بدت الأجواء مواتية لانطلاقة عربية جديدة وربما موفقة، فالتحضير الموفق للقاء الذي يلتئم اليوم للقادة العرب بالرياض يعكس توافقاً عربياً نادراً على أجندة العمل على الساحة العربية في بحر العام القادم، أي بين هذه القمة والقمة المقبلة، وذلك أمر مطلوب ويساعد كثيرا في الإنجاز، إذ إن التحديد الدقيق للأولويات يعين كثيرا في تناولها واحدة تلو الأخرى وبشكل متواتر ومتواصل.
وقد بدا بوضوح الإجماع الكبير على تفعيل المبادرة العربية باعتبارها المشروع المركزي لهذه القمة، وظهر بوضوح أيضا أن مشروع السلام العربي يحظى إلى جانب الدعم العربي القوي تأييدا دوليا واسع النطاق، ولهذا فإن هذه المعطيات قد تعين كثيراً في وضع الآليات التي من شأنها تحويل الفقرات التي يحتوي عليها المشروع من الورق إلى أرض الواقع.
ومع العمل الكبير الذي تضطلع به المملكة مستضيفة القمة والمبادرات التي تدفع بها فإن جانبا من التحضير الجيد، لوجستياً وسياسياً يتمثل في إفراد جانب من الوقت لمناقشة منفصلة لملف دار فور باعتباره أحد الملفات المهمة أمام هذه القمة، فهناك أنباء عن لقاء ثلاثي برعاية خادم الحرمين الشريفين يضم أيضا الرئيس السوداني والأمين العام للأمم المتحدة.
وتشكل هذه الخطوة ربما اختراقا كبيرا من جهة اغتنام الفرصة النادرة من أجل التقدم نحو هذه المشكلة، خصوصا في ظل التوتر الناجم عن التطورات في الإقليم السوداني والذي انعكست سلبياته على العلاقات بين الأمم المتحدة والسودان، وهكذا فإن هذه الفرصة تتيح مراجعة اتفاق سابق بين الخرطوم والمنظمة الدولية تم في أديس أبابا، واحتوى ثلاث خطوات تدور خلافات عميقة بين الجانبين حول الثالثة منها، وهي الخاصة بإرسال قوات دولية تبلغ العشرين ألفا إلى دارفور، وهو أمر ترفضه الخرطوم.
هذا التحضير الجيد للقمة يعكس بلاشك دوراً حيوياً للمملكة وتحركا نشطا لها بين الأشقاء، وهو دور لم تحتمه مجرد هذه القمة، وإنما هو سمة أصيلة في الممارسة السياسية للمملكة باعتبارها ساعية دوما للتضامن، فعشية هذه القمة تمكنت المملكة من جمع الفرقاء الفلسطينيين ليخرجوا باتفاق مكة المكرمة الذي يمثل محورا هاما في الحياة السياسية الفلسطينية وقد كانت حكومة الوحدة الوطنية الحالية ضمن ثمرات هذا الاتفاق، فضلا عن حالة التهدئة التي تم التوصل إليها بين حماس وفتح.
وبذات القدر من الاهتمام فإن الملفات الأخرى من لبنانية وعراقية ونووية، تلقى الاهتمام السعودي ذاته، وقد كان للتحركات السعودية الدبلوماسية دور كبير في اكتمال هذه الملفات أمام القمة لاتخاذ القرارات المناسبة بشأنها.
إلى ذلك فإن عملاً كبيراً يستوجب الإنجاز، فهذا التحضير الجيد للقمة ينبغي أن يتبعه جدول أعمال أكثر عملية وواقعية بمشاركة جميع الدول الأعضاء للوصول إلى الأهداف المرتجاة بهذه الروح التضامنية ذاتها والتي عكستها اجتماعات وزراء الخارجية.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244