Al Jazirah NewsPaper Thursday  08/03/2007 G Issue 12579
الاقتصادية
الخميس 18 صفر 1428   العدد  12579
حاجتنا العمرانية.. بعيداً عن الصدف!!
المهندس فهد الحماد

يعلم الجميع أن التطور العمراني له أهمية بالغة في قياس مستوى تقدم الشعوب، ومن هنا أرى أن أي أمة متقدمة علميا وتكنولوجيا وتقنيا، لا بد أن تمتلك منشآت عمرانية على مستوى عال من التقنية والجمال والأناقة، وتلبي المتطلبات الوظيفية المطلوبة منها بكفاءة عالية.

وإذا ما تأملنا حالنا وواقعنا، فإننا نجد من العجب الشيء الكثير، حيث نجد أحوالا متناقضة لا حصر لها، فنرى الأبنية الجميلة في أشكالها الخارجية، ولكنها لا تلبي الغرض الوظيفي المطلوب منها إلا بالحد الأدنى، ونرى أبنية أخرى وظيفية لا تملك شكلا خارجيا مقبولا، مما يؤثر في العائد الاستثماري الحقيقي للمبنى وعلى الشكل العام للمدينة.

وبشكل عام، فإن الأبنية في بلادنا بكل تصنيفاتها لا تعطي الانطباع الحديث على الرغم من أن معظمها مبان حديثة الإنشاء.

ولو لجأنا إلى المقارنة بالمدن الحديثة المشابهة لنا في وضعنا الاقتصادي والاجتماعي وحتى البيئي لمدننا، وبالذات في منطقة الخليج العربي، فإننا نجد - على سبيل المثال - في مدينة دبي من الجمال والتنظيم والتخطيط والمباني الشاهقة المميزة بكتلها المعمارية وواجهاتها الجميلة المتوافقة مع وظيفتها الاستثمارية، ما يعطي شعورا بالإعجاب والانبهار.

هذا التقدم لم يأت مصادفة، فعند البحث عن أسباب هذا التقدم والنجاح، نرى أنها أسباب ليست بعيدة أو صعبة التحقيق، تتلخص في البعد عن الأساليب التقليدية في إدارة المشروعات والقيادة غير العلمية لها، وتفرد صاحب رأس المال باتخاذ القرارات، التي تكون غير صائبة في معظم الأحيان، كما أن هذا التقدم إنما هو نتيجة طبيعية للتنظيم الإداري والتخطيط السليم الذي أفضى إلى إعطاء إدارة المشروعات دورها الأساسي، وذلك لأهميتها القصوى في أعمال البناء والتخطيط والبنية التحتية، وبهذا استطاعت دبي مضاهاة أجمل وأعظم مدن العالم وربما تفوقت على كثير منها.

وفي مملكتنا الحبيبة، وبناء على الظروف المستجدة والتطور الذي تشهده اقتصاديا وعمرانيا وسياحيا، وانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، كل هذا سيفرض على المشروعات القادمة مستوى معينا من الجودة والنوعية، وبالتالي بذل الكثير من الجهد والمال للوصول بالمنتج أو المشروع إلى المستوى والعمر الافتراضي الذي قرر له.

إدارة المشروعات الهندسية تخصص شامل، يضمن الجمع بين كل التخصصات الهندسية وبلورتها وتجسيدها في تنفيذ مبان ومنشآت عالية الجودة، وفق أفضل آليات الإنشاء والتنفيذ، وبمواصفات هندسية متوافقة مميزة، لا تترك للحظ أو للمصادفة مكانا في العمل، بل لا بد من وجود خبرات عملية وعلمية هندسية تربط بين النظرية التطبيق مباشرة على أرض الواقع، ودون تنظير لا فائدة منه أو تطبيق للعمل القائم على العشوائية.

وكما نعلم أن علم البناء والعمران هو مزيج من علوم متعددة من أعمال الإنشاءات الخرسانية، إلى الأعمال الكهربائية والميكانيكية وأعمال التشطيبات والديكور باختلافها وتنوعها الهائل، بجانب أعمال الزراعة حول المباني، وأعمال البنية التحتية المختلفة، والتنسيق مع الجهات الحكومية المزودة للخدمات. كل هذا يحتاج إلى صهره في بوتقة واحدة تضمن عدم التضارب بين مختلف الأعمال والتنسيق والتنظيم والتنفيذ وفق أفضل الطرق وأسلمها وأكثرها جدوى، ومن هنا جاءت الحاجة الماسة إلى علم إدارة المشروعات، مع ما يضيفه من تعديلات حول الدراسات الهندسية المعدة مسبقا، التي تكون في معظمها نظرية وتحتاج إلى تعديلات علمية عديدة، تكون تحت إشراف إدارة المشروعات، ليتم الاستفادة منها وتطبيقها على الواقع.

وللأسف نجد أن الشركات العاملة في هذا المجال في المملكة العربية السعودية قليلة جدا، وتكاد تكون نادرة، لكونها تحتاج إلى إمكانات وتخصصات علمية كبيرة، مع مهارة عالية وقدرة كبيرة على تحمل المسؤولية، وهذه الأمور مجتمعة من الصعب توافرها دائما.

فما بالنا نرى في أصحاب المنشآت العمرانية على اختلاف تعددهم (تجارية، خدمية، سكنية) يتفردون في تنفيذها، متذرعين بخبراتهم السابقة في ميادين العمل، متجاهلين فشل مشروعاتهم السابقة هندسيا وجماليا واقتصاديا، وذلك نتيجة جهلهم بالمواصفات الهندسية المطلوبة لكل جزئية من جزئيات مشروعاتهم، وبات الأمر في حاجة إلى تخصص مزين بالخبرة، التي يكون ثمنها مكلفا، لكنه في الواقع أكثر إفادة للمشروع، من حيث توفير الكثير من تكاليف أعمال الصيانة، وزيادة العمر الافتراضي للمنشأة، ورفع قيمتها الاستثمارية، وهنا تظهر أهمية الخبرة العلمية الهندسية المتخصصة في إدارة المشروع من البداية إلى النهاية.

ولضمان نجاح المشروعات العمرانية بأنواعها، علينا أن نعترف أن لكل مشروع عمراني (سكني، أو تجاري، أو خدمي، أو صحي،..) خصوصية تبدأ مع بداية العمل في الفكرة التصميمية، وحتى نهاية أعمال التنفيذ وبداية الاستثمار. وإدراك هذه الخصوصية والأخذ بكل الجزئيات الصغيرة للعمل هما ما يؤديان إلى نجاحه، وهذا لا يستطيع تحقيقه إلا ذوو خبرة هندسية وأصحاب نظرة علمية شاملة للمشروع بكل جزئياته.

ولا يخفى على أحد عدد الأسواق والمنشآت التجارية والخدمية التي تمتلك مواقع استراتيجية مميزة وذات تكلفة عمرانية عالية، قد أصابها الفشل وأغلق معظمها، وتعرض لاحقا على مستثمرين جدد لإعادة تأهيل من قبل اختصاصيين لمعالجة الأخطاء التي كان بالإمكان تداركها منذ البداية، لو أعطي الأمر لأصحاب الاختصاص الموثقين لإدارة هذه المشروعات.

وعلينا أن نعترف أيضاً أن المقاول وحده أو صاحب العمل أيضاً غير قادر على قيادة العمل إلى النجاح، وليس لديه القدرة والمؤهلات للسير بالعمل من البداية إلى النهاية، حيث إنه ليس بإمكان أي شخص منفرد القيام بعمل متكامل ناجح بكل المقاييس والمواصفات بمفرده، ونقول لبعض الذين يدللون على نجاح بعض مشروعاتهم السابقة، إنه لا يكفي تحقيق النجاح، وإنما الاستمرار فيه هو الأهم، كما وأن النجاح درجات، وكان في الإمكان تحقيق نجاحات أفضل وأعظم بنفس الشروط والمعطيات لو أوكلنا الأمر لأصحاب التخصص العلمي. وصدق أهل الأمثال حين قالوا: (أعط الخبز للخباز ولو أخذ نصفه).

إن الإدارة العلمية للمشروعات هي التي تضمن إقامة منشآت عمرانية عالية الجودة وبتكاليف اقتصادية مناسبة، وتكفل عدم الوقوع في أخطاء تنفيذية كثيرة تؤدي إلى خسائر مادية كبيرة، ونجد أن التوفير الذي نظنه توفيرا في تجاهل أهمية إدارة المشروعات قد انعكس خسارة كبيرة في مختلف النواحي، مع الوقوع في مشكلات لا داعي لها، سبب أكثرها قلة الخبرة المادية والعلمية والجهل بالمواصفات في العمل.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد