ليس هناك من إجماع على أن هناك قمة أخرى تسبق في أهميتها مؤتمر القمة العربي الذي سيبدأ اجتماعه صباح اليوم في الرياض، لما يمثّله هذا المؤتمر من فرصة تاريخية غير مسبوقة لتحريك الجمود المتجذر باتجاه الحل المرن والمعقول لكل القضايا العربية المؤثِّرة على مستوى العالم وفي مقدمتها قضية فلسطين.
وبعيداً عن الأوهام بتوقع تنازلات قد يقدم عليها القادة العرب في ظل المواقف المفصلية لدى الأطراف الأخرى، فإن أحداً من غير هؤلاء المحبطين، لا يتوقع أن يصدر عن المؤتمر أكثر من التأكيد على الثوابت والتمسك بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مع الاستعداد للحوار المفتوح للوصول إلى حلول مرضية ومقبولة لدى جميع الأطراف.
ولا شيء قد يخسره العرب، عندما يرفضون سلاماً مذلاً مع إسرائيل، طالما أنه لا يحقق للفلسطينيين الحد الأدنى من حقوقهم المشروعة، وفي طليعتها إقامة الدولة الفلسطينية الحرة وعاصمتها القدس، مع تمكين فلسطينيي الشتات من العودة إلى ديارهم دون شرط أو قيد.
نعم هناك معاناة في العراق والسودان ولبنان والصومال، بسبب تدخلات أجنبية في شؤونها الداخلية، بما في ذلك احتلال بعضها، لكن قبول إسرائيل للمبادرة العربية لحل الصراع العربي - الإسرائيلي سيقود إلى الحل السريع - وربما الفوري - لهذه القضايا ولغيرها من القضايا الأخرى.
ولست أعرف سبباً مقنعاً يحول دون دعم الولايات المتحدة الأمريكية لصيغة حل أجمع عليه العرب، وقَبِلَ به الفلسطينيون، وأيَّده الكثير من دول العالم، بينما رفضته إسرائيل معتمدة في ذلك على دعم أمريكي أعمى لمواقفها غير المسؤولة، فيما كان على أمريكا أن تشجع إسرائيل على القبول بالمبادرة العربية التي عرضها الملك عبدالله بن عبدالعزيز على مؤتمر القمة العربي الذي عقد في بيروت ووفق عليها بالإجماع.
فالمبادرة العربية أعطت كل الضمانات التي تسمح ببقاء إسرائيل دولة ذات سيادة وقادرة على الحياة والعيش بحدود آمنة وبضمانات دولية، دون إنقاص من حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس وبحدودها الآمنة أيضاً على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967م.
وقمة الرياض التي ستؤكِّد على تمسك القادة العرب بالمبادرة العربية لإحلال السلام العادل والشامل في المنطقة لن تسمح بالمساس بالثوابت التي حددتها المبادرة، ولن تقبل ولا ينبغي أن تقبل بأي اقتراح يفضي إلى تعديلات قد تفرغها من مضمونها ومن قدرتها على إيجاد حل للصراع الدامي المضر بالإسرائيليين والفلسطينيين.
وليس عندي أدنى شك بأن مفتاح الحل للصراع بين العرب وإسرائيل هو بيد أمريكا التي بإمكانها أن تملي على إسرائيل ما ينسجم مع قرارات الشرعية الدولية، وتطالبها بالقبول بها، وهي في هذا تكون قد قدمت لإسرائيل خدمة كبيرة أفضل لها من هذا الدعم الأعمى لمواقفها العدوانية التي زادت من صلفها وعدوانها على الشعب الفلسطيني دون أن تحقق الأمن والاستقرار لشعبها.
إن حصار الشعب الفلسطيني والتنكيل والقتل بكل من يحمل حجراً يقاوم به العدو لن ينهي المقاومة الفلسطينية، ولن يوفر الأمن والاستقرار لإسرائيل، ولن يزيل الاحتقان والكره والصورة المشوّهة لدى العرب عن أمريكا، وإنه قد آن الأوان للتعامل مع المبادرة العربية بتفاعل وإيجابية وجدية للوصول إلى سلام عادل للطرفين، لأن جوهر الصراع هو في هذا الاحتلال الإسرائيلي البغيض، ولأن الحل العادل هو في المبادرة التي ستؤكّد قمة الرياض على تمسكها الثابت ببنودها لضمان العيش والأمن والسلام والاستقرار عند تطبيقها لجميع دول المنطقة فضلاً عن دولتي فلسطين وإسرائيل.
**
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«2» ثم أرسلها إلى الكود 82244