Al Jazirah NewsPaper Tuesday  27/03/2007 G Issue 12598
الاقتصادية
الثلاثاء 08 ربيع الأول 1428   العدد  12598
قمة التضامن...الاقتصاد علاج السياسة
فضل بن سعد البوعينين (*)

يلتئم شمل القادة العرب في مملكة الإنسانية والسلام في قمة الرياض، قمة التضامن، يحدوهم الأمل الكبير في تذليل العقبات وتجاوز الخلافات، وتحقيق تطلعات الشعوب. كثير من الخلافات العربية لا ترقى إلى مستوى الخلاف، بل هي أقرب إلى المناوشات منها إلى الخلافات الدولية، ولعلها تكون جزءاً من موروث الثقافة العربية.

الشعوب العربية لا يمكن لها أن تعيش بعيدة عن السياسة؛ بهذا يقول خبراء الاجتماع، يتحدث العرب بفئاتهم المختلفة، كخبراء في السياسة!!، يتنفسونها كالهواء، يضعون خطط الحروب ويحللون المعارك ويرسمون الإستراتيجيات التي يعتقدون أنها موجهة لتدميرهم دون أن يبحثوا عن أسباب التدمير الحقيقية، التي يمكن أن تكون أراضيهم، قاعدة لها.

انخراط الرعية في شؤون الرعاة، واشغال أنفسهم في شؤون الساسة ربما كان سبباً من أسباب فشل الدبلوماسية العربية في تحقيق أمنيات الشعوب، وحقوق العرب، كلما وصل عقلاء الأمة إلى مرحلة الحسم في بعض القضايا المصيرية ارتفعت أصوات الشعوب المسيسة بشعارات التخوين التي تسهم في إعادة قضايانا المصيرية إلى نقطة الصفر. اجتمع وزراء خارجية الرباعية العربية السعودية، مصر، الأردن، والإمارات مع وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس لبحث عملية السلام والدور الأمريكي فيها، فتعالت أصوات الشارع العربي، والمحطات الفضائية المهيجة له بالحديث عن (الإملاءات الأمريكية) المزعومة.

الأمير سعود الفيصل نفى نفياً قاطعاً (وجود أية إملاءات على القمة العربية)، وأكد على أن (اجتماع أسوان ليس له علاقة إطلاقاً بالقمة العربية)؛ الوزيرة رايس نفت أن تكون قد طلبت إجراء أية تعديلات على المبادرة العربية، كما أن السعودية وعلى لسان وزير خارجيتها أوضحت أنه (ليس هناك تعديل لمبادرة السلام العربية وأنه سبق وتم تأكيد هذا الأمر عدة مرات)، ومع كل هذه الشفافاية والوضوح تصر بعض الفضائيات العربية على تسويق أفكارها (التخوينية) للشعوب العربية المسيسة. اليوم ربما تكون القمة العربية محظوظة أن تعقد في كنف المملكة العربية السعودية، وأن يتولى رئاستها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، قلب الأمة النابض، الذي شهد له التاريخ حرصه على وحدة الصف، ونبذ الفرقة، والسعي في ركب المصالحة العربية الشاملة، ودعم كل ما من شأنه الرفعة والعزة للإسلام والمسلمين.

ألأمير سعود الفيصل أكد على أن (قمة الرياض أفضل مناسبة لتجمع عربي يمكن من خلاله إتخاذ موقف عربي يمكن أن يواجه القضايا التي تهم الأمة العربية وحماية مصالح أوطانها وشعوبهم).

ربما تكون الفرصة مواتية لتأكيد ضرورة تفعيل مبادرة السلام العربية، ووضع الآليات المناسبة لتنفيذها، وجعلها محور القمة الرئيس، أن تخرج القمة بتصور شامل وقرار نهائي حيال القضية الأساسية خير من أن تتشت الجهود بين القضايا السياسية المتشعبة.

لا نريد للقمة أن تخرج بقرارات إعلامية متشعبة لإرضاء الأطراف العربية المتفرقة، بل نريدها أن تخرج لنا بثلاثة قرارات رئيسة حيال مبادرة السلام العربية، ورقة الأمن القومي العربي التي قال عنها سمو الأمير سعود الفيصل (إن هذه الورقة تم إعدادها من قبل الأمانة العامة للجامعة والجميع مهتم بها ليس فقط السعودية)، والسوق العربية المشتركة بما فيها منطقة التجارة الحرة، والاتحاد الجمركي، دعم الاستثمارات التنموية في الدول الأعضاء. أعتقد أن الوقت قد حان لتجاوز الخلافات السياسية العالقة من خلال الاقتصاد.

ربط الشعوب العربية بمصالحها الاقتصادية والمعيشية قد يكون سبباً من أسباب إحداث التغير الكبير الذي يبحث عنه الساسة.

أعتقد أن التركيز على القضايا الاقتصادية المشتركة، وتنمية اقتصادات الدول العربية يفترض أن يكون في مقدمة اهتمامات القادة العرب على أساس أن الروابط الاقتصادية الوثيقة بين الدول العربية هي الكفيلة بتوحيد المواقف السياسية التي تعاني من تشتت الرؤى، وإختلاف المواقف.

يجب أن نعترف بأن الدول العربية قاطبة لا تستطيع تحقيق أهدافها السياسية دون توحيد المواقف، وهو أمر غاية في الصعوبة إلا أنه ليس بالأمر المستحيل، خصوصاً إذا ما سعينا إلى تحقيق أهداف الربط الاقتصادي المفضي إلى إندماج اقتصادات الدول العربية بشكل لا يسمح باستغناء دولة عربية عن شقيقاتها الأخريات.

لذا أعتقد أن من أهم القضايا الاقتصادية التي يفترض أن تناقشها القمة العربية قضية (السوق العربية المشتركة) وتشجيع الصادرات البينية، ورفع القيود التي تمارسها بعض الدول العربية على المنتجات العربية، وتنفيذ القرارات ذات العلاقة بالاتحاد الجمركي المشترك.

ومن القضايا المهمة أيضاً تشجيع الاستثمار بين الدول الأعضاء، والعمل على إنشاء المشروعات التنموية المنتجة في الدول العربية المختلفة على أسس من الجدوى الاقتصادية، واستغلال الموارد الطبيعية المهدرة في الدول الأعضاء على أسس استثمارية تنموية تكفل لنا تحقيق العوائد المجزية وتنمية الدول العربية الفقيرة، والاسهام في عمليات التنمية البشرية من خلال المشروعات المنتجة.

من أهم القضايا الحساسة التي يمكن أن تسهم في تطوير الوضع الاقتصادي العربي هي (فصل الخلافات السياسية عن العلاقات الاقتصادية). كثير من المشروعات الاقتصادية التنموية تعطلت نتيجة لخلافات سياسية عارضة، وكثير من خطط تشجيع التجارة البينية دمرت لأسباب سياسية، بل إن الخلافات السياسية العربية ربما قادت إلى خلق مشروعات عربية متنافسة بدلاً من العمل على خلق المشروعات الاقتصادية التكاملية.

لدينا وفرة في رؤوس الأموال وثروات طبيعية غير مستغلة، بقليل من الحكمة والتروي والتنسيق الاقتصادي المثمر يمكن أن نبني قوة اقتصادية متميزة تسهم في تنمية الدول العربية وشعوبها، وتحقق لها الحماية من الأخطار المحدقة.

يمكن للزعماء العرب أن يضعوا الأسس القانونية الكفيلة بحماية الاستثمارات البينية، ودعمها ومعاملتها كاستثمارات محلية مع إعطائها كافة الامتيازات والحقوق التي تعطى للمستثمرين المحليين.

تسهيل حركة رؤوس الأموال بين الدول العربية كفيل بتطوير الوضع الاقتصادي العربي من خلال التنمية ونقل الخبرات، والاستثمار في قطاعات الإنتاج التنموي.

أجزم بأن المملكة لم تدخر جهداً في تهيئة الظروف المناسبة لإنجاح القمة، بعيداً عن التدخلات الخارجية، وأجزم بأن القرارات المصيرية لن تكون مستحيلة أمام الإرادة العربية الصادقة، إلا أنها تحتاج إلى التوكل على الله ومراقبته أولاً وأخيراً، ثم إلى الجهود والتضحيات، والصدق والأمانة، والنظرة الثاقبة لمستقبل الأمة.

f.albuainain@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد