ثمة رجال يرحلون عن هذه الدنيا الفانية، لكن تظل سيرتهم وسمعتهم النيّرة تلوح في أُفق الذاكرة سنوات وسنوات.. فمن هذه النماذج الرائعة التي حفرت اسمها في صخرة الذاكرة الرياضية صاحب السمو الملكي الأمير الراحل فيصل بن فهد - رحمه الله -.. هذه الشخصية الكرازمية التي تميزت بفكرها الرياضي القيادي وموهبتها الفطرية في فن التخطط والعمل المدروس، وخلال فترة رئاسته الذهبية التي امتدت لأكثر من ربع قرن من الزمن استطاع أن ينقل الرياضة السعودية من عالم البداية إلى عالم الريادة كانت كفيلة بأن تضعه في مصاف القياديين البارزين في المجال الشبابي والرياضي. وفي (الجزيرة) نحرص دائماً أن نكون أوفياء مع كل من خدم الوطن في هذا الشأن الحيوي.. واليوم نسلط الضوء على جانب من حياة رائد النهضة الرياضية الحديثة الأمير فيصل بن فهد - رحمه الله -. تطالعونها عبر الأحداث التالية:
الولادة بالرياض
* وُلد صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - في العاصمة الرياض عام 1364هـ، وتلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي في معهد أنجال الملك سعود (العاصمة حالياً).. وبعد تخرجه من الثانوية ابتعث إلى خارج المملكة وتحديداً للولايات المتحدة الأمريكية والتحق بجامعة كاليفورنيا بمدينة سانتا باربرا وحصل - رحمه الله - على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والاقتصادية عام 1390هـ.
البداية بمعهد الأنجال
* بدأت علاقته مع الرياضة وعشقها يتسلل إلى فؤاده في معهد الأنجال حيث مارس (رحمه الله) مختلف أنواعها خصوصاً كرة القدم بالمعهد، ثم بدأ يتبلور هذا العشق ليصبح رئيس شرف بفريق اتحاد الرياض (أواخر عقد السبعينيات الهجرية) قبل حله وكان يرأس النادي آنذاك مبروك الصالح وشعاره الأصفر والأسود تيمناً بشعار اتحاد جدة ولم يستمر الأمير الراحل طويلاً مع اتحاد الرياض نظراً لاهتمامه الكبير بالتحصيل العلمي.
91 رشح مديراً لرعاية الشباب
* ففي النصف الثاني من عقد الثمانينيات الهجرية ابتعث سموه لأمريكا فالتحق بجامعة كاليفورنيا وعقب عودته عام 1390هـ وهو مرصع بالعلم والمعرفة تم تعيينه مديراً عاماً لرعاية الشباب بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية وذلك خلفاً لمديرها السابق الأمير خالد الفيصل الذي نُقل لإمارة منطقة عسير عام 1391هـ.. وفي عام 1394هـ وافق جلالة الملك فيصل (طيَّب الله ثراه) على إنشاء المجلس الأعلى لرعاية الشباب وتعيين الأمير فيصل بن فهد رئيساً عاماً لرعاية الشباب.
قصة التعيين!
* ولتعيين الأمير الراحل مديراً عاماً لرعاية الشباب قصة يرويها المؤرخ الرياضي الكبير الدكتور أمين ساعاتي ل(الجزيرة).. يقول أبو تميم: كنا نجلس في ديوان رائد الرياضة الأول بالمملكة الأمير عبدالله الفيصل (أطال الله في عمره) وكان - حفظه الله - يعوّدنا أن يبث حديثه إلى جلساء مجلسه بتركيز شديد وكان يتحدث عن القضايا المطروحة ثم يتأمل ويفكر.. وفجأة رفع سموه الكريم سماعة الهاتف وطلب حضور معالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية الشيخ عبد الرحمن أبا الخيل وبعد مجيء معاليه لقصر سموه أخبره أن أخاه سمو الأمير خالد الفيصل سيترك رعاية الشباب بعد صدور القرار الملكي أمس بتعيينه أميراً على منطقة عسير واقترح على مدير العمل والشؤون الاجتماعية أن يحل محله سمو الأمير فيصل بن فهد (27 عاماً) الذي كان متخرجاً حديثاً من إحدى الجامعات الأمريكية ووافق معالي الوزير على اقتراح رائد الرياضة.. وبعد يوم صدر قرار بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد مديراً عاماً لرعاية الشباب خلفاً للأمير خالد الفيصل.. وكان رائد الرياضة يردد في مجلسه أنه مرتاح ومتفائل بمستقبل الرياضة والشباب بقيادة الأمير فيصل كشخصية ملائمة ومثقفة وهو الأنسب بالتأكيد.
شخصية غير عادية
* ويضيف المؤرخ الرياضي المعروف الدكتور ساعاتي قائلاً إنه قام بزيارة للأمير فيصل بعد صدور قرار تعيينه في منصبه الجديد لتهنئته وكنت حريصاً على طرح كثير من الأسئلة والتساؤلات على طاولته.. وكان (رحمه الله) كالكتاب المدروس يعرف عن مشاكلنا أكثر مما نعرف.. وفي ذهنه تمتشق الأفكار الملائمة لتطوير الحركة الرياضية وإعادة صياغتها وتنظيمها.. وأدركت بالفعل أنه إنسان يركض خلف التطوير وحب الإنجاز.. يحب أن يسابق الزمن.. أهم ما يميزه (رحمه الله) كان لديه قدرة على التهيؤ.. كان يتحدى وطموحاته وتطلعاته تحضه على مزيد من التحدي.. وأتذكر جيداً أنني تشرفت بنشر اللقاء هذا في صحيفة عكاظ.. وكان لهذا الحديث المباشر أصداء عريضة وارتياح واسع من الرياضيين نحو مستقبل الشباب والرياضة في مملكتنا الحبيبة.
طموح وآمال
* عندما تسنم الأمير الراحل منصبه الجديد وهو مفعم بالطموح الكبير والآمال العريضة استطاع أن يبني الأندية ويعمر الحركة الرياضية وأن يحقق للأندية أمانيها وذلك بامتلاكها المقرات والملاعب والمنشآت، في الوقت الذي كانت فيه هذه المقرات شبه معدومة.. وجاءت خطة التنمية الأولى لرعاية الشباب أوائل التسعينيات الهجرية متزامنة مع تولي الأمير فيصل بن فهد سدة الرئاسة ليحدث نقلة نوعية للرياضة السعودية وإخراجها من حالة الركود والجمود إلى حالة الوهج والديناميكية وقد حفلت هذه الخطة وما تبعها من خطط تنموية أخرى في عهد رئاسته حفلت بكثير من المعطيات والمكتسبات التي كانت تهدف إلى رفع كفاءة اللاعب والمدرب والحكم والإداري والارتقاء بالمستوى الشبابي والرياضي على وجه العموم، وذلك من خلال إعادة صياغة وتنظيم أهداف رعاية الشباب (هياكلها وأجهزتها وميزانيتها) وغيرها من البرامج والمشاريع التي تجاوزت الرئاسة الكثير منها وقد واستطاعت بالفعل أن تحقق تقدماً نوعياً مذهلاً خلال مراحل التنمية الخططية التي رسم إستراتيجيتها الأمير الراحل فيصل بن فهد - رحمه الله - جعلت صرح الشباب والرياضة يتبوأ مكانة بارزة بقيادته.
الدخول لبوابة الإنجازات
* وأمام هذه المعطيات والمكتسبات التي قدمها فقيد الرياضة العربية للرياضة السعودية وصلت هذه الرياضة إلى بوابة الإنجازات والبطولات لأول مرة وذلك من خلال العمل المدروس والإعداد الجيد للبرامج والخطط التنموية التي وضع سياستها العريضة (رحمه الله) حيث تمكن المنتخب السعودي الأول من تحقيق بطولة كأس الأمم الآسيوية لأول مرة عام 1984م ثم تمكن منتخب المملكة للناشئين بالفوز ببطولة كأس العالم للناشئين كأول إنجاز على المستوى العربي والآسيوي بالإضافة إلى البطولات السعودية السنية والأندية فضلاً عن تأهل الأخضر لنهائيات كأس العالم كإنجاز كبير يضاف إلى سجل الرياضة السعودية في عهد رئاسة الأمير الراحل.
لقد نجح (فيصل بن فهد) - رحمه الله - في نقل الرياضة السعودية لآفاق أوسع وأرحب وذلك بفكره النير وموهبته الإدارية الفطرية الكرازمية.. نعم لقد استطاع بموهبته الرياضية القيادية أن يتسنم العديد من المناصب المحلية والعالمية والإقليمية والعربية والخليجية فهو كان الرئيس العام لرعاية الشباب ورئيس اللجنة الأولمبية العربية السعودية ورئيس الاتحاد العربي للألعاب الرياضية ورئيس الاتحاد العربي لكرة القدم وعضو اللجنة الأولمبية الدولية إلى جانب رئاسته الفخرية للمنظمة الدولية للفن الشعبي في النمسا.
وهكذا في غضون عقدين ونصف العقد من الزمن تقريباً استطاع ابن الوطن البار فيصل بن فهد أن ينقل الرياضة السعودية من عالم البداية إلى عالم الريادة بموهبته الرياضية القيادية وسماته الفكرية النيرة - تغمده الله بواسع رحمته -.
رائد النهضة الرياضية الحديثة
* أما وفاته - رحمه الله - فكانت في عام 1420هـ وبرحيله خسرت الرياضة السعودية رائداً من رواد الحركة الرياضية الحديثة وأحد رجالها الأوفياء ممن خدموا مسيرتها البناءة أكثر من عقدين ونصف من الزمن تحققت خلالها العديد من المكتسبات والمعطيات التي جسدها أميرنا الراحل ففي عهد رئاسته حصلت طفرة نوعية للرياضة السعودية لتتسنم مكانة بارزة وعالية على كافة المستويات وذلك في غضون فترة قياسية وبالمقابل كان - رحمه الله - يقف خلف استمرار البطولات ودعم الملتقيات الرياضية الشبابية العربية وذلك من منطلق حرصه على لمّ الشمل العربي تحت مظلة واحدة عنوانها: روح التنافس الأخوي الشريف على مستوى المنتخبات والأندية يكسو ذلك روح المحبة والتضامن بينهم.. فضلاً عن مساهمته في حل المشاكل التي تواجه الاتحادات العربية ودعمها مادياً ومعنوياً حتى تستمر أنشطتها لبلوغ أهدافها.
أما على صعيد أعماله الإنسانية والخيرية فإن الحديث عنها يحتاج بالتأكيد إلى مجلدات ورصدها يحتاج إلى صفحات وصفحات لأنه رجل جُبل على حب الخير والإنسانية فهناك كثير من الحالات الإنسانية للرياضيين وغير الرياضيين تبناها فقيدنا الغالي فيصل بن فهد في صورة تنم عن اهتمامه بشكل مباشر بهذا الجانب.
جوائز وأوسمة
* وتقديراً للدور الريادي الذي لعبه الأمير الراحل في رسم ملامح التفوق الشبابي والرياضي في مجالات عدة حاز - رحمه الله - على العديد من الأوسمة الرفيعة والجوائز التقديرية منها:
- وشاح الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى.
- وشاح الملك فيصل بن عبدالعزيز من الدرجة الأولى.
- وسام دولة الكويت من الدرجة الأولى.
- وسام الجمهورية التونسية من الدرجة الأولى.
- ميدالية منظمة الصحة العالمية في اليوم العالمي للتوقف عن التدخين.
- الميدالية الذهبية لمجلة بطل إفريقيا الرياضية في تونس.
- اختياره رجل الرياضة العربية الأول لعام 1988م.
- شهادة الدكتوراه الفخرية من الأكاديمية الأمريكية الرياضية.
- العضوية الفخرية للاتحاد الدولي للصحافة الرياضية.