من يتابع السياسة السعودية يجدها سياسة هادئة في التعاطي مع الأحداث، ومتسمة بالعقلانية، وبعيدة عن المزايدات التي لا تسمن ولا تغني من جوع. وفي الوقت نفسه السياسة السعودية لا تقبل بالتفريط في الحقوق المشروعة، ولا تتجاوز الثوابت الإسلامية والعربية. وفي الشرق الأوسط حيث الأزمات تتوالى من منطقة إلى أخرى بسبب المتغيرات الداخلية والخارجية والخيوط المتشابكة التي تنسج هذه الأزمات، تتعالى فيه الأصوات الديماغوجية والتصرفات غير المحسوبة، وجر المنطقة إلى أتون صراعات لا يعرف أولها من آخرها.
وعلى الرغم من الاحتقان الشديد الذي ابتليت بها المنطقة العربية، فإن قلة من الدول التي استطاعت المحافظة على المعادلة الصعبة، وهي الدبلوماسية الهادئة مع ثبات الموقف بشأن الحقوق. فثمة دول انجرّت خلف الديماغوجية الرعناء، وجرّت شعوبها نحو أزمات طاحنة أفقدتها المكتسبات التنموية. على حين ذهبت دول أخرى إلى تقديم التنازلات بلا مقابل يوازي هذه التنازلات، وأصبحت بلا هوية، ولا انتماء. فتارة مع القضايا العربية وتارة تتبرأ منها بحجج واهية.
والمملكة من الدول القليلة التي استطاعت - وعبر تاريخها - المحافظة على علاقات واسعة عالمياً، واستثمار هذه العلاقات لصالح الحقوق العربية. كما أصبحت لها مكانة كبيرة جعلتها قادرة على لعب دور الوسيط النزيه لحل أزمات المنطقة، واتفاق مكة المكرمة لوقف الاقتتال بين الفلسطينيين أحد الأمثلة على ذلك. كما للمملكة احترام كبير بين أوساط اللبنانيين بسبب عدالتها ورغبتها في أن يعيش اللبنانيون في سلام دائم. والتاريخ يشهد للمملكة اتفاق الطائف منذ أكثر من سبعة عشر عاماً الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان. كما لا يخفى على المتابع ما للمملكة من جهود تبذل لحل الأزمة اللبنانية الحالية.
والمملكة صاحبة المبادرة للسلام العادل والشامل في الشرق الأوسط التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله عندما كان ولياً للعهد، وتبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002م.
إن الدبلوماسية الهادئة والعاقلة تجعل الدولة قادرة على التعامل مع مختلف المتغيرات بتروٍّ وهدوء، لكسب أفضل النتائج، ومن دون الدخول في صراعات لا طائل منها سوى أنها تجعل الشعوب تعاني وتخسر ما حققته في فترات السلام.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244