لا يختلف اثنان على أن الولايات المتحدة الأمريكية قد غرقت حتى أذنيها في العراق, وخصوصاً في الجانب العسكري الذي أصبح يعيد للمؤسسة العسكرية شبح الحرب في فتنام وغارات (الفيتوكونج) الليلية على جنودها التي جرعت العسكريين الأمريكيين الأمرين في النواحي العسكرية والميدانية. وقد كانت الشخصية الأمريكية قد عاندت الوقائع كثيراً وأصرت على النصر الطوباوي، وحتى بعد الهزيمة والانسحاب المذل من فتنام إبان الحرب الباردة واصلت ماكينة وأداة صناعة العقل الأمريكي (هوليود) إنتاج الأفلام المزيفة لحقائق التاريخ، لتصف شجاعة الجنود الأمريكيين وهم يقضون على أرتال وجحافل الفيتناميين الشيوعيين والدكتاتوريين. والآن وفي العراق وبعد أن أخذ الأمر مجراه إلى حرب أهلية حارقة فتّتت نسيج الشعب العراقي وشوّهت ديمومته واستقراره الاجتماعي، ما زال الساسة الأمريكيون يصرّون على أن الحرب الأهلية لم تقع حتى الآن, وأن بشائر الديمقراطية آتية في ركاب عملية سياسية إقصائية اقتصرت على أصحاب الثأر السياسي والموتورين مذهبياً. إلا أن الرأي العام الأمريكي الذي جرّب لسنوات عديدة ديماغوجية وتضليل الإعلام الرسمي للإدارات الأمريكية وخبر أساليبها وطرقها في توظيف الإعلام وتسخيره لأغراض السياسة لم تعد تنطلي عليه هذه المنهجيات التي تحدث في جو من الديمقراطية المنقطعة النظير في العالم.
حيث أفاد استطلاع للرأي نشرت نتائجه أخيراً أن أغلبية الأمريكيين يثقون قليلاً أو لا يثقون بالمعلومات التي يتلقونها من مسؤوليهم العسكريين أو وسائل الإعلام حول الوضع في العراق. وأوضح هذا الاستطلاع أن أغلبية من الأمريكيين (52%) لا يثقون بالمعلومات التي يقدمها العسكريون عن سنوات الحرب الأربع في العراق، وأن 60% منهم لا يثقون أيضاً بالتقارير الصحافية حول هذا النزاع.
لم يعد أمام الأمريكيين من مناص للاعتراف بخطئهم الكارثي في احتلال العراق وتدميره والذي أثبتت التجارب وستثبت الأيام القادمة أنهم أول الخاسرين في هذه الحرب على المستوى البعيد وعلى مستوى الإستراتيجية الأمريكية العامة. ويكفي ما نقله الإعلام الأمريكي ذاته من فضائح أبوغريب وغيرها والتي أحدثت كسراً وشرخاً عاماً في الشخصية الأمريكية والعسكرية منها بالذات إعلامياً وعالمياً في أذهان الشعب الأمريكي وشعوب العالم عامة.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244