أكد عدد من الاقتصاديين والخبراء أن قرار مجلس الوزراء الموقر الذي ينص على تفعيل الدور التنموي للقطاع المصرفي بوضع سياسات وآليات لتوفير الاحتياجات التمويلية للقطاعات الإنتاجية القادرة على تنويع القاعدة الاقتصادية على أن المجلس يتابع بدقة احتياجات المجتمع الضرورية، وخصوصا التنموية المتخصصة ذات الأبعاد الاقتصادية الدقيقة التي يمكن من خلالها تحقيق أهداف كثيرة، اقتصادية، اجتماعية، سياسية وأمنية أيضا.
فقال الخبير المصرفي فضل بن سعد البوعينين: لقد أصبح المواطن السعودي محورا رئيسا في معظم القرارات الحكومية، بل لعلي لا أبالغ إذا قلت إن هناك الكثير من القرارات السياسية التي أعيد تشكيلها مراعاة لاحتياجات المواطنين الداخلية والخارجية، ولا مجال لتفصيلها في هذه العجالة، إنما أردت أن أبرزها للتمعن والتذكير.
وتناول البوعينين الاحتياجات التمويلية للقطاعات الإنتاجية القادرة على تنويع القاعدة الاقتصادية موضحا بعض آليات التمويل المصرفي في العقدين الماضيين للمقارنة.
فالبنوك بدأت منذ إنشائها تمويل القطاع الخاص على وجه الخصوص ثم وجهت سيولتها نحو السندات الحكومية التي استحوذت على جزء كبير من قدرة البنوك على الإقراض ما أدى بطبيعة الحال إلى انخفاض قدرتها على تمويل المشاريع الخاصة، والإسهام في تنمية القطاع الخاص. ومع تحسن الأوضاع المالية للدولة بدأت البنوك تسييل السندات الحكومية إلا أنها آثرت الدخول في التمويل الاستهلاكي بدلا من الدخول في قطاعات الإنتاج.
تلك المرحلة خلقت أزمة حقيقية للمواطنين الذين أصبحوا مرتهنين للبنوك مقابل قروض استهلاكية تبخرت في اليوم الأول لاستلامها واصلت البنوك توجهها التمويلي الخاطئ ودخلت هذه المرة في تمويل شراء الأسهم ما أدى إلى ارتفاع سيولة السوق والمضاربين وهو دون أدنى شك السبب الرئيس الكامن خلف تضخم الأسعار. بعد الانهيار أصرت البنوك على تحصيل ديونها ما أدى إلى تحميل المواطنين الخسائر الفادحة في رؤوس أموالهم، أي أنها منعت القروض الإنتاجية في البداية ثم ما لبثت أن قضت على رؤوس الأموال التي يمكن أن توجه للقطاعات المنتجة من خلال إرغام أصحابها على البيع بخسارة في سوق الأسهم فتبخر ما نسبته90 في المائة منها ولم يتبق لهم إلا العشرة الباقية!
من هنا برزت الحاجة لإعادة تشكيل استراتيجية التمويل على أسس إنتاجية تنموية تكفل للوطن والمواطنين إعادة تشغيل عجلة إنتاج القطاع الخاص المُعطلة.
قرار حكيم
وقال عندما ينظر مجلس الوزراء الموقر في تفاصيل التفاصيل ثم يبدأ برسم السياسة التمويلية الجديدة على أسس تنموية تكفل للمجتمع وأفراده الخير الكثير وتحقق للبنوك ربحيتها المطلوبة فذاك وربي القرار الحكيم، وهو القرار الذي نُنتظر تفعيله وتطبيقه في أسرع وقت ممكن.
وذكر البوعينين أن هناك قطاعات اقتصادية تنموية هي في أمس الحاجة إلى دعم البنوك لها. فالقطاع العقاري هو من أكثر القطاعات المستفيدة من مثل هذا القرار على أساس أن الكثير من المواطنين ممن يمتلكون الأراضي التجارية والسكنية البور التي لا يستطيعون بنائها بسبب نقص السيولة، فالتمويل المصرفي التنموي يمكن أن يسهم من خلال الرهن العقاري بتنمية ملاك هذه الأراضي وتنمية المدينة الحاضنة لها وتنمية الاقتصاد بأكمله، قطاع المشروعات الصغيرة التي تعد القاعدة الأساسية لاقتصادات الدول، هي في أمس الحاجة إلى الدعم والتمويل من خلالها يمكن أن تتنوع قاعدة الإنتاج، والدخل، ويقوى الاقتصاد بإذن الله. قطاع المشروعات الاستراتيجية التي تحتاج إلى التمويل، والإدارة التمويلية والاستشارية المتخصصة، من أجل حماية هذا الكيان من تقلبات الأحداث. وأخيرا هناك بعض القطاعات الحكومية التي يمكن أن تتحول إلى القطاع الخاص من خلال الخصخصة، لكنها في الوقت نفسه لا يمكن أن تنجح دون أن تتوافر لها الأموال الكافية لمواصلة مشاريعها الخدمية، فلو أن القطاع المصرفي تولى تمويل هذه المشروعات الضرورية بعد الخصخصة، فإننا سنضمن استمرارية تقديم الخدمات بجودتها المعهودة، أو ربما أكثر من ذلك، في الوقت الذي ستوجه الدولة رعاها الله الأموال المخصصة لها سابقا لتنمية المناطقة، النائية منها على وجه الخصوص.
واشار إلى أن هناك القطاع التعليمي الخاص أيضا الذي يعاني من عزوف القطاع المصرفي عن تمويل مشروعاته، والقطاع الصحي الذي يحتاج إلى أموال ضخمة للارتقاء بخدماته وتخفيض تكلفته على المستوى المحلي.
مثل هذه التوجهات لن يقدم عليها القطاع المصرفي دون أن تكون هناك استراتيجية شاملة لتمويل المشروعات التنموية المنتجة، خصوصا إذا ما تحدثنا عن الضمانات المقدسة لدى القطاع المصرفي. لعل الدولة رعاها الله تسعى لتقديم مثل هذه الضمانات لتفعيل الاستراتيجية الجديدة.
التمويل الإنتاجي سيختزل سنوات التنمية
وقال البوعينين: إن التمويل التنموي سيكفل - بإذن الله - نهضة تنموية شاملة على محورين أساسيين محور المشروعات الحكومية الممولة ذاتيا، ومحور المشروعات التنموية الخاصة الممولة من قبل البنوك، وبذلك نستطيع تحقيق أهدافنا التنموية في مدة زمنية قصيرة تصل إلى نصف المدة الحالية أو ربما الربع، دون أن أكون مبالغا في ذلك. وأستشهد هنا بالتنمية الخاصة التي حدثت في مدينتي دبي وأبوظبي الإماراتيتين، حيث كانت المصارف خلف ذلك النجاح المحقق، وقد فصل مثل هذه الأمر في أكثر من مقالة سابقة.
تفعيل دور القطاع المصرفي
فيما قال د.خالد محمد الخضر الخبير الاقتصادي: لا جدال أن قوة القطاع المصرفي هي قوة للاقتصاد الوطني ككل، ولا نأتي بجديد إذا قلنا إن الدور المصرفي الفاعل في كافة القطاعات الاقتصادية والمالية لأي بلد هي من أهم المقومات والدعائم التي تستند عليها اقتصاد الأمم والشعوب، ومما لا شك فيه فإن تفعيل الدور التنموي للقطاع المصرفي وضع السياسات والآليات لتوفير الاحتياجات التمويلية وخاصة للقطاعات الإنتاجية هي من أهم الأسس التي تقوم عليها اقتصادات الدول كما ذكرنا آنفا، وان القرار المؤيد من مجلس الوزراء الصادر في 29-2-1428 الموافق 19-3-2007م، هو قرار يصب في تعزيز وتأييد هذا التوجه، وقبل الدخول في الرؤية في هذا التوجه وقراءة ايجابيات هذا القرار فإننا نضع أمام القارئ الإحصاءات الصادرة عام 2006م والتي تشير إلى أن القروض الممنوحة من المصارف السعودية وهي قروض شخصية (استهلاكية) وصلت إلى 84 مليار ريال أي حوالي 22% من قيمة الناتج المحلي تعد هذه القروض قروضا استهلاكية وليست إنتاجية أو موجهة للقطاعات الداعمة للاقتصاد السعودي وناتجة معظمها من الارتفاعات التي حصلت في سوق الأسهم السعودي وذهبت معظم هذه القروض داخل سوق الأسهم السعودي، ما اقصده أنها لم تكن قروضاً فاعلة وتدعم دفة وعجلة الاقتصاد الوطني وتحتل80% من القروض الإجمالية التي منحها المصارف السعودية وهي عكس التوجه العالمي لمعادلة القروض والتي يزيد فيها الإقراض للقطاعات الإنتاجية في الدول المتقدمة لأكثر من90% وتنحصر تلك القروض الاستهلاكية في بحر الـ10% أو تزيد قليلا، ولا يزال دور المصارف السعودية دورا هامشياً في قضية التمويل والإقراض نتيجة لعدم وضوح وشفافية الإقراض وكذلك عدم تأطير آلية القروض التأطير القانوني الذي يضمن أن تكون تلك الآلية آلية عادلة للطرفين وتضمن الحقوق والواجبات للمقرض والمقترض، وعند ذكر تجارب الدول المجاورة يذكر مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية في دولة الإمارات أن دور القطاع المصرفي في التنمية الاقتصادية لا يزال هامشيا ومتعثرا، ويرى التقرير أن إيرادات صادرات النفط القياسية والنمو الاقتصادي لدولة الإمارات لم تؤثر في فاعلية دور الإقراض ذلك أن القطاع الخاص لا يزال يعاني من مشاكل هيكلية خطيرة مثل ارتفاع كلفة عملياته المصرفية وضعف نظام إدارة المخاطر وتدني جودة الأصول حيث تحد هذه المعوقات من مقدرة القطاع المصرفي من أداء دوره في تعزيز النمو، وهذا يدل على أن المشاكل التي تواجه البنوك والمصارف تنحصر في قضية ارتفاع درجة المخاطر في عملية الإقراض وهو ينطبق كذلك لدينا في عملية الإقراض، وان كان هناك دور خجل تقوم به المصارف السعودية بخطوات بطيئة ففي آخر كلمة لمحافظ مؤسسة النقد العربي السعودي في 17-1-2007 حول الدور المصرفي في تمويل الإسكان ذكر أن تزايد مساهمة القطاع المصرفي في عملية تمويل الإسكان حال صدور نظام الرهن العقاري وتجدر الإشارة أن حجم التمويل العقاري المقدم من المصارف التجارية بلغ نجو 13.4 مليار ريال حتى نهاية الربع الثاني من 2006 وقد أعطت المؤسسة موافقتها لعدد من المصارف لطرح منتجات التمويل العقاري، وقامت المصارف بمبادرة لإنشاء صناديق استثمارية عقارية، واعتقد أن تفعيل هذا الدور الإقراض يعطي دورا داعما للاقتصاد الكلي في بلدنا ففي تجارب سبقتنا في دول أوربية وكذلك في سنغافورة بعض الدول الآسيوية والتي تم تطوير سياسة الإقراض المصرفية فيها وتوجيهها إلى القطاعات الإنتاجية الفاعلة في نمو الاقتصاد الكلي هو عملا محمودا نتمنى أن ينتهج لدينا وان تلعبه تلك المصارف وعلى سبيل المثال يجب أن تصب تلك الإقراضات في دعم المنشآت الصغيرة وكذلك الصناعات الأساسية والتحويلية وكذلك الصناعات التحويلية الزراعية وما إلى ذلك، هناك بعض المعوقات التي تواجهها المصارف في عملية الإقراض للقطاع الخاص والقطاعات الإنتاجية وهي كثيرة نوجذها في الآتي: ضعف الضوابط الإلزامية على المقترض في حالة عدم سداده وتعثره عن السداد (قانون حازم لضمان سداد القروض)، ارتفاع درجة المخاطرة للمشاريع الصغيرة لافتقارها إلى الهيكلية الواضحة وعدم وجود دراسة جدوى اقتصادية مقنعة للطرف المقرض، عدم وجود تشريعات واضحة ومؤطرة لآلية الإقراض تضمن العدالة للمقرض والمقترض، ثقافة الإقراض ووضوح المعلومة للمقترض هي ليست بالدرجة الكافية المؤدية للتفاعل الايجابي بين المقرض والمقترض، يمثل الإقراض طويل الأجل خطورة مرتفعة تجعل من البنوك أن تتخذ موقف المتردد والمحجم، انتفاء وجود جهة ضاغطة على المصارف للقيام بدورها التمويلي المناط بها بالشكل الفاعل، وفي حالة انتفاء وتقليص ومعالجة تلك المعوقات فإن البيئة الإقراضية للمصارف ستكون في أحسن حالاتها وهذا ما ننادي به.