تشكل زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي وزعيمة الأغلبية الديمقراطية نانسي بيلوسي إلى دمشق بادرةً مهمةً لمعارضة سياسة الإدارة الأمريكية التي تنتهجها في التعامل مع بعض القضايا الدولية والإقليمية، ومن ضمنها سوريا؛ ففي الوقت الذي تصرّ فيه الإدارة الأمريكية على إدراج دمشق في قائمة الدول الحاضنة والداعمة للإرهاب، وتسعى إلى عزلها دولياً، جاء أول التصرفات المناقضة لهذا العزل من داخل النظام السياسي الأمريكي، وخرج من أحد شقي السلطة التشريعية الأمريكية الممثلة في مجلس النواب أحد جناحي الكونغرس الأمريكي.
إنّ خاصية النظام السياسي الأمريكي أنه لا يعرف لوناً للأحادية الانفرادية في صنع القرارات إلا في حدود القانون والتشريع، ويمكن للاعب السياسي عند التعامل معه أن يجد منافذ ومخارج للولوج إليه وعرض قضاياه والمنافحة عنها بشتى الطرق والوسائل؛ ففي الكونغرس الأمريكي الذي - للأسف - أهملت السياسة الخارجية العربية أولوية فتح قنوات اتصال جادة معه، الكثير من الفرص الضائعة لترويج وجهات النظر العربية والدفاع عن الحقوق العربية المستلبة من خلاله وتشكيل لوبيات مصالح وضغط تعتمد على الانفتاح السياسي ومبادرات الدبلوماسية المتعددة. وما كان لهذا الغياب من نتيجة سوى سيطرة جماعات الضغط اليهودية وسيطرتها على الكونغرس الأمريكي في ظل الغياب العربي عنه، والذي نتج عنه تغييب القضايا ووجهات النظر العربية، وتمكن أصدقاء إسرائيل من إثبات وجودهم وترويج أطروحاتهم المعتمدة على (التمسكن والتباكي السياسي) على ما يصفونه بواحة الديمقراطية المحاطة بالعرب الإرهابيين. إلا أن، وبعد أن اتخذ العرب السلام خياراً استراتيجياً لهم، وأسقطت شجاعة القرار وواقعية الطرح ورقة التوت عن الإسرائيليين، بقي عليهم أخذ مسألة ترويج المبادرة العربية في الداخل الأمريكي، والكونغرس الأمريكي خاصةً، على محمل الجد، وذلك ما يجب أن يتم من خلال أطروحات ولغة خطاب تتناسب وتتناغم مع الأذن الأمريكية العامة التي لم تتعود منذ سنين طويلة إلا على سماع صوت إسرائيل وغياب الجانب العربي أو تغييبه، وسيطرة الصهيونية الإعلامية على مماسك الإعلام الأمريكي، وهو الأمر الذي إن أراد العرب لأنفسهم الفكاك من أنيابه السياسية فليس لهم من طريق إلا بالمزيد من الاتصالات والعلاقات التي تعرف من أين تؤكل الكتف!
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244