في الذكرى الرابعة للحرب الأمريكية على العراق صدرت إشارات متناقضة من البيت الأبيض حول الأوضاع في العراق، فبينما تحدث بوش عن أن النجاح سيستغرق بعض الوقت وأن مؤشراته تلوح في الأفق، فإن وزيرة الخارجية الأمريكية تحدثت بلهجة ملؤها التشاؤم عن إحباط واسع النطاق بين العراقيين وبين الأمريكيين لأن الحرب لم تحقق شيئاً.
والصورة الماثلة للأذهان أمام الجميع أن العراق تحول من أقصاه إلى أقصاه إلى محرقة للجميع؛ بدءاً من أهل البلد، وهم معظم الضحايا، وانتهاءً بالأمريكيين الباحثين عن نصر لا تلوح معالمه حتى الآن، ومع ذلك تحدث بوش عن ثمة أيام طيبة قادمة في الطريق، ولا يعرف المدى الذي ستأخذه هذه المحرقة حتى يمكن الحديث عن نجاح أمريكي، لكن من الواضح أن بوش يخوض سباقاً مع الزمن لإنجاز هدفه قبل أن يغادر البيت الأبيض.
ومن الواضح أيضاً أن السنوات الأربع كانت بمثابة درس آخر للمجمتع الدولي حول قصور النظرة الأحادية في عالم متعدد المشارب والمعتقدات والرؤى، وأن حقيقة أن هناك قوى عظمى وحيدة في العالم بالمعنى الاستراتيجي والعسكري للتعبير، لا يعنى إسقاط التطلعات والنوايا الأخرى في العالم، ومع ذلك فإن واقع الأحوال التي أمامنا تؤكد سيطرة هذه النظرة الأحادية المنطلقة من مقومات القوة العسكرية والاقتصادية.
وسيكون من المفيد أن يتواضع العالم على التأمل في التجربة العراقية من جهة استخلاص العبر والدروس بما يفيد الإنسانية جمعاء من خلال صوغ موجهات تبعد العالم عن الانفلات وتفسخ القيم والاعراف الدولية، فتكرار هذه التجربة في أي مكان آخر سيثبت أن العالم ينزلق بسرعة منتظمة نحو هلاك لا فكاك منه.
فقد أصابت هذه المحنة العالم أجمع، إذ سقطت مسوغات الحرب الواحدة تلو الأخرى، بدءاً من البحث عن أسلحة الدمار وانتهاءً بالقضاء على الإرهاب، فلم تعثر القوى التي غزت العراق قبل أربع سنوات وحتى الآن على أي أثر لأسلحة الدمار الشامل، كما أن الإرهاب المستهدف قد اتسعت مساحته، وأصبح العراق نهبا لمطامح ومطامع كل جماعات الإرهاب، وتحول إلى مستنقع آسن تستطيبه التنظيمات المارقة وشذاذ الآفاق والمرتزقة والمجرمون بمختلف صنوفهم وتعريفاتهم.
وفي ظل هذه الفوضى العارمة تسللت إسرائيل إلى هذه الساحة المثلى لممارسة أنشطتها الماكرة، وباتت رقما مهما في رسم الاستراتيجية وتنفيذها، خصوصاً وانها أدمجت اهدافها وتطلعاتها في السياق العام للحرب، وباتت تشكل موجها رئيسا في السياسيات المرتبطة بالحرب على نطاق المنطقة أجمع، وتشددت في شروط التسوية لترفض كل المبادرات الواحدة تلو الأخرى مستندة بشكل كبير إلى الحقائق الجديدة المتولدة عن غزو العراق وإلى وجود عسكري هائل في الجوار يتغاضى عن نواياها الشريرة.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244