Al Jazirah NewsPaper Wednesday  21/03/2007 G Issue 12592
الاقتصادية
الاربعاء 02 ربيع الأول 1428   العدد  12592
الكنز المفقود في فكر المطورين العقاريين
هل يدرك المطورون أنهم قد ينفذون مشاريعهم بدرجة مخاطرة 100%؟

يلعب القطاع العقاري في المملكة دوراً رئيسياً في عمليات التنمية الاقتصادية، حيث يساعد على استغلال العديد من المساحات والأراضي الراكدة أو ما يعرف بالأصول غير المستغلة. وبالتالي فإنه يساهم في تحريك واستثمار العديد من رؤوس الأموال العاطلة، والسعي لتحقيق العائد المناسب عليها. كما يؤدي دوراً إيجابياً في توفير المساكن وإقامة المصانع والمنشآت بأشكالها وأنواعها المختلفة، الأمر الذي يجعله يساهم في شتّى فروع الاستثمار الأخرى، بالتالي فإنه يعد كجزء مضيف للناتج القومي، ومن ثم يعزز عمليات التنمية الاقتصادية الشاملة في الدولة. ويشير أحد تقارير مجلس الغرف التجارية السعودية إلى أن حجم الاستثمارات في هذا القطاع تقدر بنحو 1.3 تريليون ريال، كما تنبأ التقرير بنمو هذا القطاع بنحو 2.9% سنويا نتيجة النمو السكاني المتزايد الذي تشهده المملكة.

مع ذلك، فقد شهدت أسعار العقارات في المملكة زيادات ملحوظة منذ نهاية الربع من الأول من عام 2006م. ويربط البعض بداية هذه الزيادات أولا بطفرة سوق الأسهم في عام 2005م، والتي تسببت بسحب السيولة من القطاع العقاري، بما أدى إلى انخفاض المعروض عن حجم الطلب، الأمر الذي تسبب في زيادة حجم الفجوة بين العرض والطلب من المنتجات العقارية. والبعض الآخر يفسر تزايد هذه الفجوة بتزايد حجم الطلب نتيجة تزايد حجم السيولة النقدية الناجم عن زيادة المعروض النقدي نتيجة ارتفاع أسعار النفط. فضلاً عن أسباب تدني معدلات التمويل العقاري المتاحة في السوق. وإذا كنّا نتفق مع هذه الآراء من حيث إن ارتفاع الأسعار ناتج جوهري عن تزايد حجم الفجوة العقارية، إلا أن هناك أسباباً أخرى قد تنال بعض الأهمية.

المحاكاة والتقليد أحد أسباب فشل المخططات العقارية

أول وأهم هذه الأسباب الأخرى ضعف التخطيط المسبق للمخططات العقارية، وانطوائها على قدر من العشوائية في الإعداد، وعدم الاهتمام بمرحلة ما قبل التنفيذ كثيراً. فتشهد مناطق معينة زيادة في المعروض، وفي حين تعاني مناطق أخرى من ندرته. في المقابل تشهد مناطق معينة طلباً عالياً، في حين تعاني مناطق أخرى من انعدام الطلب. فعندما نتحدث عن الفجوة، لا نتحدث عن فجوة على مستوى البلاد، ولكن نتحدث عن فجوة تتزايد في مناطق عديدة، في حين تنعكس في مناطق أخرى. فالتطوير العقاري لسوء الحظ لا يبحث عن مناطق الندرة في المعروض، ولكنه يتجه إلى المناطق التي نجح فيها عرض المنتج العقاري نتيجة تأثره بالمحاكاة والتقليد. فأنت لا تلبث أن ترى مخططاً حقق نجاحاً في منطقة معينة، إلا وتشهد بعده عشرات المخططات في نفس المنطقة. ينجح الأول، ثم يحقق الثاني بعض النجاح، ثم قد ينجح أو يخسر الثالث، ولكن الرابع والخامس والسادس، قد تشهد فشلاً ذريعاً نتيجة لتشبع المنطقة، وغياب الطلب. في المقابل، مناطق أخرى تعاني من اختناق إسكاني، طلبات كبيرة وكثيرة، ولكن لا يقبل عليها أحد، فالمطورون يصعب عليهم تصور أنهم سيكونون أول من يخترق هذه المنطقة، فالخوف والقلق شديدان من السعي لإنشاء مخطط في منطقة لم يذهب إليها المطورون الآخرون.

لماذا غالباً ما يرفض المطورون القيام بالدراسات السوقية؟

بالتحديد، تتمثل أحد أركان المشكلة في عدم اهتمام المطورين بالسعي دائما لتجميع والحصول على المعلومات الدقيقة والصحيحة والحديثة قبل اتخاذ القرار الاستثماري بالتطوير العقاري أيا كان شكله أو ما يعرف بإجراء بحوث السوق، ذلك الغائب في ميزانيات غالبية المطورين العقاريين. فالمطور يدرك أنه سيدفع مقابل البناء والتشييد لأنه يرى ناتج هذه التكاليف أمامه عينيه، لكنه يتردد كثيرا في أن يقوم بدفع أية تكلفة - مهما كان صغر حجمها - مقابل دراسة سوقية... فلماذا يبحث؟ وماذا سيقدم له هذا الاستشاري؟ هل سيقدم له أكثر مما يعرف؟ فالمطور حدد بنفسه موقع المشروع ورسم في خياله طبيعة وشكل منتجاته، وحدد عملائه، وانتهى الأمر... لم يتبق سوى التنفيذ. بل حتى من يسعى لإعداد الدراسات السوقية من هؤلاء المطورين، فإنما يُقبل عليها إما لأنها اشتراط أساسي من طرف آخر (غالبا بنك) للحصول على تمويل لمشروعه العقاري أو لأنه يرغب في أن يوثق أفكاره من خلال الطريقة العلمية التي يستخدمها الاستشاريون. إلا أنه بأي حال من الأحوال - إلا من ندر - لن يعتمد كثيرا على نتائج الدراسة السوقية، بدليل أن الكثير من المطورين يبدؤون في دراسة السوق لمشاريعهم بعد أن يكونوا قد بدؤوا بالفعل في مرحلة التشييد أو التنفيذ. وهنا تكون هذه الدراسات ما هي إلا تحصيل حاصل.

الدراسة السوقية هي وثيقة تأمين ضد المخاطر التي تحيط بالمنتج العقاري

إن المسوحات السوقية التي ينبغي إجراؤها لا تعد ضرورية فقط، ولكنها أساسية لنجاح هذه المخططات العقارية. فالمطورون المحترفون يستخدمون هذه المسوحات لتقليل حجم المخاطرة التي تكتنف تنفيذ مخططاتهم.

فخذ مدينتك كمثال - كما يقول Colm Dillon - هل تستطيع أن تقول لنا أين يعيش الأثرياء فيها؟ هل تستطيع أن تقول لنا أين يعيش الفقراء؟ هل تستطيع أن تقول لي في أي جزء من مدينتك يوجد طلب ومقدرة شرائية بالأسعار التي تستهدفها في مخططك التي تسعى لتنفيذه؟ بل هل أنت تعرف بالضبط كم السعر الذي ستشتري به أرضك في هذا الجزء من المدينة؟..... رغم أنك تعتقد أنه يمكنك الإجابة بسهولة على هذه الأسئلة في المدينة التي لطالما عشت فيها، إلا أن اعتقادك خاطئ، لأن أي مدينة تحدث بها تغيرات عمرانية وسكانية خلال فترات زمنية قصيرة لن تكون بالطبع على إلمام بها في كثير من الأحيان. وحتى إن عرفت بعض المعلومات عنها، فلا يوجد ما يؤكد هذه المعلومات، بالتحديد لن تستطيع أن تجيب لي على سؤال مستخدما مصطلح (بالضبط) بل كل إجاباتك ستأتي مستخدما (ربما)، ليس سوى لأنك غير متأكد تماما. إننا ينبغي أن نتحدث باستخدام مصطلح (بالضبط) لأن المطور المحترف ينبغي أن لا يعتمد على التخمين.

ماذا يعني البحث السوقي

للمطورين العقاريين؟

لذلك، فما هو البحث السوقي لمخطط عقاري؟ إنه باختصار استخدامي أنا وأنت للحس الواقعي. فنحن نحتاج أن نعرف أين يمكننا بسهولة بيع وحداتنا التي تم بناؤها حديثا؟ وبالمنطق فإن ذلك يعني أننا نحتاج أن نعرف كم (بالضبط) تكلفة الأرض في هذا الجزء من المدينة؟ وكم تبلغ تكاليف تمهيد وإعداد الأرض في هذا الجزء؟ وكم أعلى سعر يمكنني الحصول عليه من بيع الوحدة في هذا الجزء من المدينة؟

إن الدراسة السوقية ستخبرك كم ستدفع لشراء أرضك، وكيف ستحدد سعر بيع وحدتك، وستحدد لك كم ستحصل من ريالات في جيبك في النهاية. من هنا، فإن قليل من الجهد والتكلفة قد توفر عليك مخاطر كبيرة نتيجة فشل أو تعثر مخططك العقاري بالكامل. فقد تؤسس مشروعاً عقارياً في منطقة تشبعت العروض العقارية، أو قد تؤسس مشروعك في منطقة لا يوجد بها طلب، أو قد تؤسس مشروعك في منطقة بها طلب ولكن لا يمتلك هؤلاء الطالبون المقدرة على الشراء، أو قد تؤسس مشروعك في مكان تختلف فيه الأذواق والتفضيلات عمّا خططت من وحدات أو قد يصيب مشروعك أيا من أسباب الضعف أو الفشل نتيجة التخطيط الخاطئ. لذلك، فالدراسة السوقية تشبه القسط التأميني الذي يدفعه المستثمر الكبير أو حتى المستثمر الصغير على ممتلكاته ضد الحريق أو الحوادث، فقط أن الدراسة السوقية تتميز بالشمولية، فهي تأمين ضد ليس نوعاً واحداً من المخاطر، ولكن ضد كافة المخاطر المرتبطة بالطلب والمنافسين.

كيف يمكن تنفيذ مخطط عقاري مربح؟

إن السوق السعودي كما يقول العقاريون تعج بالفرص الاستثمارية الذهبية حالياً، وبخاصة في مجال الاستثمارات الإسكانية التي ظهرت مؤخراً كأنها تمثل سوقاً واعداً نتيجة الفجوة المتزايدة بين حجم المعروض والمطلوب من الوحدات الإسكانية. فهل تريد تنفيذ مخطط عقاري وترغب أن يكون مربحا!!! ماذا عليك أن تفعل؟ إن Colm Dillon مؤلف الكتاب الشهير Residential Development Made Easy يحدد لك 15 خطوة ينبغي عليك القيام بها حتى تضمن نجاح مخططك العقاري، هي:

1- المسح السوقي للمخطط العقاري.

2- شراء الأرض للمخطط.

3- دراسة الجدوى التمهيدية للمخطط.

4- بدء العمل مع مستشاري تصميم المخطط.

5- ترسيم خطط التصميم المبدئية.

6- تمويل المخطط.

7- دراسة الجدوى التفصيلية للمخطط.

8- الموافقات والتصديقات للمخطط.

9- اتخاذ الإجراءات التمويلية للمخطط.

10- رسم خطط تصميم البناء والتشييد التفصيلية.

11- تقديرات تكاليف التشييد.

12- إعادة حساب دراسة الجدوى.

13- بدء تنفيذ المباني.

14- وضع وتصميم خطط الترويج والبيع.

15- إتمام البيع.

ونلاحظ هنا أن مرحلة البحث السوقي جاءت على رأس المراحل التي ينبغي المرور بها لنجاح أي مخطط عقاري، وذلك دليل على أنها الأهم، وأنها المحدد الرئيسي لاتخاذ القرار الاستثماري ببدء السير في تنفيذ المخطط أو التوقف عنه تماماً. إن أي مخطط عقاري لا يمر بهذه المرحلة إنما يعرض استثماره لمخاطر التعثر أو الفشل التام. إننا لا نتصور حال مستثمر قد اكتشف أي مخاطر أو تهديدات تحيط بمشروعه العقاري في مرحلة لاحقة بعد بدء التنفيذ، إنها بالطبع مخاطرة قد تصل حدودها إلى ضياع رأس المال المستثمر بالكامل... فهل نحافظ على استثماراتنا بدفع قسط استشاري قد لا تتجاوز قيمته 0.01% من قيمة رأس المال المستثمر؟

د. حسن الشقطي -محلل اقتصادي ومالي


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد