الاعتقاد السائد لدى الدوائر المتابعة للتحضير للقمة العربية أن مبادرة السلام العربية هي قوام هذه القمة، وهي ذات المبادرة التي طرحتها المملكة في قمة بيروت عام 2002م دون أي تعديل. وقد أكدت المملكة على هامش لقاء اللجنة الرباعية مع وزيرة الخارجية الأمريكية أول أمس أنه لا تعديلات على هذه المبادرة، وهذا الموقف يحظى بإجماع عربي عام، خصوصاً في وجه التكهنات المتناثرة هنا وهناك عن اقتراحات من خارج الوطن العربي لإدخال بعض التعديلات، وقد رافقت هذه التكهنات الجولة الحالية للوزيرة الأمريكية في المنطقة.
فالقمة ستركز على المبادرة، وهذا هو الرأي السائد، باعتبار أنها تمس القضية الجوهرية في المنطقة وهي القضية الفلسطينية، ومع التسليم بما تحظى به من إجماع، فإن التركيز سيكون على ابتداع الآليات المناسبة للمضي قدما نحو خطوات عملية، وهذا بالطبع يتطلب تحركاً من الجانب الآخر طالما أن هناك شبه إجماع دولي على هذه المبادرة، ومن ثم فإن الجهد الدولي المقابل للاستعداد العربي ينبغي أن يركز على حمل إسرائيل الاقتراب من الطرح العربي.
وتطلق إسرائيل حيناً بعد الآخر، وبخاصة في الفترة الأخيرة، تصريحات ترحب ببعض أجزاء المبادرة، لكن إسرائيل ترنو إلى تعديلات جوهرية تجعل من المبادرة مسخاً مشوهاً ومشروعاً إسرائيلياً من أعلاه إلى أخمص قدميه، وهي هنا تكون مضت بعيداً عما يمكن أن يطلق عليه سلام؛ فإسرائيل لا تطيق مطلقاً الحديث عن حق العودة، ولا عن دولة فلسطينية على كامل الضفة الغربية وقطاع غزة، وواقعياً فإن إسرائيل لم تترك مساحة أن تقام عليها دولة فلسطينية في الضفة مع كل هذه الكيانات الاستيطانية الكبرى والسور العازل.
وإن كان لواشنطن أن تلعب دوراً في السلام، فعليها أن تسعى لتعديل الموقف الإسرائيلي ليتواءم مع ما تطرحه المبادرة العربية؛ فالمبادرة تعكس التزاماً عربياً بالتطبيع مع إسرائيل في حال إقامة السلام الذي يتحقق من خلال انسحابها بالكامل من الضفة الغربية وضمان حق العودة حتى يمكن إقامة الدولة الفلسطينية، وهذا الطرح العربي يتفق مع ما ذهب إليه الأمريكيون بشأن قيام الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية.
وستضرر عملية السلام كثيراً في حال تفويت هذه الفرصة التي تقدم سلاماً حقيقياً يتوفر على ضمانات العيش في سلام لكل الأطراف، وسيكون البديل هو العودة إلى الدائرة المفرغة التي تفرز المزيد من العنف والمصاعب التي تتطلب بدورها جهداً أكبر حتى يمكن التخلص من تبعاتها، وهي ذات الدائرة المغلقة التي انحبست فيها المنطقة طوال عقود من الزمان والتي يعني استمرارها المزيد من التعقيدات وضياع ملامح الحل وسيادة مفاهيم وتطبيقات العنف بمختلف مسمياته.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244