التضخم في السعودية في الارتفاع العام الماضي لأول مرة في أكثر من عقد من الزمان ورغم أن بعض العوامل التي تسببت في هذا الارتفاع تعتبر وقتية ويتعين أن تهدأ هذا العام، إلا أن حالات الشح التي استحدثت في جانب العرض تعدو بنا لتوقع أن يشهد الاقتصاد فترة من التضخم تتعدى معدلاته المعتادة رغم أن حالات النقص في المواد هذه تعتبر حتمية في فترات النمو الاقتصادي القوي وليس في مقدور الحكومات عمل الكثير بشأنها على المدى المنظور؛ لذا لا نتوقع تراجع التضخم لمستوياته التاريخية التي تقل عن 6 بالمائة إلا بعد سنوات.
ونتوقع أن يقفز معدل التضخم هذا العام إلى 2.7 بالمائة في المتوسط لكنه يظل متدنياً قياساً بالمستويات الإقليمية والدولية ولا ينبغي أن يتسبب في تداعيات سلبية على الاقتصاد.
وكان التضخم السنوي في أسعار المواد الاستهلاكية قد ارتفع إلى 2.9 بالمائة في ديسمبر من عام 2006 مما أدى لصعود متوسط التضخم لمجمل العام إلى 2.3 بالمائة وهو أعلى مستوى يسجله منذ عام 1995 وباستبعاد الخفض الوحيد الذي أجري على أسعار وقود السيارات نجد أن معدل التضخم السنوي كان سيبلغ 4.3 بالمائة في ديسمبر من العام الماضي أما المجالات التي تركز فيها التضخم فقد جاءت كما يلي:
- الأحوال الزراعية المحلية غير المواتية والرسوم المرتفعة على بعض المنتجات المستوردة أدت إلى زيادة أسعار المواد الغذائية.
- الارتفاع الحاد في أسعار الذهب أدى لارتفاع أسعار الحلي والمجوهرات.
- بدأت أسعار الإيجارات في الارتفاع نحو نهاية العام الماضي.
ونتوقع أن تأتي الإيجارات المرتفعة على رأس مصادر التضخم في عام 2007 حيث تؤدي الهجرة الداخلية إلى المدن الرئيسية في المملكة وارتفاع معدلات استقدام العمالة الأجنبية إلى تفاقم حالة النقص الحالية في قطاع المساكن كما ستفعل تكلفة المواد الأولية والعمالة المرتفعتان الناجمتان عن اختناقات أخرى في الإمدادات إلى دفع الأسعار إلى الأعلى، وسوف تساهم أسعار السلع المستوردة (خصوصاً القادمة من أوروبا) إلى الضغوط التضخمية بسبب انخفاض سعر الريال العام الماضي لكن من شأن تكاليف الاتصالات والنقل الأقل وطرح صنف جديد أرخص من الوقود أن تعمل على استقرار معدل نمو التضخم.
التضخم في السعودية
التضخم في الظهور في السعودية بعد ما يربو على عقد لم تشهد مستويات الأسعار فيه تحركاً يذكر.
وكان التضخم السنوي في الأسعار قد قفز إلى مستوى 2.9 بالمائة في شهر ديسمبر 2006 مما رفع من المتوسط السنوي للتضخم إلى 23 بالمائة.
وعند استبعاد أثر خفض أسعار وقود السيارات الذي تم دفعة واحدة نجد أن معدل التضخم السنوي قد بلغ 4.3 بالمائة بحلول ديسمبر. وقد شهد العام الماضي أول مرة يتخطى فيها معدل التضخم نسبة 1 بالمائة منذ عام 1995 ويتناول هذا التقرير الأسباب التي أدت إلى الارتفاع الحالي في معدل التضخم وينظر في العوامل المختلفة التي نعتقد أنها ستدفعه للأعلى خلال عام 2007 ثم نتطرق أخيراً إلى مجموعة الخيارات المتاحة لصناع القرار في المملكة للتصدي لهذه الظاهرة. وبإلقاء نظرة فاحصة يتضح لنا أن التضخم في 2005 كان أعلى بالنسبة للخضراوات والفواكه الطازجة والأسماك، حيث إن الكثير من المواد الغذائية الطازجة يتم استيرادها؛ لذا فإن الأسعار الأعلى تعكس أوضاع السوق العالمية التي تأثرت بأحوال الطقس السيئة في الدول المنتجة الرئيسية.
قفز التضخم في مجموعة (السلع والخدمات الأخرى) العام الماضي ووصل أعلى مستوى له في مايو مسجلاً 10.3 بالمائة، ثم استقر لاحقاً عند مستوى 8 بالمائة، بالمقابل بلغ متوسط التضخم لهذه المجموعة 2.4 بالمائة فقط لمجمل عام 2005، وكان السبب الرئيس للارتفاع الكبير لهذه المجموعة هو الزيادة الحادة في أسعار المجوهرات نتيجة ارتفاع أسعار الذهب عالمياً، حيث ارتفع بحوالي 35 بالمائة في عام 2006 مقارنة بالعام الفائت، إضافة إلى ذلك ارتفعت رسوم الإقامة بالفنادق بأكثر من 10 بالمائة نتيجة الارتفاع الملحوظ في حركة رجال الأعمال، لكن نتوقع أن تخف الضغوط التضخمية على مجموعتي (الأطعمة والمشروبات) والسلع والخدمات الأخرى خلال هذا العام (انظر التوقعات المستقبلية للتضخم).
لكن أكثر ما يقلقنا هو التوقعات المستقبلية بالتضخم لمجموعة (الترميم والإيجار والوقود والمياه) ضمن مؤشر تكاليف السيئة، وتحديداً إيجار المساكن.
وحسب البيانات الرسمية فقد ارتفع التضخم لهذه المجموعة العام الماضي خصوصاً خلال الربع الأخير منه لكن ظل منخفضاً نسبياً عند مستوى 3.1 بالمائة في أكتوبر 2006 مرتفعاً من 18 بالمائة في ديسمبر 2005 وكانت الزيادة السنوية في الإيجارات قد سجلت في أكتوبر ارتفاعاً قدره 7 بالمائة في مدينة الدمام قلب صناعة النفط السعودية، ويعكس ذلك حجم الطفرة التي تشهدها المنطقة الشرقية والتي نتوقع لها الانتشار في بقية أرجاء المملكة، أما بالنسبة لمدينة الرياض فقد سجلت الزيادة السنوية في أكتوبر ارتفاعاً بلغ 2.3 بالمائة بينما سجلت 1 بالمائة في المتوسط في منطقة جدة ومكة المكرمة.
التوقعات المستقبلية بالتضخم
بناء على افتراضنا مما تقدم بأنه ليست هناك تعديلات في سياسات التعامل مع التضخم نتوقع ان يرتفع التضخم إلى 2.7 بالمائة في عام 2007م. وسوف تكون الايجارات هي العامل الرئيسي وراء هذا الارتفاع. وقد خلقت الهجرة الداخلية إلى المدن الكبيرة في السعودية نقصا في المساكن ضاعف من حدته التدفق الكبير من العمالة الأجنبية التي استقطبتها الفرص الناشئة عن الطفرة الاقتصادية. كما تساهم ديناميكيات السكان المحلية في رفع حدة النقص، حيث ان حوالي 27 بالمائة من المواطنين يقعون ضمن الفئة العمرية 15 - 29 عاما التي غالبا ما تكون مرشحة للخروج من منزل الأسرة. نتوقع ارتفاع ايجارات المساكن بمتوسط قدره 5 بالمائة هذا العام وان تستمر على نفس الوتيرة لعدد من السنوات. ويتفاوت معدل الزيادة حسب نوع المسكن وحسب المنطقة حيث ترتفع الايجارات في المنطقة الشرقية والرياض وجدة والمناطق حول المشاريع التنموية الكبيرة. لكن معدل نمو الايجارات يعتبر معتدلا بالمقارنة مع دبي وقطر للأسباب التالية:
* نمو السكان في السعودية حوالي ثلث نموه في دبي وقطر.
* صغر مساحة تلك المناطق يعني ان الضغط على الايجارات في احد القطاعات ينعكس مباشرة على كل الاقتصاد.
أما في السعودية فليس بالضرورة ان ينعكس ارتفاع الايجارات في الرياض مثلا على مدينة جدة.
* لا توجد عوامل مضاربة قوية أو مستثمرين أجانب في سوق العقار.
نرجح ان يتلاشى هذا العام أثر أهم مصادر التضخم في عام 2006 - مجموعة (المواد الغذائية) ومجموعة (السلع والخدمات الأخرى). كما يتعين أن تتراجع تكلفة المواد الغذائية الطازجة بافتراض اعتدال احوال الطقس. وعلى الرغم من أن أسعار الذهب. والتي بانعكاسها على أسعار المجوهرات كانت العامل الرئيسي وراء ارتفاع مجموعة (السلع والخدمات الأخرى)، فقد واصلت ارتفاعها في الأشهر الأخيرة إلا ان معدل نموها السنوي قد تراجع إلى حوالي 20 بالمائة مقارنة بارتفاعها بمتوسط 35 بالمائة العام الماضي.
أثر ارتفاع اسعار المواد الأولية والشح في العمالة الماهرة سوف ينعكس بصورة شاملة على مؤشر تكاليف المعيشة بدلا عن اقتصاره على فئات معينة. وسيظل أثرها صغيرا نسبيا بالمقارنة مع الارتفاع في تكلفة المشاريع والعمالة حيث ان معظم المنتجات النهائية لتلك المشاريع اما مخصصة للتصدير أو للبيع للحكومة عند مستوى اسعار محدد. نفس الشيء ينطبق على ارتفاع أسعار السلع المستوردة بسبب تراجع سعر الريال والتي نتوقع ان يتوزع أثرها بصورة عامة دون ان تنعكس كلها على المستهلك النهائي. وسوف يتوقف مدى انعكاسها على مؤشر تكاليف المعيشة على سرعة وسهولة تحول تجار التجزئة والمستهلكين إلى مصادر توريد بديلة (مثال ذلك استبدال السلع الأوروبية بالسلع الأمريكية).
ستظل الايجارات مرتفعة في عامي 2008 و2009 وسوف تتسبب في استمرار التضخم مرتفعا بأعلى من متوسطه التاريخي. وسوف تنفرج الاختناقات الناجمة عن الطفرة في الاستثمارات بصورة بطيئة. لذا ستظل تكلفة العمالة والمواد الأولية مرتفعة رغم ان انعكاسها على مؤشر تكاليف المعيشة سوف يكون محدوداً. وتعني توقعاتنا باستمرار ضعف الدولار (وبالتالي الريال) ان السلع المستوردة ستظل تساهم في ارتفاع التضخم. تضافر ارتفاع أسعار المواد الخام مع تكلفة العمالة أدى الى رفع كلفة المشاريع بصورة حادة. وقد أظهرت دراسة حديثة أجرتها شركة كيمبريدج لأبحاث الطاقة أن كلفة إنشاء مشاريع انتاج النفط والغاز قد ارتفعت بمعدل 53 بالمائة خلال العامين الماضيين لكن رغم ذلك لم ينعكس ارتفاع تكلفة المشاريع بصورة كبيرة على المؤشر القياسي لأسعار الجملة وكان أثرها هامشيا على مؤشر تكاليف المعيشة والسبب في ذلك أن معظم المشاريع العملاقة قيد التنفيذ لم تدخل مرحلة الإنتاج الفعلي حتى الآن، أما تلك التي دخلت فمعظم منتجاتها غير مخصص للاستهلاك المحلي أو يتم بيعه للدولة التي تتحكم في أسعاره، مثال ذلك سيتم تصدير معظم الانتاج النفطي والمواد البتروكيميائية أما الجزء المستخدم محليا فسوف يتم بيعه عند أسعار مثبتة وتتحكم الدولة أيضاً في أسعار الكهرباء والمياه.
ليست كل الأسعار في ارتفاع
يلاحظ الاقتصاديون أن المستهلكين يميلون عموما الى الانتباه عندما ترتفع الأسعار أكثر منه عند انخفاضها، ما يجعلهم يتشككون في دقة بيانات التضخم الرسمية، وهذا تحديدا ما يحدث الآن في السعودية، وفي الواقع بعد فحص البيانات يتضح لنا ان بعض السلع قد انخفضت أسعارها بشدة عما كانت عليه في عام 1999م (سنة الأساس لمؤشر تكاليف المعيشة)، مثال ذلك انخفض سعر جهاز الهاتف الجوال بأعلى من 60 بالمائة بينما انخفضت تكلفة إجراء المكالمات بواقع 45 بالمائة، وانخفضت اسعار الكمبيوتر بواقع 48 بالمائة خلال نفس الفترة بينما انخفضت اسعار كاميرات الفيديو بواقع 35 بالمائة. ولم ينحصر انخفاض الأسعار فقط على الأجهزة الالكترونية بل شمل أيضا أسعار المنسوجات والملابس والأحذية التي تشكل 8 بالمائة من تركيبة مؤشر تكاليف المعيشة التي انخفضت بواقع 13بالمائة في الوقت الذي انخفضت فيه أسعار الأثاث والسجاد بواقع10بالمائة منذ عام 1999م. ونتوقع خلال عام 2007 أن تنخفض أسعار النقل الجوي والاتصالات وأقساط التأمين. وقد انطلقت عمليات شركتي الطيران اللتين تم الترخيص لهما في فبراير عند مستوى أسعار يقل عن مستوى أسعار الخطوط السعودية الشركة الاحتكارية سابقا. ونتوقع للمنافسة الجديدة أن تؤدي لخفض رسوم الاتصالات بصورة أكبر وسوف يتم منح رخص جديدة هذا العام لمشغل اتصالات ثالث للهاتف الجوال ومشغل ثاني للهاتف الأرضي بالإضافة من شأن منح التراخيص لـ13 شركة تأمين جديدة ان يسهم في خفض أقساط التأمين. من شأن انخفاض الريال مقابل معظم عملات الدول الرئيسية التي تستورد السعودية منها أن يسهم في رفع معدل التضخم هذا العام من خلال رفع أسعار السلع الواردة من تلك الأسواق وقد تراجع الريال منذ نهاية عام 2005م مقابل عملات سبع من الدول الثمان الكبيرة التي تستورد منها المملكة (التي تشكل حوالي 75 بالمائة من اجمالي الواردات).
وقد تراجع الريال بنسبة11 بالمائة مقابل اليورو العملة التي تستخدمها أكبر مجموعة مصدرة الى المملكة وبما أن الريال مثبت مقابل الدولار فإن حركة أسعار الصرف لا تؤثر في أسعار السلع المستوردة من الولايات المتحدة التي تشكل 15بالمائة من إجمالي الواردات، وقد أضافت تكاليف الشحن وأقساط التأمين الأعلى إلى تكلفة السلع المستوردة.
تعتبر السعودية عرضة للتضخم المستورد على نحو خاص بسبب نظامها التجاري العالمي المنفتح وقاعدة إنتاجها المحلية المحدودة والطلب المرتفع فيها على السلع الاستهلاكية المستوردة، وعلى الرغم من أن الدولار (وبالتالي الريال السعودي) ظل في مسار هابط لعدة أعوام مقابل العملات الرئيسة الأخرى يتنبأ كثير من المحللين باستمرار تراجع الدولار حتى تتمكن الولايات المتحدة من تضييق الفجوة الكبيرة في ميزان الحساب الجاري لديها. ما يعني أن التضخم المستورد سيظل يشكل هاجساً للسعودية.