك، فقد أكدت السيدة بيلوسي نفسها أنه لا توجد هوة كبيرة بينها والبيت الأبيض فيما يتصل بدعم إسرائيل أو فيما يتصل بالموقف من سورية خصوصاً المزاعم المتعلقة بالإرهاب وما يتردد حول التسلل من أراضيها إلى العراق.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244