محافظ المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، معالي الدكتور علي الغفيص، هو المحافظ الأزرق بحكم القاعدة التي سنها في المؤسسة لارتداء (الروب) ذي اللون الأزرق، وهو في ذلك عاشق لذلك اللون و(الروب) والعمل الذي يقوم به، ونتج عن ذلك العشق إنجازات تعتبر مفخرة له على المستوى الشخصي ولزملائه ولطلبته، وقبل هذا وذاك، لهذه البلاد وقيادتها الحكيمة. المحافظ الأزرق أو سمّه ما شئت هو من أولئك القلائل الذين بثقتهم بالله وبرؤيتهم وعزيمتهم يتحول الجهد الفردي ليصبح همة وطن وعزم أمة.
التدريب المهني حقق إنجازات رائعة في غضون سنوات قلائل حتى أنه ليتملكك الإعجاب والتعجب في آن واحد. الإعجاب، عندما تشاهد أن الإنجازات تتعدى ما هو مخطط لها بضعفين وثلاثة أضعاف؛ فبرامج التدريب الحكومية التي تقوم بها المؤسسة بلغت في العام المنصرم، على سبيل المثال، 217 في المائة، كما أن نسبة الملتحقين ببرامج الابتعاث والإيفاد والتدريب وصل إلى ما نسبته 331 في المائة مما هو مستهدف في الخطة. أما التعجب، فهو أن تلك الإنجازات تمت بالرغم من أن المؤسسة تعيش نفس الظروف التي تعيشها الوزارات والمصالح الحكومية الأخرى المتباطئة والمترددة في مشاريعها بحجج عوائق وزارتي المال والخدمة المدنية. صحيح أنه أصبح للتدريب عناية خاصة وفائقة من القيادة مؤخراً، ولكن ذات العناية والدعم المعنوي والمادي من داخل الميزانية ومن فائضها تم توجيهه أيضاً للتعليم العام والعالي والصحة والنقل، ولم يكن مقتصراً على التدريب المهني فقط. وللموضوعية، فإننا نستثني وزارة النقل لأن رايتها بيضاء وتعتبر من الإدارات الحكومية القليلة جداً التي تنجز بتسارع ودأب وصمت أيضاً.
ما يجعلنا نمتدح المحافظ الأزرق، علي الغفيص، هو أربعة عناصر رئيسية ومركزية: الأول: عقليته المنفتحة على مصادر المعرفة التي أثمرت تعاوناً فنياً دولياً شمل بريطانيا، وكوريا الجنوبية، وإندونيسيا، وتايوان، والأردن، واليابان، وتونس، ونيوزيلندا، وإيطاليا، وألمانيا، وكندا، وماليزيا والفلبين، بمعنى آخر، جمع التجارب العالمية الناجحة بمختلف مدارسها لتأسيس بيئة مهنية وقاعدة تدريبية صلبة. عقلية المحافظ الأزرق قادته إلى الاهتمام بالتعاون والمشاركة مع القطاع الخاص في مشاريع متعددة ولم ينكفئ على نفسه وإدارته كما هو حال بعض الوزارات الحكومية التي تعتقد أنه بإمكانها أن تؤدي واجباتها بمفردها. وأخيراً أثمرت تلك العقلية المنفتحة تطويراً وتدريباً نسائياً في زمن قياسي وظروف اجتماعية محبطة بعض الشيء لعمل المرأة. العنصر الثاني: إدارته الناجحة، سواء بالتضامن مع زملائه في العمل بروح الفريق، أو بمعالجته كثيراً من القضايا والعقبات في الأنظمة الإدارية والمالية؛ لكيلا يتوقف الإنجاز، أو التحول من الأجزاء الصغيرة المهنية إلى المجمعات والكليات التقنية لمواكبة العصر، أو عشقه المنقطع النظير للعمل الذي يقوم به. العنصر الثالث: أن التدريب المهني يعتبر حلقة الوصل الأهم بين التعليم والعمل، وبين النظرية والتطبيق، وبأهمية خاصة، جسر بين الحاضر والمستقبل. ولا نبالغ إذا جادلنا بأننا إذا نجحنا في التدريب المهني، وسننجح بإذن الله، سيعوض ذلك عن تباطؤ التطوير، أو الفشل، لا سمح الله، في التعليم العام. أما التعليم العالي فيمكننا الاستغناء عنه تماماً؛ لأنه من فكر الماضي الذي لا يتوافق مع النظرة إلى المستقبل. أما العنصر الرابع فهو اهتمامه بتطوير التدريب الأهلي حيث صدرت قبل أسابيع القواعد التنفيذية للائحة التدريب في منشآت التدريب الأهلية، والتي تعتبر إنجازاً متميزاً يضع الضوابط اللازمة لانطلاقة جديدة ومميزة للتدريب الأهلي الذي يعول عليه في تدريب عالي الكفاءة وليس مقارّ تمنح شهادات للترقية في وظيفة حكومية أو محرد تحسين للسيرة الذاتية. اللائحة الجديدة ستعيد المصداقية إلى معاهد ومراكز التدريب الأهلي الذي نحن بحاجة ماسة إليه. الأهم في تلك اللائحة التي تدل دلالة واضحة على الفكر النير، هي الأجور المالية على الخدمات التي تقدمها المؤسسة للمنشآت التدريبية، وبالرغم من رمزية تلك الأجور إلا أنها بداية موفقة تؤسس لعلاقات متوازنة بين المؤسسة وقطاع التدريب الأهلي.
المحزن أن التدريب المهني لم يجد الاهتمام المطلوب من مجتمعين: مجتمع القطاع الخاص المعني بالنواحي المهنية والفنية والتقنية وأمور العمالة المدربة، كما لم يجد التدريب المهني الاهتمام من مجتمع الإعلام بكل أشكاله (المرئي والمسموع والمكتوب). ولا أظن أن القطاع الخاص يعرف حقيقة الإمكانيات الموجودة لدى المؤسسة وما يمكنها تقديمه لهذا القطاع الذي يتردد في السعودة، ويردد حجة عدم وجود شباب سعودي مدرب ومؤهل. لا أعرف كم من أصحاب المصانع أو المقاولات أو الشركات الكبيرة يعلم أن الكلية التقنية في الرياض، بمفردها، تضم أكثر من 8800 طالب وتضم معامل وتجهيزات لا تملكها كثير من المعاهد العليا والكليات في بريطانيا العظمى، ونزيد الإخوة رجال الأعمال من الشعر شطراً؛ أن أرامكو وسابك والهيئة الملكية للجبيل وينبع ذات المواصفات القياسية العالية في الأداء يتسابقون على خريجي التدريب المهني، وأبناء المحافظ الأزرق. يعرف الإخوة (رجال الأعمال) الحقيقيون والجادون أهمية التدريب، كما يعرفون أن العالم المتقدم الذي يولي التدريب أهمية قصوى قد اتجه إلى ما يطلق عليه (التعاقد الخارجي) Out Sourcing كوسيلة جديدة لخفض التكاليف وزيادة الجودة في رأس المال البشري. المحافظ الأزرق بعقليته المنفتحة ورؤيته البعيدة، وأهم من ذلك، عدم اعترافه بالبيروقراطية و(فذلكة) الاجتماعات والدراسات، إضافة إلى ما يملكه من عشق لما يقوم به ولأبنائه الطلبة المهنيين سيمكن القطاع الخاص من الحصول على كنز حقيقي في رأس المال البشري؛ وبذلك يحققون السعودة، ويخدمون أنفسهم ووطنهم، وأهم من ذلك، يمكنهم الحصول على التأشيرات، هدفهم الأسمى، بدون أدنى جهد. أما مجتمع الإعلام فالمطلوب منه أن يسلط الضوء على مصانع الرجال، ويبرز كثيراً من المجالات التي يمكن للمجتمع أن يستفيد منها؛ فليس من سمع كمن رأى، أو كما يقول المثل الغربي: Seeing is Believing.
*باحث سعودي
turadelamri@hotmail.com